قبل وصولي إلى باب المنزل، سمعت مواءً حزينًا آتيًا من مسافة قريبة. دنوتُ من أحد أحواض الورود الذابلة، المركونة أمام المنزل، فرأيتُ خلفه قطّة صغيرة تصارع من أجل إخراج رأسها من داخل كيس من النايلون الأسود. اقتربتُ منها على رؤوس أصابعي ونزعت عنها الكيس ثمّ رأيتُها تثبُ من مكانها، هاربة مذعورة.
كنت أودّ لمسها ومداعبتها لكنّها فرّت غير مبالية بشعوري. وأنا أحبّ القطط، وكلّ الحيوانات الأليفة، وأرغب بشدّة في اقتنائها ورعايتها والتحدّث إليها، وأشعر بأنّها قد تكون أكثر تفهّمًا لمكنونات نفسي من البشر أنفسهم.
وقد حدث سابقًا أن أهدانا أحد أصدقاء والدي قطّة ذات فراء مرقّط من السواد والبياض، ولقّننا فنّ التعامل معها ورعايتها. وقال حينها: “إنّ هذه الحيوانات تتجلّى فيها أعظم أسرار الربّ. فلقد دأب الواعظ الدينيّ في حيّنا على إطلاق المواعظ جهارًا على الناس، على مدار عشر سنوات، وكان كلّما ألقى خطبة أبعدني عن الربّ خطوة، إلى أن اقتنيت إحدى القطط، وشرعت أهتمّ لأمرها، وأراقبها في حركاتها وسكناتها، وكيف تستجيب لغرائزها، وكيف تستجدي الألفة والحنان ثمّ تعود لتمنحهما لصاحبها. وبقدر ما كان الواعظ الدينيّ يُبعدني عن الربّ كانت قطّتي تقرّبني منه”.
*من رواية: ماديانا.. كآبة في عقلي