دعت منفذية سيدني في الحزب السوري القومي الاجتماعي، يوقّع الدكتور ادمون ملحم اصدارين جديدين له في قاعة Yagoona Community Centre: الأول بعنوان “الفلسفة الرواقية من زينون إلى سعاده”، والثاني (بالإنكليزية) بعنوان “Antun Sa’adeh: A man ahead of his time”
وذلك يوم الأحد القادم الموافق في 30 نيسان 2023 الساعة السادسة مساءً. وبهذه المناسبة التقت “النهار” بالدكتور ادمون ملحم بمناسبة توقيعه كتابيه في أستراليا “من سعادة إلى زينون” و”سعاده رجل سابق زمانه”، وحاورته عنهما.
*مبارك الإصداران الجديدان. هل لك أن تعطينا فكرة عن هذين الكتابين؟
– بداية، أشكر دعوتكم لهذا اللقاء وأقدّر اهتمامكم بالشأن الثقافي وإبراز الأعمال الفكرية لأبناء الجالية. إني من المؤمنين بوجوب الاهتمام الدائم بالأعمال الثقافية لأهميتها ودورها في حياة الشعوب وارتقائها. فالثقافة هي غذاء للفكر وأداة للتربية والإصلاح وتنمية المواهب وخدمة المجتمع وترقيته وإبراز مميّزاته وترسيخ قيمه وفضائله. فهي معركة دائمة للتحضُّر والتطوّر والتحديث وطريقها لا نهاية له، لأن غايتها السامية هي تجويد الحياة والارتقاء بالفكر والمجتمع وصولاً إلى حياة أفضل وأجمل.
بالنسبة للكتابين، الأول يُعرّف بالفلسفة أو المدرسة الرواقية التي جاء بها الفيلسوف الفينيقي زينون والتي كان لها انتشارٌ واسع وتأييد شعبي وتأثير عميق في الفكر والأخلاق والتشريع والمعتقدات الإنسانية والفلسفات اللاحقة. والكتاب الثاني (بالإنكليزية) يعرض لرؤية أنطون سعاده التي تعكس طموحه الكبير وآماله السامية والتي تُشكِّلُ حلمه البعيد الذي أراد تحويله إلى حقيقة ألا وهي الوصول بأمته إلى حياة أجود.. حياة راقية تَجِدُ فيها حقيقتها الجميلة.. وتُساهم من خلالها في العمل للخير الإنساني العام وفي تقدم المجتمع الإنساني وإنقاذه من معضلاته الاجتماعية – الاقتصادية ومن آفاته: الحروب المدمِّرة وغيرها…
*هل من رابط بين الكتابين؟
– كتاب “سعاده – رجل سابق زمانه” يتحدّث بلغة أكاديمية عن شخصية سعاده وظروف نشأته وتأثره بوالده وعن الهاجس الذي شغل فكره وأدّى إلى تكوين رؤيته. كما يظهر الكتاب منهجية تفكير سعاده من خلال شرح خطته الاستراتيجية التي تضمنت الغاية والأهداف التي وضعها لتحقيق رؤيته البعيدة المدى معتمداً على فعالية المنظمة الحزبية التي أنشأها. أما كتاب الفلسفة الرواقية، فيشرح، بعد تقديم موجز عن تاريخ الفلسفة اليونانية، ظروف ذهاب زينون إلى أثينا، التي كانت مركزاً حرّاً للصراع الفكري والنشاط الفلسفي، ودراسته الفلسفة هناك ومن ثم تأسيسه المدرسة الرواقية التي وُصفت بالابتكار الأعظم الوحيد في ذلك العصر والتي جاءت بتعاليم مطمئنة تساعد الناس على الصمود أمام صروف الدهر وتقلباته ونادت بالحياة الفاضلة. ويتضمن الكتاب شرحاً مفصلاً عن الفلسفة الرواقية وأقسامها وإسهاماتها وعن رؤية زينون البديعة ودعوته لمدينة كونية أخلاقية حيث البشر فيها أخوة يمارسون الفضيلة..
*ما هو جوهر الفلسفة الرواقية؟ ما هي غايتها؟
– الرواقية هي فلسفة أخلاقية – تربوية، عملية، آمنت بوحدة الوجود وبقانون ضروري أو عقل كلي متبصّر ومنبثّ في الوجود، يَحكم جميع الكائنات ويُرتِّب جميع الأشياء ويجعل من الكون لوحة في منتهى الروعة والجمال. إذاً، هذا الوجود او العالم محكوم بالعقل والعقل هو طبيعة الإنسان وقانونه.
وقالت الرواقية بالمدينة الكونية وبفكرة المواطَنة العالمية على أساس ان جميع البشر هم أخوة (ليس بالمعنى المادي – البيولوجي للكلمة) وأبناء وطن واحد. فالأرض وطن للجميع، ويشتركون في طبيعتهم الجوهرية من حيث أنهم مخلوقات عقلية.
وباختصار، رأت الرواقية أن الخير يجب أن يكون الغاية المنشودة لجميع المواطنين في المدينة الكونية، لذلك نادت بالفضيلة والحياة الروحية – الأخلاقية الفاضلة للتخلص من الشقاء واعتبرت أن الفضيلة وحدها خيّرة وتؤدي إلى السعادة القائمة على ضبط النفس والاكتفاء بالذات وتغليب العقل على دوافع الشهوة والأهواء أي الحياة بمقتضى العقل وقوانينه واعتبار الأخلاق هي الفعل العقلاني وليس اتباع الانفعالات والمشاعر والشهوات التي تشكل أعراضاً للجهل. فالفضيلة هي نتاج الإرادة الواعية المعتمدة على العقل.
*يبدو أن سعاده كان متماهياً مع زينون؟
– إن سعاده بطموحه ورؤيته الإنسانية العادلة كان بالفعل متماهياً مع زينون الذي قال بمدينة كونية يعمُّ فيها السلام والتفاعل المحب بين البشر. فسعاده نحا لتحقيق غايات إنسانية وجودية، لا غيبية، وطمحَ إلى إقامة الحياة المثلى وإشادة عالم جديد، سامٍ، أفضل وأجود من الموجود. ورؤيته غايتها خير الإنسانية وارتقاؤها وبناء “حياة أجود في عالم أجمل وقيم أعلى”، حياة خالية من الظلم والآفات والحروب البشعة وتتوفر فيها كل أسباب التقدم والعدل والحرية والخير والجمال. وتأكيداً على رفضه للغيبيات والشؤون الخفيّة واهتمامه بشؤون الوجود، يقول سعاده: “لسنا من الذين يصرفون نظرهم عن شؤون الوجود إلى ما وراء الوجود بل من الذين يرمون بطبيعة وجودهم إلى تحقيق وجود سامٍ جميل في هذه الحياة وإلى استمرار هذه الحياة سامية جميلة”.
*طبعاً هناك فارق زمني كبير بين الرجلين، ولكن هل من تشابه أو فروق بينهما؟
بالطبع هناك أوجه تشابه عديدة بين زينون وسعاده خاصة في ما يتعلق بالأخلاق والعقل والمساواة ومبدأ الواجب. سعاده يتحدث عن رابط عظيم يجمع بين فكره وفكر زينون خصوصاً في الناحية الإيجابية البانية التي تعبّر فيها الفلسفتان عن نفسية عميقة متأصلة في المجتمع السوري. إنّ زينون، كما يقول سعاده، لم يستطع أن يعيّن بالضبط ما هي المسؤولية الملقاة عليه وعلى أمته تجاه العالم.. فهو رسم الخطة ولم يبنِ ولم يُعنَ بقيمة المؤسسات التي وحدها تتولى تحقيق المبادئ. أما أنطون سعاده، فلقد جاء برؤية بديعة، كرؤية زينون، رؤية إنسانية عادلة منظمة، لا تقوم على التخيلات، بل على مرتكزات علمية، رؤية “يسيطر فيها عامل الفكر وتنقشع عن سمائها غياهب الأوهام”. هذه الرؤية القائمة على نظام فكريّ تسير بتفكير عملي وتتوق للوصول إلى “الحياة الجيّدة المثالية” وإلى عالم جميل تسوده قيم الخير والحق والعدل والجمال. لذلك يؤكد سعاده في شرحه للعقيدة القومية الاجتماعية: “ان الغرض من إقامة نظام جديد لحياتنا هو جعلُ الحياة أرقى وأفضل وأجمل”، “فالحياة وجمالها وخيرها وحسنها هو الغاية الأخيرة” التي نسعى إليها.
*أشرت إلى انتشار المدرسة الرواقية وتأثيرها. هل لك أن تحدثنا بتفصيل أكثر عن هذا التأثير؟
– لاقت الرواقية انتشاراً واسعاً وجذبت العديدين من الأتباع فاعتنقها مفكرون وقادة وأمراء وأباطرة وجنود وأصبحت بمثابة دين مناقبي فضائلي يَهدي الناس ويرشدهم، وأصبحت من أهم مدارس الإغريق الفلسفية على الإطلاق. وخلال خمسة قرون، حصدت شعبية كبيرة ووصل نفوذها إلى روما فامتلأت وظائف الدولة بأتباعها وكان لها تأثير كبير في التشريع الروماني وابتداء من القرن السادس عشر بُعثت في أوروبا وكان لها تأثير كبير في الفلسفة الحديثة وفي القانون الدولي وما زال تأثيرها حتى يومنا هذا.
*ماذا عن تأثيرها في وقتنا الحاضر؟
– هناك موجة عارمة من الإقبال الكثيف على كتابات الرواقيين أدّت إلى نشوء ما يعرف بالرواقية الحديثة، التي يُرّوج أتباعها إلى فائدة الرواقية الشفائية لكثير من الأمراض والحالات النفسية وإلى قدرتها على تسليح الفرد بالتفكير الإيجابي ومساعدته ليكون أقلّ انفعالاً ولتحسين حياته الشخصية والمهنية ولمواجهة التحديات والتعامل مع ضغوط الحياة اليومية بمزيد من الفضيلة والحكمة ورباطة الجأش. وتحثُ الرواقية الحديثة الناس على كيفية العيش بشكل جيد وفق مبادئ الرواقية الأخلاقية والاستفادة من أفكارها وخاصة من أفكار فلاسفتها الرومان. ونجد أثر الرواقية ايضاً في مجال الرواية الأدبية والفكر الفلسفي المناقبي الحديث وفي العلاجات النفسية والعلاج السلوكي المعرفي وغيرها من العلاجات التي تعتمد على تغيير القناعات والأفكار.
*هل من كلمة أخيرة؟
– أشير إلى أن كتاب “الفلسفة الرواقية – من زينون إلى سعاده” لاقى رواجاً كبيراً واهتماماً ملحوظاً من قبل المهتمين. كُتب عنه في الصحف اللبنانية (في النهار والديار والأخبار) وعبر مواقع الكترونيّة وكان موضوع نقاش في ندوة ثقافيّة عبر تطبيق الزووم جمعت عدداً لا بأس به من أهل الفكر والثقافة. وحالياً نتواصل مع دار النشر التي تولت مع مؤسسة سعاده للثقافة نشر الكتاب، إلى إصدار الطبعة الثانية بعد ان نفدت نسخ الطبعة الأولى.