فاطمة حسين إسماعيل*
كُثر هم الأهل الذين يرسمون نموذج طفل مثاليّ ومميّز في مخيلتهم. ويحلُمون أن يكون ولدُهُم صورة عنه. وهذا حلم ورغبة مشروعة طالما أنّها لا تتجاوز مستوى إمكانات وقدرات هذا الطفل، لأنه وبطبيعة الحال سينتجُ عن ذلك عواقِب سلبية جداً تطالُ جوانِبَ عديدة في شخصيتِهِ كطفلٍ على المدى القصير، وكإنسانِ المستقبلِ على المدى البعيد.
فَكَم من طفلٍ لديهِ قدرات متوسطة وما دون أوهمَهٌ أهلُه بأنه متفوّق قادر على أداء مميّز في دراسته وفي بعض هواياته، فصدّقَ هذه الأماني وعاشها، وحلُم أنَّه سيكون من المميّزين في بيئة مدرسيّة فيها الكثير من التمييز الفئَوي للمُمَيَّزين عن أقرانهم، والتهميش والإهمال لباقي الأطفال، ما يكفي ليهيم في هذا الأمل المزعوم. وعند اصطدامه بواقع مستواه الحقيقي يُصاب بالخيبة. وبالتالي حدِّث ولا حَرَج عن تَوَلُّدِ مشاعر الغيرة، والحقد، والنقمة على أقرانِه وكل بيئة المدرسة.
وفئة أخرى من الأهل ترفعُ سقفَ التوقعات بالقدرِ غير المنطقيّ وغير المتكافئ مع إمكاناتِ وقدراتِ ولدِهم لاعتبارات عاطفيّة أحياناً. أو لعُقدِ نقصٍ فيهم، فيطلبون منه وبطريقةٍ غير واعيةٍ إنجازَ ما لم يستطيعوا هم أنفسُهم القيام به، فيسقطون رغباتهم الخاصة عليه، وبالتالي يطالبونَه بتحقيقِ آمالِهم المتلاشية المنكسرة.
وعلى النّقيض فئة من الأهل الذين كانوا متفوقين يتوقعون من طفلهم أن يكون على صورتهم، وعند البعض الآخر قد يكون سبب رفع سقف هذه التوقعات غيرةً من الأقارب أو الجيران ولربما عند ثلّةٍ منهم جهل أو…. وفي نهاية المطاف ومهما تعدّدت الأسباب فكلُّ ذلك يُثقلُ كاهِل هذا الطفل بأمانٍ أرادوها هم وعَجِزَ هو عن تحقيقها. وما يزيد الطينُ بِلًّةً عندما يستعمل الوالدان أساليب سلطوية قاسية، فنرى الطفل يسعى ويبذل قُصارى جُهدِه لإرضائهم، وعندما يُواجَه بعدم التقدير وطَلَبِ المزيد يَتَوقفُ عن المحاولة وينتابُهُ شعورٌ بالفشل، ويُصابُ بالعجزِ والإحباطِ.
دعمُ الطفلِ ومسانَدتِهِ ليشعر بالإنجازِ هو ضرورة لا بدّ من كل ولي أمر ومربٍّ القيامُ به، بل هو واجبٌ ومسؤولية. والتعامل مع موضوع توقعاتهم من الطفل بوعي، ومعرفةٍ دقيقة ومنطقية مبنية على تقييم علمي واضح بقدرَاته. وفهم عميق بإمكاناته وطاقاته، ما يترتب على ذلك الكثير والكثير من الحذر من رفع سقف التوقعات. فلا يقعوا في متاهة ميل الطفل إلى الانتقام من والديه ومعاقَبتِهما بأن يتصرَّفَ بعكسِ توقعاتهما بسبب موقفهما. وركونه إلى الاستسلام والعجز والتهرّب.
فلنتقبَّل الأطفال كما هم، ندعَم نُشجِّع نُسانِد. نسعى لاكتشاف مكامن القوةِ لديهم. فسنُبهَر بما لديهم. نُريدُ لهذا الطفلِ أن يكون واثقاً عالي التقدير لذاته قويّ الدافعيّة. والأهم إنساناً مُتَّزناً في الحياة.
*مربّية.