يحيى دايخ*
في تقرير لمراكز دراسات أميركية رسمية تشير إلى أن الولايات المتحدة تعيد ترتيب أولوياتها الأمنية وتخفّض من تركيزها على منطقة غرب آسيا، تبرز بعض النقاط المهمة والتي توجب التدقيق بها وتحليلها إستراتيجاً:
*أولاً. ما هو “التقرير” المقصود، وما مصدره؟*
1- الوثيقة المركزية هي U.S. National Security Strategy (استراتيجية الأمن القومي الأميركي) التي صدرت مؤخرًا، هذه الوثيقة تحدد أولويات واشنطن الاستراتيجية على المدى المتوسط والطويل. (1)
2- بحسب مراكز الدراسات، تمّ تأكيد أن منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) لم تعد ضمن “أولوية قصوى” لواشنطن. (2)
3- الوثيقة بحسب التحليلات الأمريكية: اختارت أن تعيد توجيه مواردها العسكرية والدبلوماسية نحو منافستها الكبرى أي منطقة المحيطين الهندي والهادئ (Indo‑Pacific)، والتركيز على التحدي مع الصين، بدلاً من الانخراط المتواصل في حروب الشرق الأوسط. (3)
*ثانياً. ماذا تقول الوثيقة (أو ما تم تناوله من تفسيرها) بشأن غرب آسيا*
بعض النقاط التي أوردتها الوثيقة هي:
1- “الشرق الأوسط” أصبح في مرتبة أقل ضمن أولويات الأمن القومي الأميركي، مقارنة بمسار التركيز على آسيا وأوروبا والأميركتين. (4)
2- السبب المعلن في الوثيقة: الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على نفط “الشرق الأوسط” كما في السابق، ما خفّف من أهمية السيطرة على منابع الطاقة. (5)
3- واشنطن تبدو الآن مهيأة لتقليص تدخلاتها العسكرية المباشرة في غرب آسيا، داعيةً حلفاءها إلى تحمل مسؤوليات أمنية أو ترك الأمر لوكلاء محليين (قوى إقليمية أو حليفة). [6]
ولكن “نزع الاهتمام” لا يعني “الانسحاب الكامل”
بالتالي من المهم أن نفرق بين:
– *نقل الأولوية*: بمعنى أن “الشرق الأوسط” لم يعد الهدف الرئيسي لواشنطن، وليس البحرين أو أوروبا أو آسيا.
– *إبعاد الاهتمام تمامًا*: وثيقة الأمن القومي لا تقول إن واشنطن ستتخلّى عن مصالحها في المنطقة، أو أنها ستغلق علاقاتها مع دول الخليج، أو أنها ستتخلى عن حليفها “إسرائيل”.
– بالعكس، الوثيقة تؤكد استمرار المصالح، لكن عبر شراكات تحفيزية، دبلوماسية، أمنية غير مباشرة. (7)
– *مرونة وتكيّف*: السياسة الأميركية أصبحت براغماتية أكثر: لا تدخل دائم، لا احتلال دائم، بل شراكة اقتصادية وأمنية، مع ترك المجال لـ “حلفاء محليون” (مثل “إسرائيل” والدول الخليجية) لإدارة القضايا. (8)
*النتيجة: هل “الخروج من دائرة الاهتمام” ذريعة واقعية؟*
1- أن الوثيقة والإدارة الأميركية رسمياً ومنهجياً تقلّلان من الانخراط المباشر في النزاعات التقليدية في الشرق الأوسط.
2- لا يعني ذلك أن المنطقة باتت خارج الاهتمام كليًا، بل باتت تُدار عبر وكلاء وشركاء، مع تركيز على مصالح استراتيجية اقتصادية وجيوسياسية أبعد.
بالتالي، من المهم تفسير هذا “الخروج” بحذر: هو ليس انسحاب دائم ولا هدية للساسة أو الأطراف في المنطقة، بل تحوّل استراتيجي في أسلوب إدارة النفوذ الأميركي، من تدخل مباشر إلى تفويض هجين (دبلوماسي + حليف محلي + أدوات ضغط غير مباشرة).
*ثالثاً. في تحليل استراتيجي لما ورد في التقرير الأميركي وما سينتج عنه، يمكن استخلاص الآتي:*
1. انسحاب تكتيكي لا استراتيجي:
إن الإشارة إلى خروج “الشرق الأوسط” من دائرة الاهتمام لا تعني التخلي عن المنطقة، بل إعادة تموضع. فواشنطن تريد تقليل كلفة الانخراط المباشر، مع الحفاظ على النفوذ من خلال *وكلاء ووظائف أمنية* تنوب عنها.
2. إسرائيل كشرطي المنطقة:
تكليف “إسرائيل” بإدارة الملفات (غزة، لبنان، سوريا) يعني عمليًا أنها أصبحت الوكيل الأمني والعسكري للمصالح الأميركية، وهذا:
– يُفسّر السلوك العدواني “الإسرائيلي” المتصاعد.
– يُعطي “شرعية” أمريكية ضمنية لأي حرب مقبلة تُخاض تحت ذريعة “ردع إيران” أو ” منع بناء قدرة وتحجيم حزب الله”.
3. تفويض خطير وتفكك إقليمي محتمل:
إن اعتماد أميركا على العدو الإسرائيلي كذراع تنفيذية قد:
– يدفع المنطقة إلى فوضى مبرمجة ومدروسة تعزز السيطرة “الإسرائيلية” تحت غطاء الأمن.
– يؤدي إلى تنفيذ العدو الإسرائيلي مواجهات متعددة الجبهات، ما يخلق واقعًا استنزافيًا للجميع.
4. أثر ذلك على لبنان:
هذا التوجه يُنذر بمحاولة فرض شروط تفاوضية مذلّة على لبنان من خلال القوة.
بالتالي ستكون هناك ضغوط متعددة المستويات: دبلوماسية، أمنية، اقتصادية، وداخلية (توتير أمني داخلي، توتير سياسي).
ما يفرض على المقاومة أن تواجه مرحلة “المعركة على الهوية والسيادة” وليس فقط على الأرض.
5. ما يجب قراءته من الرسائل الضمنية:
1- أميركا لا تريد الاستقرار، بل إعادة تشكيل المنطقة وفق خارطة جديدة، و”إسرائيل الكبرى” جزء منها.
2 – الدعم الأميركي ليس مجرد دعم تقليدي، بل هو تفويض بالهيمنة.
بالتالي المطلوب من قوى المقاومة توسيع إطار المواجهة: *إعلاميًا، سياسيًا، وتحشيديًا* لكشف المشروع.
*النتيجة المتوقعة:*
– مزيد من التوتر الإقليمي.
– سيناريوهات مفتوحة على صدامات عسكرية أوسع.
– إعادة بعث مشروع “الشرق الأوسط الجديد” بصيغة جديدة، يكون فيه الحسم لمن يملك القدرة على الردع لا من يراهن على التسويات.
*رابعاً. السيناريوهات والفرضيات الاستشرافية لما يمكن أن ينتج عن تفويض الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” بإدارة ملفات الشرق الأوسط:*
*1. السيناريو الأول: تفجير شامل للمنطقة (حرب إقليمية واسعة)*
*الفرضية:* “إسرائيل” تستغل التفويض الأميركي لشن حرب كبرى على لبنان وربما إستكمال العدوان على غزة.
*الدوافع:*
– محاولة القضاء وإنهاء محور المقاومة.
– فرض وقائع ميدانية تسبق تسويات مفترضة لصالح العدو.
– تمرير مشروع التطبيع الموسّع مع الدول العربية.
*النتائج المحتملة:*
– استنزاف “إسرائيلي” كبير لدول المنطقة.
– دخول أطراف من محور المقاومة تدريجيًا (اليمن، العراق) على خط المواجهة الكبرى.
– اضطراب إقليمي واسع قد يشمل أمن الطاقة والممرات البحرية.
*2. السيناريو الثاني: تصعيد محدود أي فرض تفاوض بالقوة*
*الفرضية:* استخدام “إسرائيل” لضربات موضعية بهدف إرغام لبنان على المزيد من التنازلات والتفاوض وفق شروط أميركية-إسرائيلية.
*النتائج المحتملة:*
– توتير جبهة لبنان من الجنوب الى البقاع مروراً بالضاحية الجنوبية.
– شلل اقتصادي لبناني متعمّد عبر الضغط.
– جر لبنان الى محاولات فرض ترتيبات أمنية جديدة دون حلول سيادية حقيقية.
*3. السيناريو الثالث: حرب بالوكالة بمعنى تفجير الداخل اللبناني*
*الفرضية:* دعم أميركي-إسرائيلي لأدوات داخلية (أحزاب إنعزالية، مجموعات ميلشياوية) لتفجير بيئة المقاومة سياسيًا وأمنيًا.
*النتائج المحتملة:*
– فوضى أمنية داخلية.
– إستمرار تشويه صورة المقاومة وربطها بالأزمات الاقتصادية والمعيشية.
– السعي لتفكيك الجبهة الداخلية وتحويل سلاح المقاومة إلى أزمة وطنية.
*4. السيناريو الرابع: تهدئة تكتيكية استعدادًا لما بعد انتخابات الكونغرس الأميركية*
*الفرضية:* واشنطن تضبط إيقاع التصعيد إلى ما بعد استحقاقاتها الداخلية (انتخابات الكونغرس).
*النتائج المحتملة:*
– استمرار الغارات والاستفزازات المحدودة.
– لا حرب شاملة، لكن لا تسوية جدية.
– مرحلة عضّ أصابع باردة حتى تتوضح التوازنات الجديدة.
*الاستنتاج العام:*
القرار الأميركي بتفويض “إسرائيل” يفتح الباب على مرحلة الاضطراب الاستراتيجي لا التسوية.
بالتالي، الردع وحده والجهوزية على مختلف الصعد (العسكرية، الإعلامية، الداخلية)، هي من يفرض المعادلات ويمنع الإملاءات.
*خامساً. أهم المصادر الرسمية لوثيقة 2025 National Security Strategy (استراتيجية الأمن القومي الأميركي 2025) — وهي الأحدث:*
1- وثيقة 2025 NSS متاحة على موقعها الرسمي: (1)
2- 2022 من Biden‑Harris Administration’s National Security Strategy (NSS 2022) عبر هذا الرابط: (2)
1. The White House: www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2025/12/2025-National-Security-Strategy.pdf?utm_source=chatgpt.com
2. The White House: bidenwhitehouse.archives.gov/wp-content/uploads/2022/10/Biden-Harris-Administrations-National-Security-Strategy-10.2022.pdf?utm_source=chatgpt.com
*مصادر ذات شأن في الموضوع:*
1. nssarchive.us: nssarchive.us/national-security-strategy-2022/?utm_source=chatgpt.com
2. Al Jazeera: www.aljazeera.com/news/2025/12/5/five-key-takeaways-from-trumps-national-security?utm_source=chatgpt.com
3. Council on Foreign Relations: www.cfr.org/expert-brief/unpacking-trump-twist-national-security-strategy?utm_source=chatgpt.com
4. The Jerusalem Strategic Tribune: jstribune.com/zakheim-the-middle-east-in-the-new-us-national-security-strategy/?utm_source=chatgpt.com
5. Ahram Center for Political Studies: acpss.ahram.org.eg/News/21584.aspx?utm_source=chatgpt.com
6. Stars and Stripes: www.stripes.com/theaters/europe/2022-10-12/biden-less-military-middle-east-7664851.html?utm_source=chatgpt.com
7. Al Arabiya: www.alarabiya.net/politics/2025/12/07/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D8%B3%D8%B7?utm_source=chatgpt.com
8. ISPI: www.ispionline.it/en/publication/shifting-priorities-us-and-middle-east-multipolar-world-35692?utm_source=chatgpt.com
*كاتب ومحلل سياسي.
الاثنين 8 كانون الأول 2025















