يحيى دايخ*
لم تكن يومًا دول العالم الثالث بمنأى عن التدخلات الخارجية، خصوصًا تلك الدول التي تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي أو تحتوي على موارد طبيعية وثروات نادرة أو تؤثر في موازين الصراع السياسي الإقليمي والدولي. وغالبًا ما تسعى الدول الكبرى، تحت ذرائع متعددة، إلى بسط نفوذها أو توجيه السياسات الداخلية لتلك الدول بما يخدم مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية.
وفي هذا الإطار، يُشكّل لبنان نموذجًا واضحًا لتلك التدخلات، فهو بلد صغير بمساحته وإمكاناته، كبير بأهميته الاستراتيجية. موقعه الجغرافي المحاذي لفلسطين المحتلة، واحتضانه لمقاومة صلبة تواجه المشروع الصهيوني، جعله على رأس أولويات الإدارة الأميركية وحلفائها. وقد تُرجمت هذه الأولوية بتدخلات مباشرة وغير مباشرة، غالبًا ما تتجاوز الأعراف الدبلوماسية وبروتوكولات معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية، بحيث تحولت سفارات إلى غرف عمليات فعلية، تضغط وتوجّه وتنسّق في الشأن الداخلي اللبناني، بشكل لا ينسجم مع مبدأ السيادة أو احترام الدولة المضيفة.
وفي ظل ما يشهده لبنان من تدخلات علنية من قبل بعض السفراء الأجانب.
من المفيد الإضاءة التوضيحية التفصيلية، مبنيًة على *القانون الدولي العام* وخاصة *اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961)*، التي تنظّم عمل السفراء من خلال الأسئلة التالية:
*1. ما هي مهمة السفير الأجنبي في أي دولة؟*
السفير هو الممثل الرسمي للدولة المُرسِلة لدى الدولة المُستقبِلة، ومهمته الأساسية هي:
– تمثيل الدولة التي أرسلته أمام الدولة المضيفة.
– حماية مصالح دولته ومواطنيها.
– التفاوض باسم دولته مع الحكومة المضيفة.
– متابعة تطورات البلد المضيف وتحليلها وإرسال تقارير لبلده.
– تعزيز العلاقات السياسية، الاقتصادية، الثقافية.
*2. هل يحق للسفير التدخل في الشؤون الداخلية؟*
وفق *المادة 41 من اتفاقية فيينا 1961*:
– “يجب على جميع الأشخاص الذين يتمتعون بالمزايا والحصانات احترام قوانين وأنظمة الدولة المستقبلة”.
– “لا يجوز لهم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة”.
فأي تدخل في شؤون الدولة المضيفة يُعد *انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي*، ويُعطي الحق للدولة المضيفة باتخاذ إجراءات مثل:
– طلب التوضيح.
– توجيه تنبيه رسمي.
– إعلان السفير شخصًا غير مرغوب فيه *persona non grata*.
*3. ما هي أدبيات ووظائف السفراء (وفق القانون الدولي):*
– الاتصال يتم *حصريًا مع وزارة الخارجية* أو من تُحددهم الدولة المضيفة.
– يُفترض أن يتحلى السفير بالحياد، والامتناع عن إصدار تصريحات أو لقاءات تُحرج الدولة المضيفة.
– لا يحق له عقد اجتماعات مع مؤسسات أو جهات سياسية داخلية إلا *بموافقة أو تنسيق مع الدولة المضيفة*.
– يُمنع عليه إطلاق مواقف علنية تنتقد الدولة أو تُحرض على فئة من شعبها أو تحاول فرض سياسات.
*4. تدخل السفراء في الشؤون اللبنانية:*
ما يقوم به بعض السفراء الأجانب في لبنان من:
– زيارات للمؤسسات الأمنية والقضائية.
– اجتماعات مع أحزاب ومكونات طائفية.
– إطلاق مواقف عن الجيش أو سلاح المقاومة.
– التدخل في التعيينات أو الانتخابات…
*كل ذلك يتجاوز إطار العمل الدبلوماسي* ويُعد *خرقًا واضحًا لسيادة لبنان*، ويفترض أن يُواجه بتحرك رسمي عبر:
– استدعاء السفير.
– إصدار مذكرات احتجاج.
– وفي حال التمادي: إعلان السفير *persona non grata*.
*خلاصة:*
السفير:
– *يمثّل بلاده، لا يحكم البلد المُضيف*.
– لا يحق له أن يكون لاعبًا داخليًا أو موجّهًا سياسيًا أو عسكريًا.
– واجبه محصور بالتواصل الرسمي والتقارير والتحليل.
– كل نشاط خارج هذه المهام هو *تجاوز للقانون الدولي ولسيادة الدولة*.
وإذا لم تتحرك الدولة المضيفة، تتحوّل السفارات إلى *مراكز وصاية وتدخل خارجي*، وهذا ما نشهده اليوم في لبنان للأسف، والعامل المساعد المؤكد أنه وجود الإرتهان والتبعية والفساد والمصالحية على حساب الوطنية والكرامة والسيادة، كيف لاتكون هذه الصفات موجودة في بعض مواقع ومفاصل الدولة والسفارات هي التي أوصلتهم الى مناصبهم.
*كاتب و محلل سياسي لبناني















