حفز إطلاق رمز الريال العُماني الجديد رسمياً ليكون علامة موحدة تمثل الهوية العُمانية في المعاملات المحلية والعالمية تساؤلات بشأن حقيقة اعتباره مجرد إجراء شكليّ أم خطوة نحو إلغاء الكاش والاعتماد على الدفع الرقمي في السلطنة؟ وما إذا كان يمهد لعملة عُمانية رقمية قريباً، فالرمز الجديد، الذي يستحضر ملامح التراث العُماني، يشكل خطوة أساسية ضمن مشروع أوسع يهدف إلى توحيد الهوية الرقمية للريال على منصات التجارة والتمويل العالمية.
ويفتح ذلك الباب أمام احتمالات كبيرة بشأن إطلاق عملة رقمية خلال السنوات القادمة، بحسب تقرير نشرته منصة كونسنتس “Konsentus” المتخصّصة في حلول التمويل المفتوح والبنية التحتية المالية الرقمية، مشيرة إلى أن إطلاق رمز للعملة قد يبدو في الوهلة الأولى عملية تقنية بسيطة، إلّا أن أهميتها الاقتصادية أوسع بكثير، ولذا وصف محافظ البنك المركزي العماني، أحمد بن جعفر المسلمي، هذه الخطوة إبان إطلاقها في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأنها “مبادرة استراتيجية” تعزّز مكانة سلطنة عُمان مركزاً مالياً واعداً على الصعيد العالمي.
ومن شأن الرمز الجديد أن يسهم في ترسيخ حضور الريال العُماني على المنصات المالية والتجارية والرقمية حول العالم، ما يتيح تمييزه فوراً وتسهيل عمليات التبادل الدولي، الأمر الذي يعكس نضج النظام المالي العُماني وتطوره، بحسب تقرير نشره البنك المركزي العُماني. وفي السياق الأوسع لتحول الدول الخليجية نحو الدفع الرقمي، تشير المؤشرات إلى أن عُمان تسير في خطى متسارعة، فقد سجل نظام الدفع الفوري للأجهزة المحمولة (MPCSS) في السلطنة نمواً انفجارياً بلغ 318.6% من حيث الحجم و223.5% من حيث القيمة، ما يعكس انتقالاً حاسماً نحو الدفع بلا نقود.
في المقابل، شهدت معاملات صرافات الأموال الآلية (ATM) تراجعاً بنسبة 8.6%، ما يدلل على الاتجاه المتسارع نحو أساليب النقد الرقمي، حسب ما أورد تقرير الاستقرار المالي الذي نشره البنك المركزي العُماني للعام 2025. ويأتي هذا التحول السريع نحو الدفع الرقمي في إطار جهود أوسع تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي عامّةً، إذ أشارت منصة كونسنتس المتخصصة إلى أن عُمان والكويت تسيران في مسار مماثل لباقي دول الخليج، إذ تجرّبان البنية التحتية للدفع الفوري في الوقت الفعلي.
وبينما سارت دول مثل الإمارات والسعودية والبحرين بخطوات أكثر تقدماً في مجال العملات الرقمية للبنك المركزي، فإن عُمان اختارت نهجاً متوازناً، إذ تواصل دراسة التطورات في مجال العملات الرقمية من خلال فريق عمل متخصص، بحسب تقرير كونسنتس، وفي ما يتعلق باحتمالات إطلاق عملة رقمية عُمانية قريباً، يلفت تقرير لصندوق النقد الدولي إلى أن عُمان من بين 19 دولة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى التي تستكشف إمكانية إصدار عملة رقمية للبنك المركزي.
وأشار إلى أن العملات الرقمية يمكنها المساهمة في تحسين كفاءة خدمات الدفع العابرة للحدود، وهو ما يعتبر أولوية حاسمة للدول المصدرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي، من خلال تقليل تكاليف المعاملات والتعقيدات البيروقراطية.
تعزيز الدفع الرقمي
وفي الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، حمود بن علي الطوقي، لـ”العربي الجديد”، إلى أن الرمز الموحد للريال العُماني يسهل إدراج العملة الوطنية في أنظمة المحاسبة الدولية، ومنصات التجارة الإلكترونية وتطبيقات الدفع الرقمي، ما يعزّز وجود الريال في الفضاء الرقمي العالمي ويدعم تفاعله مع الأنظمة المالية الحديثة. ويستبعد الطوقي أن تكون هذه الخطوة مؤشراً على نية حكومية لإلغاء النقد، لكنه يلفت إلى أنها تأتي في سياق توسع ملحوظ في اعتماد وسائل الدفع الإلكتروني، مثل المحافظ الرقمية وخدمات التحويل الفوري، ما يعكس تحولاً تدريجياً في سلوك كل من الأفراد والمنشآت نحو المعاملات غير النقدية، وهو تحول يتماشى مع مسارات التحول الرقمي وأهداف “رؤية عُمان 2040”.
وفي ما يتعلق باحتمال أن تمهد هذه الخطوة لإصدار عملة رقمية مركزية، يجزم الطوقي بأن اعتماد رمز رسمي يعد حجر أساس تقني وتنظيمي قد يُسهل مستقبلاً ترميز العملة وبناء شبكات معاملات أكثر تطوراً، ومع ذلك يلفت إلى أن البنك المركزي العُماني يتعامل بحذر شديد مع ملف العملات الرقمية، انطلاقاً من خصوصية الاقتصاد المحلي وأهمية الحفاظ على الاستقرار المالي والمصرفي. ويخلص الخبير الاقتصادي إلى أن رمز الريال العماني الجديد يشكل عنصراً من مسار تحديث متكامل لقطاع المدفوعات، يهدف إلى تعزيز جاهزية السلطنة للمستقبل الرقمي، دون أن يعني ذلك إلغاء النقد أو الإعلان عن إصدار وشيك لريال رقمي، بل يمثل خطوة مدروسة ضمن رؤية مُنظمة لبناء اقتصاد أكثر رقمية وكفاءة.
البنية المالية والرقمية
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، خلفان الطوقي، لـ”العربي الجديد”، إلى أن اعتماد الرمز الرسمي للريال العُماني خطوة طبيعية ضمن مسيرة التطوير والتنظيم التي تشهدها السلطنة في مجال البنية المالية والرقمية، موضحاً أن هذا الرمز لا يكتسب أهميته من كونه رمزاً شكلياً فحسب، بل لأنه يُسهم في تعزيز هوية العملة الوطنية على المستوى الدولي، تماماً كما يفعل رمز الدولار الأميركي أو الجنيه الإسترليني، إذ يتيح التعرف الفوري على العملة بمجرد رؤيته في المعاملات أو المنصات الرقمية.
ويُبرز الطوقي أن الخطوة تندرج ضمن جهود أوسع تهدف إلى ترسيخ مكانة عُمان على الخريطة المالية العالمية من خلال توحيد معايير التعامل مع العملة الوطنية، وتسهيل إدراجها في الأنظمة المحاسبية الدولية ومنصات التجارة الإلكترونية وتطبيقات الدفع الرقمي، مشيراً إلى أن هذا التوحيد يعد جزءاً من عملية تنظيم وتوحيد تدريجي لكل مكوّنات النظام المالي، بما يواكب التحول الرقمي المتسارع، كما يلفت الطوقي إلى أن الرمز يشكل وسيلة فاعلة لترويج الاقتصاد العُماني وجذب الانتباه إليه، إذ يساهم في تعزيز الاعتراف الدولي بالريال العُماني عملةً مستقرةً ومميزة.
وأكد أن الهدف الأساسي يكمن في تمكين المستخدم، سواء كان فرداً أو مؤسسة، من تمييز العملة بوضوح من أول نظرة، وهو ما يعزز الشفافية ويسهّل المعاملات عبر الحدود، وعليه فإن هذه الخطوة ليست إلا محطة في رحلة تطوير منهجي وحثيث نحو نظام مالي أكثر كفاءة واندماجاً في الاقتصاد الرقمي العالمي.














