نهل الشاعر عادل ناصيف من معين الشعر العربي، واستقى حلو كلماته من رحيق أزهار قريته الجبلية الغافية في أحضان الطبيعة الخلابة، فكانت قصائده قيثارة لحن وطني حمله بين جوانحه إلى بلاد المغترب، وظل يردده في دواوينه التي تشهد على هذا الوفاء
من قريته الكيمة في وادي النضارى غرب حمص، لمع نجمه الشعري منذ نعومة أظافره ورغم تفوقه في الشهادة الثانوية بالفرع العلمي في ستينيات القرن الماضي وتحصيله درجات تؤهله لدراسة أي فرع يريد، غير أنه اختار الأدب العربي الذي عشق شعره وشعراءه، فأثمر دراسة وتدريسا للغة العربية.
وعن بداياته في الكتابة، أشار ناصيف في حديثه إلى أنه أسس مع مجموعة من رفاقه مجلة أدبية اجتماعية ثقافية بعنوان صدى الخابور، برئاسة الإعلامي يعقوب شلمي، وعمل محررا في مجلة الفرسان، ومديراً لمجلة المعلم العربي، ليأتي تعيينه موجّهاً اختصاصيّاً أولاً لمادة اللغة العربية في مديرية التربية في دمشق لعدة سنوات، لتكلفه وزارة التربية مع لجنة بتأليف كتب اللغة العربية للمرحلتين الإعدادية والثانوية، ويمثل هذه الوزارة في عدد من المؤتمرات الطلابية والتربوية في عدد من الدول العربية والأجنبية، ويشارك في إعداد المناهج التعليمية في دولتي الإمارات والبحرين.
ومع تلك الجولة ما بين التربية والصحافة، ظل الشعر هاجساً وملازماً للشاعر ناصيف الذي أشار إلى وجوده الدائم في كل مناسبة وطنية ليلقي أشعاره التي كان ينشرها في الصحف والمجلات والدوريات، بهدف جمعها في ديوان كبير لتلتهمه النيران في منزله بدمشق قبل أن يتمكن من طبعه، ليحاول بعدها استذكار شيء من قصائده ويطبعها في ديوانه الأخير عبق الياسمين بجهود أستاذ الأدب العربي في جامعة البعث الدكتور جودت إبراهيم.
وعن تجربته الشعرية، يرى ناصيف المغترب منذ عشر سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية أن الشاعر الحقيقي لا يحتاج إلى ملهم، فالقصيدة حاضرة في كل شعور داخلي يترجمه موقف أو مشهد فرح أو حزن أو طبيعة جميلة كقريته بينبوعها وطاحونتها وأشجارها، التي كان لها الأثر الكبير في تأجيج عواطفه، وتنمية موهبته الشعرية، إضافة إلى تأثره بكبار شعراء العصر العباسي كالمتنبي والبحتري وأبي تمام، وشعراء القرن العشرين أمثال محمد مهدي الجواهري والأخطل الصغير والقروي.
وحول ما إذا كان قد تأثر شعره بالأحداث التي شهدتها بلادنا أوضح ناصيف أنه كشاعر يلجأ إلى القصيدة عندما يتفاعل وينفعل بما يجري حوله من أحداث قد تكون مؤلمة ومحزنة أو مفرحة، مستخدماً اللغة العربية الفصحى التي يعدها العمود الذي يحمل القصيدة إلى الناس بحلّتها الجميلة، فيقول معبراً عن ولعه بالقصيدة:
ما الشعرُ عندي كلام خُطَّ في ورقٍ
ولا حروف تآختْ وانتهى الأدبُ
الشعرُ خفقةُ قلبٍ سالَ عاطفة
ودفقة من صميم القلبِ تنسربُ
ولا يجد ناصيف فرقا بين الشعر القديم والحديث، والمهم فيهما أن تشدنا القصيدة وننفعل بها وبأسلوبها السهل ولغتها السليمة ومفرداتها الواضحة، معرباً عن عدم مناصرته لتقسيم الشعر ومزجه بالنثر، لأن القصيدة النثرية فن قائم بذاته، وبعض النصوص النثرية ربما تفوق بجمالها الشعر، ولكن لا يجوز الخلط بينهما.
ويرى أن الشاعر يحتاج إلى لغة سليمة ومخزون لغوي واسع، لأن اللغة عمود القصيدة، فإن التوى العمود سقطت القصيدة وماتت، ولكي يستطيع الشاعر التعبير عن أوجاع الناس ويلامس آلامهم، يحتاج إلى حرية التعبير والجرأة في طرح موضوعاته على ألا يتجاوز حدود المألوف ويخرج عن المنطق، مبدياً خوفه على اللغة العربية من الضياع في زمن صفحات التواصل الاجتماعي المروجة للهجات العامية واللغات الدخيلة، مدافعاً عن اللغة الفصحى بقوله:
أناشدكم بني قومي استفيقوا
فهذا العصرُ يستدعي انتباها
ففي لغتي منائرُ ساطعاتٌ
وغيرُ ذوي البصيرة لا يراه
وحول تجربته كشاعر مقيم في بلاد الغربة عبر ناصيف عن حبه لسورية التي لم تفارقه ولم تغب عنه في كل تفاصيل حياته حتى غدا عشقه لها عشقاً سرمدياً، وتجلى هذا الحب في قصائده التي جاءت بين دفتي ديوانه عبق الياسمين