سعادة ارشيد*
يصل نتنياهو غداً السبت إلى فلوريدا لعقد لقائه السادس مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وليشاركه احتفالات السنة الجديدة وقد أعدّ نتنياهو لزيارته جيداً عن طريق صناعة وقائع على الأرض في غزة والضفة الغربية والشام ولبنان، ثمّ من خلال نشر إشاعات واختلاق أكاذيب ساعدته في ملء حقيبته بالملفات التي سينقشها مع الإدارة الأميركية التي يبدو أنها استعدّت بدورها لذلك.
تنطلق دبابات جيشه مترافقة مع القصف المدفعي في رفح ويجتاح جيشه كل مدينة وقرية في الضفة الغربيّة، فيما مستوطنوه الذين أصبحوا ميليشيا شرعيّة تنشر الرعب والخراب في الريف الفلسطيني جاعلة من حياة سكانه بين جحيم لا يُطاق أو قلق دائم، يتمدّد جيشه في شرق القنيطرة ويتمّ الحديث عن إقامة مستوطنات داخل حوران أو في جوارها، فيما مركباته ومسيّراته وجرافاته تراقب كل شيء في جنوب لبنان وتعرقل عوده النازحين إليه.
في حقيبة نتنياهو المليئة بالملفات ثلاثة ملفات سيكتفي هذا المقال بمناقشتها:
– الملف الأول هو الملف الفلسطيني، حيث من الواضح أن نتنياهو مستمرّ في حرب الإبادة ولا يريد المضي باتجاه تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، ويختلق من أجل ذلك الذرائع منها جثة (الإسرائيلي) التي لا زالت في غزة، والتي تقول المقاومة إنها لم تعثر عليها بسبب ما جرى من هدم وقصف ودمار، فيما يقول نتنياهو إنها موجودة بحوزة المقاومة وإنها لا تريد تسليمها لاستعمالها كورقة ابتزاز، وعن استحالة التقدّم باتجاه المرحلة الثانية دون استعادتها وكأنّها تابوت العهد الخرافي أو لوح الوصايا الذي عاد به موسى من جبل سيناء، ثم يعود للحديث عن أن المقاومة قد رممت بنيتها واستطاعت تجنيد آلاف الشبان وأنه لا يمكن الانتقال للمرحلة الثانية ما لم تسلم سلاحها، وأكثر ما أثار قلقه تصريحات ترامب الأسبوع الماضي والتي تحدث فيها عن إمكانية سحب السلاح بالتدريج أو بالتجميد ونتنياهو يعرف أن المقاومة لن تسلم سلاحها لأنها بذلك تكون قد تنازلت عن كل أوراقها وأعلنت استسلامها، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد حرب من أكثر الحروب ضراوة استمرّت سنتين، وهكذا يريد نتنياهو أن يكون الخط الأصفر هو الخط النهائي وليواصل عدوانه بحثاً عن العظام الذهبية للقتيل (الإسرائيلي). وهذا الأمر قد لا يوافقه عليه ترامب، إذ أن لديه خطته ورؤاه التي تتجاوز صغائر السياسات (الإسرائيلية) الداخلية ومناكفتها، ثم أن الإدارة الأميركية ترى أنها الأخ الأكبر الذي يعرف مصالح (إسرائيل) أكثر من (إسرائيل) نفسها، قد لا يجد نتنياهو ما يقوله في النهاية إلى الرواية القديمة التي تقول إن قبوله بما هو أقلّ مما طرح يعني انسحاب المتطرفين من حكومته الأمر الذي سيؤدي إلى سقوطها.
– الملف الثاني هو الملف الإيراني وهو ملف إجماع (إسرائيلي) عام، إذ يرى العقل السياسي (الإسرائيلي) أن إيران تمثل خطراً وجودياً عليها وأنها تملك مشروع تمدّد عالميّ خطوته الأولى في شرق المتوسط ومضائق البحر الأحمر، وأن لديها حلفاء وأدوات في لبنان وفلسطين تعمل على تمويلهم وتدريبهم وتحريضهم على القتال وحتى دفعهم للتشبع وكان الإسرائيلي هو المؤتمن على مذهب أهل السنة والجماعة. إيران تعمل على بناء مشروع نووي طموح و”إسرائيل” لا تصدّق الفتوى التي أصدرها المرشد محرّماً فيها إنتاج السلاح النووي واعتباره متعارضاً مع الدين الإسلامي، وهي لطالما رأت أن أمنها القومي والاستراتيجي يقضي بأن لا تملك أي دولة في حيّز استراتيجي واسع أيّ مشروع نووي مهما كانت قدراته أو سلميته، ولهذا كان دورها واضحاً وجلياً في إسقاط ذو الفقار علي بوتو في باكستان وإعدامه عام 1979 وفي قصف المفاعلات النووية العراقية عام 1981 والتي أشرفت على بنائها فرنسا وبرعاية ورقابة من وكاله الطاقة النووية الدولية ثم قصف المفاعلات السورية منذ سنوات التي كان يشرف على إنشائها خبراء من كوريا الشمالية. نتنياهو يريد الحرب مع إيران وترامب يعرف تعقيداتها وهو يميل للوصول إلى تسوية، قد يسمح بضربات مؤثرة تشارك بها بلاده على أن لا تصل إلى حد الحرب المفتوحة والتي يستطيع أي كان إن يبدأها لكن لا يستطيع أن يعرف نتائجها، ولكن المعروف والمؤكد أنها ستحرق بنارها الدول القائمة على الجانب الآخر من الخليج.
– الملف الثالث هو الملف التركي وقد يكون الأكثر تعقيداً. فتركيا دولة برغماتية تعرف مصالحها بعيداً عن الأيديولوجيا وتملك الطموح الإيراني ذاته بالتمدّد الإقليمي والعالمي مع فوارق أنها عضو في حلف شمال الأطلسي وحليف ثابت للسياسة الأميركية وهي منتشرة اليوم في أماكن واسعة من الشرق في ليبيا والسودان والقرن الأفريقي وطبعاً في الشام والعراق.
اشتركت تركيا مع (إسرائيل) في الحرب على الدولة السورية مباشرة وعبر أدواتهما المحلية، وكان لهما الدور الأكبر في إسقاط النظام ولكل منهما تحالف مع قسم من دول البترو – دولار العربي – السني – الخليجي فـ(إسرائيل) الشريك الإبراهيمي للإمارات والسعودية والبحرين، فيما تركيا الشريك والقائد لقطر وضيوفها.
سقوط النظام في دمشق أسس لصراع بين المحورين. فالأتراك يرون أنهم وجماعاتهم أول من دخل حلب وحمص ثم دمشق، الأمر الذي أدّى إلى فرار الرئيس السابق ووصول أبو محمد الجولاني- أحمد الشرع لاحقاً رجل تركيا إلى قصر المهاجرين، وبالتالي فإن من دمشق وإلى الشمال يجب أن تكون حصة محسومة لهم ولا يريدون التخلي عنها، فيما يرى المحور (الإسرائيلي) – الإماراتي أن حصة الأتراك تقتصر على إدلب والرقة وبعض شمال الساحل الذي يجب أن يكونوا شركاء في الاستثمار في ثرواته الغازية.
هكذا يمكن قراءة الصراع التركي- (الإسرائيلي) أو ما يمكن أن نسمّيه بحروب الوكالة التي وقودها أهل حلب وجبل حوران في الوقت الحاضر. إنها حجارة شطرنج تُحرّك من أنقرة أو من تل أبيب. فتل أبيب تدعم الأكراد وتعدهم بدولة كردية وتقول إنها تشق طريق داوود الملتفّ على الحدود السورية الأردنية والسورية العراقية والذي سيرفع أيّ حصار عن الدولة الكردية في شرق الفرات، ويجعل من موانئ إيلات وأسدود وحيفا موانئها، ودفعت جماعتها مؤخراً لإشعال حرب في حلب فيما تحرّك تركيا جماعتها من العشائر الفراتية والجماعات السلفية للتصدّي للأكراد فيما يفرّ المواطنون من نار الحرب التي لا ضوابط لها، وفي حوران وجبله يتمّ الأمر نفسه، فـ(إسرائيل) لديها حلفاؤها في الجبل هذا، وإن كنا لا نتّهم أحداً إلا مَن أعلن عن تحالفه المعلن مع دولة الاحتلال فيما تدعم تركيا عشائر حورانية وجهات سلفية.
ولعل الصراع وصل قبرص وشقها التركيّ الذي يمثل إصبعاً لأنقرة فيما أصبح الشقّ اليونانيّ تحت الحماية (الإسرائيلية) وفي السياق ذاته يمكن تقدير ومعرفة من أسقط طائرة قائد الجيش الليبي العائد من أنقرة واغتاله.
هذا الصراع التركي الإسرائيلي لن ينتهي إلا بتدخل الإدارة الأميركية ووضع خطوط لحصتي كل منهما ولا نعلم إن كان ذلك سيكون قريباً.
*باحث ومحلل فلسطيني.















