عدنان علامه *
صفقات الغاز بين إسرائيل ومصر، وما يُخطَّط له مع قبرص واليونان وأوروبا، لا يمكن قراءتها كإتفاقات إقتصادية محضة. فهي، بإعتراف نتنياهو نفسه، صفقات أُقرّت أولًا وفق معيار “الأمن القومي الإسرائيلي” .
لكن الإشكال الأخطر يتمثل في المصدر القانوني للغاز، خاصة في ظل وجود حقول فلسطينية مؤكدة قبالة سواحل غزة.
أولًا: إسرائيل – الغاز كأداة أمن وسيادة سياسية
إسرائيل تنظر إلى الغاز باعتباره:
-وسيلة لتكريس الأمر الواقع الاحتلالي،
-أداة لدمجها في النظام الدولي كمورد طاقة “شرعي”، ورافعة سياسية لتحييد الدول العربية، وعلى رأسها مصر.
لذلك، فالموافقة الإسرائيلية على أي صفقة لا تتم إلا إذا:
عززت أمنها، ووسّعت هامش حركتها، وقلّصت أي تهديد مستقبلي.
ثانيًا: مصر – عائد اقتصادي محدود مقابل مخاطرة قانونية وسيادية
فتحقق مصر:
– رسوم إسالة وتسييل،
-تشغيل بنية تحتية قائمة.
لكنها في المقابل:
– لا تملك الغاز،
– ولا تملك سلطة قانونية على مصدره،
– وقد تُعرّض نفسها لمسؤولية التعامل في مورد متنازع عليه قانونيًا.
وهنا تنتقل القضية من السياسة إلى المساءلة القانونية الدولية.
ثالثًا: الإطار القانوني لحقوق الفلسطينيين في الغاز
1. الأساس القانوني
-وفق إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)،
-وقرارات الأمم المتحدة بشأن السيادة الدائمة للشعوب الواقعة تحت الإحتلال على مواردها الطبيعية؛ فإن:
– سواحل غزة تُشكّل أساس منطقة اقتصادية خالصة فلسطينية،وحقل غزة مارين (وكذلك حقل نوا) يقعان ضمن هذه المنطقة. وبالتالي:
فإن أي استغلال أو تصدير لهذا الغاز دون موافقة السلطة الفلسطينية الشرعية يُعد نهبًا لمورد طبيعي لشعب واقع تحت الاحتلال.
2. الوضع القانوني لإسرائيل
إسرائيل، بوصفها قوة احتلال:
– لا تملك حق التصرف في الموارد الطبيعية للأراضي المحتلة،
– ولا يجوز لها دمج هذه الموارد في اقتصادها الوطني أو تصديرها.
فالغموض الذي تعمّده نتنياهو حين قال إن الغاز من “المياه الإقليمية الإسرائيلية” دون تحديد، لا يلغي الحقيقة القانونية، بل يعزز الشبهة.
3- مسؤولية الدول المتعاقدة (مصر وأي دولة مستقبلًا)
وفق القانون الدولي:
-الدول الثالثة ملزمة بعدم الاعتراف أو المساعدة في أوضاع غير مشروعة ناتجة عن الإحتلال.
-أي دولة تشتري، تنقل، أو تسيّل غازًا فلسطينيًا دون موافقة أصحابه الشرعيين:
-تُخاطر بالوقوع تحت طائلة المسؤولية الدولية،
-وتُعد شريكًا غير مباشر في انتهاك حق تقرير المصير الاقتصادي.
رابعًا: خط أنابيب قبرص–اليونان وتدويل الانتهاك
إنّ مشروع نقل الغاز إلى أوروبا لا يغير من الوضع القانوني شيئًا، بل:
يُوسّع دائرة المسؤولية،
ويحوّل الانتهاك من إقليمي إلى دولي متعدد الأطراف.
غكلما ابتعد الغاز جغرافيًا، زادت صعوبة إنكار مصدره القانوني.
فالقضية ليست هل الغاز مربح؟
بل، لمن هذا الغاز أصلًا؟
فإسرائيل ربحت أمنًا ونفوذًا.
مصر ربحت دخلًا محدودًا مع مخاطر قانونية وسياسية.
أما الفلسطينيون، فيُحرمون من مورد سيادي يشكّل أحد آخر مقومات بقائهم الاقتصادي.
وأي دولة تنخرط مستقبلًا في هذه الصفقات دون حسم قانوني لمصدر الغاز،
لن تكون “محايدة”،
بل شريكة في ترسيخ اقتصاد الاحتلال.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
*- عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين














