هاني سليمان الحلبي*
اعتاد الناس أن يقيسوا أعمارهم بالسنوات، وسنواتهم بالشهور، وشهورهم بالأسابيع، وأسابيعهم بالأيام، وأيامهم بالساعات، وساعاتهم بالدقائق، ودقائقهم بالثواني، وثوانيهن بدقات قلوبهم التي تكبر معها فتستهلك إن لم يكن لها هدف ومبدأ، فالهدف والمبدأ في الحياة هما معناها الأجلّ.
لكنّ الحياة، بأعمق معانيها، ليست سنوات ولا شهوراً ولا أسابيع ولا أياماً ولا ساعات ولا دقائق ولا ثوانيَ..
إنّ المعنى الأعمق للحياة هو الأعمال. الأعمال التي كلّما مرّ عليها الزمان تبرّك بها، فتجوهرت بمدى ما ثبت من جوهر معدنها الأصيل، وأضاءت من وما حولها ولو كان يلفّها حلك الليل في أول ساعاته السوداء.
ذلك لأنها تلمع في القلوب وتضيء الأرواح بالبذل والتضحية اللذين يربطان بخيوطهما السرية أرواح الخيّرين، ليجلو معنى الإنسان الإنسان، الذي كلما بذل كبر، وكلما كبر تجدّد في القلوب والنفوس قدوة ومثالاً..
والإنسان الإنسان ليس بأن يكون قدوة ومثالاً، فالطامع في أمر لا يناله، كطالب الولاية لا يُولّى بل سيبدّد عمره لاهثاً بينما هي تعدو أمامه كريح هوجاء في أعالي الذرى الجليديّة لا تبلغها قدم ولا تطالها أحلام.
الإنسان الإنسان هو هو، هو كما هو مخلوق عليه ومفطور فيه، من النبل والحب والعطاء، كالزهرة التي تفوح في أرجاء بيوت راشيا العتيقة بلا منّة، كالياسمينة التي تُكنّى الشامُ بها ولا تقصف أنوف العابرين بأريجها طالبة ثمناً وبدلا.. إنّها تعطي وحسب، تفيض بالعطر بطبيعتها، وما همّها إن شكروا أو مدحوا..
***
أن يُقدّم المهندس إيهاب أسعد سرحال سيارة لفرع الصليب الأحمر اللبناني، فهو من عطر الياسمينة والوردة التي لا تطلب جزاء ولا شكوراً، بعض كرم ليس غريباً عن المعدن الأصيل والروح السمح.
والعطاء وديعة في موضعه المضمون، واستثمار في المدى المكنون، “زيت ع زيتون”، يعود على أهلنا في راشيا ومحيطها خدمة ملبّاة، من مؤسسة صنو للحياة، تُعطي ولا تطلب، تُستغاث فتقوم ريحاً لا تلوي حتى تنقل المستغيث الملهوف إلى أكف العلاج، حيث أيدي الرحمة المستقاة من لدن الرحيم.
ربّما لا بيت إلا وشملته تلك الرعاية المتوخاة في أي مجتمع متماسك، ربما قليلون هم المواطنون الذي لم يهتفوا لمركزها إلا وكانت سيارة الإسعاف أمام أبواب منازلهم في غضون دقائق وقد ترجّل منها الملائكة الحمر مستعدّين.
هنا بعض وفاء مسطور لأهل الوفاء، أحبائنا من شبابنا وصبايانا، في جمعية الصليب الأحمر اللبناني.. بعض وفاء نسطره لأهل العطاء والجود في مؤسسة سرحال للمعطاء السيد إيهاب أسعد سرحال.. لعلّ أهل الاقتدار يقتدون فيبذلون. وهم كثيرون بيننا ولا يقصّرون.
*ناشر منصة حرمون، كاتب وإعلامي ومدرب.
















