جاء إعلان النائب العام الكويتي، سعد الصفران، عن خطط لإنشاء نيابة متخصصة للشؤون المصرفية ستبدأ عملياتها في عام 2026، ليقدم مؤشراً على خطوة نوعية في تعزيز الحماية الجنائية للنظام المالي والاقتصادي الكويتي في مواجهة الجرائم المالية المتطورة، ما سلط الضوء على تأثير ذلك في طريقة التعامل مع شكاوى القروض والنزاعات البنكية.
ومن المقرر أن تركز النيابة الجديدة على التحقيق في جرائم تشمل الاحتيال الإلكتروني وتزييف المستندات المصرفية والشيكات دون رصيد، فيما اعتبر الصفران أن التطورات السريعة في الأنظمة المالية والخدمات البنكية الرقمية جعلت إنشاء مكتب متخصص ضرورة ملحة لتعزيز الثقة في المعاملات المصرفية وتحقيق قفزة نوعية في آليات التعامل مع الجرائم المصرفية، حسبما أوردت وكالة الأنباء الكويتية.
وحسب تقرير قانوني متخصص نشرته شركة جلاكو العالمية للاستشارات القانونية (GLACO)، وهي شركة معنية بالامتثال والعدالة الجنائية في المنطقة، فإن النائب العام الكويتي أكد أن المرحلة المقبلة ستحمل تحسينات نوعية حقيقية في آليات مكافحة الجرائم في القطاع المصرفي من خلال تركيز الخبرة المتخصصة.
غير أن تركيز النيابة الجديدة على الملاحقة الجنائية يثير تساؤلات عن دور النيابة في حماية المتعاملين الأفراد من النزاعات المدنية والمصرفية، خصوصاً في ما يتعلق بشكاوى القروض والخلافات التعاقدية بين العملاء والمصارف.
وللمرة الأولى، ستتولى النيابة مهمة إعداد دراسات وتقارير تحليلية دورية لرصد اتجاهات الجرائم المصرفية وتقييم أساليب المجرمين.
وعليه، فإن إنشاء النيابة يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الإطار الأمني للنظام المالي الكويتي من خلال تحسين الرقابة والملاحقة والوعي الوقائي، إلا أنها أداة متخصصة في الملاحقة الجنائية وليست آلية شاملة لحماية حقوق المستهلكين في المنازعات المدنية والعقدية، بحسب إفادة خبير لـ”العربي الجديد”.
يرى المستشار في المفوضية الأوروبية للحوكمة، محيي الدين الشحيمي، أن إنشاء نيابة الشؤون المصرفية يأتي ضمن سعي دولة الكويت لتحقيق رؤيتها الوطنية لعام 2035، التي تهدف إلى تحويل البلاد إلى أحد أبرز المراكز المالية والتجارية الإقليمية، بسمعة عالمية راسخة وجاذبة لأهم المشاريع والاستثمارات الدولية.
ويرتكز هذا المشروع الطموح على تقويم عناصر الواقع المحلي، ولا سيما في ما يتعلق بتعزيز الشراكة بين القطاعين، العام والخاص، وتناغم أدوارهما في إدارة النشاطات الاقتصادية، بما يخدم تنمية الموارد البشرية، ويرفع كفاءة الإنتاج، ويوفّر بيئة مؤسسية داعمة، بحسب الشحيمي.
ولفت إلى أن هذه البيئة تُعنى بترسيخ القيم الوطنية والحفاظ على الهوية الاجتماعية وتطوير البنية الأساسية اللازمة لتشجيع الأعمال، عبر تحديث المنظومة التشريعية، وتأهيل النظام القضائي، واعتماد سياسة خارجية متوازنة، تُسهم مجتمعةً في جذب الاستثمار ودفع عجلة التنمية.
ويؤكد الشحيمي أن هذه الرؤية لا يمكن أن تتحقق دون وجود سلطة قضائية فاعلة، يشكل فيها جناح النيابة المتخصص في الشؤون المالية والمصرفية حجراً أساساً لا غنى عنه، ويبرز الفارق الجوهري بين النيابة العامة المالية والنيابة العامة للشؤون المصرفية في طبيعة الاختصاص؛ باعتبار أن الأولى تركز على الجرائم الاقتصادية التي تمس المال العام، مثل التهرب الضريبي والجمركي، والاختلاس، وتبييض الأموال، وتعمل غالباً تحت إشراف النائب العام التمييزي بدعم من خبراء ماليين ونقديين. أما الثانية، فتتخصص في المخالفات داخل القطاع المصرفي ذاته، كالتزوير في البيانات المالية للمصارف، وعدم الامتثال لقوانين الرقابة المصرفية، وضمان استقرار النظام المالي ككل.
وبرغم اختلاف النطاق، فإن الجهازين يتكاملان في مكافحة الجريمة المالية، كل في مجاله القانوني المعين، وفق ما يوضحه الشحيمي، مشيراً إلى أن الطلب على تعزيز هذا التخصص القضائي يتزايد في ظل الحاجة الملحة لمعالجة قضايا الفساد المالي بكفاءة، إذ تمثل النيابة المصرفية هيكلاً جوهرياً في السلطة القضائية لحماية أموال الدولة والنظام المصرفي وضمان استقرار السيولة.
وتعمل النيابة المصرفية بكونها جزءاً متخصصاً يتعاون بشكل وثيق مع النيابة العامة المالية، لتوفير تغطية شاملة لكل ما من شأنه أن يهدد الأمن المالي والاقتصادي الوطني، وهو ما يعزز الشفافية، ويحمي الودائع، ويدعم الالتزام بالقوانين المصرفية والشركاتية، وفق الشحيمي.
ويترتب عن هذا الدور، حسبما يرى الشحيمي، تأثير مباشر في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين بالاقتصاد الكويتي ونظامه المصرفي، ما يرسخ مكانة الكويت شريكاً موثوقاً في الساحة المالية العالمية، ويفتح آفاقاً أوسع للشراكات الدولية.
وعليه، فإن النيابة العامة للشؤون المصرفية تنطلق، وفق توصيف الشحيمي، من مبدأ أنها “الحارس الأمين” على المال المصرفي والودائع، مقابل كون النيابة العامة المالية حارسة للمال العام.
















