** نحتاج لإعادة صياغة العديد من القضايا التاريخية بعيداً عن الأهواء والآراء المختلفة حول مسألة التدوين التاريخي
** المبادرة الحضارية التي يقوم بها المهندس سميح متعب الجباعي، من خلال مركزه الثقافي، مقدّرة وتصبّ مباشرة في مصلحة تاريخ وذاكرة بلدنا الغني بالمجد والبطولات والمواقف المشرفة التي نعتز بها
** في ظل حكومة تكفيرية، سلفية، لا تقبل الآخر، لا يمكن لأصحاب الفكر ولا لغيرهم أن يغيّروا من أفكارها ومبادئها، وبالتالي، لا أمل من الحديث عن توحيد مؤسسات الدولة إلا برحيلها
تقديم هاني سليمان الحلبي
أطلقت إدارة منصة حرمون برنامج “مقابلات 2025” في مواكبة لمئوية الثورة السورية الكبرى، وزاد البرنامج غنًى بالتوأمة مع مركز سميح للتنمية والثقافة والفنون في السويداء، منذ سنتين، لمواكبة هذه المئوية التي تأبى إلا أن تعمّدها الدماء والنار، لتأكيد طابعها وهويتها القومية والوطنية، وأجريت عشرات المقابلات سيكون لها إنْ شاء الله حظٌّ بنشر في كتاب مستقل، فالهوية التي سقاها الآباء والجدود دماءهم وافتدوها بأرواحهم تستسقيها وتستفديها من جديد.
والمقابلة اليوم هنا، مع مترجم وأديب وباحث راقٍ وعريق خاض في الترجمة وقدم أعمالاً وازنة فيها وفي التأليف كذلك بخاصة في ما يتعلق بالتوثيق وأدب الرحلات، حتى كان رحالة موازياً يستعيد موضوع النص بزيارة المكان ويحاور العارفين عنه عن تاريخه وسكانه وغيرهما من التفاصيل ليغني ما ترجمه ويضيف إليه. محاضر أسهم بعطائه الثقافي والفكري في مراكز ثقافية وندوات ومؤتمرات عدة، منها العديد كانت بدعوة من منصة حرمون في سياق الاحتفاء المديد بالمئوية الأولى للثورة السورية الكبرى التي تحل هذا العام 2025، وإذا كانت قوى البغي والظلام والتكفير نغّصت على أهلنا في سورية عامة والسويداء والساحل خاصة، الاحتفاء بمئوية الثورة بما ارتكبته من مجازر وإبادة وقتل وذبح، لكنها لن تتمكن من تغطية سموات البطولة السورية بقبوات الفتاوى ولحى التطرف المشين. فشمس سورية لن تستطيع جيوش الأعداء في الداخل والخارج من حجبها بذبابها وقوافلها من مسوخ التاريخ.
ضيفنا الكريم في هذه المقابلة هو الباحث والمترجم الأديب كمال الشوفاني، صديق حرمون ومركز سميح للتنمية والثقافة والفنون، معرّفاً عن نفسه ونشأته وما انحفر في وجدانه من مواقف ودروس، ومقدماً مختصراً عن عطائه الفكري والعلمي وعن جبل حوران والرحّالة الذين زاروه في أواخر حقبة القرن التاسع عشر، مؤكداً أن استعادة وحدة سورية كدولة وكيان ومجتمع مرهونة بوعي الشعب السوري ورحيل السلطة التكفيرية وقوى نفوذها المتحكمة.
حوار شيق ومليء بالمعرفة الرشيدة والخبرة جدير بعنايتكم ووقتكم وقراءتكم.
تنسيق وإعداد ميساء عبدالله أبو عاصي
1-نتشرف باستضافتكم في موقع حرمون، حبذا تعريف قرائنا وزوار موقعنا بحضرتكم؟
في البداية شكراً لموقع حرمون والقائمين عليه على الاستضافة، وقد تعودنا علىِ حسن ضيافتهم واهتمامهم بتاريخ هذه المنطقة العريق وتراثها الجميل.. أما عن نفسي فأنا من مواليد مدينة السويداء عام 1962، أحمل إجازة في الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق. مترجم وباحث في أدب الرحلات والتراث المادي وغير المادي. أعتمد على التوثيق بشكل رئيسي في عملي، وفي أرشيفي أكثر من 15 ألف وثيقة (وثائق مكتوبة وصور وثائقيّة) تتعلق بجبل العرب على الخصوص وبلاد الشام والوطن العربيّ عموماً.
2- اخترتم الترجمة والبحث العلمي مجالاً علمياً، ما أسباب اختياركم؟ ما أهميته لسورية وللثقافة؟
كان الفضل في اختياري للترجمة لكتابات الرحّالة، الذين كنتُ أقرأ أعمالهم باللغة الإنكليزية لأكثر من عشر سنوات، قبل أن أقرّر أن أترجم أعمالهم للعربيّة، بعد أن وجدت أن المُترجَم لهم لا يتعدّى الكتابين أو الثلاثة عن جبل العرب، مثلاً؛ فوجدت أن تعريف القارئ العربي على كتابات أولئك الرحالة يخدم الفرد والمجتمع في آن واحد، وكانت البداية بكتاب للرحالة الإنكليزية غيرترود بل، ومن هناك انطلقت برحلة الترجمة التي تعدّت حدود أدب الرحلات، رغم أنني أحبّذه أكثر من أيّ نوع أدبي آخر. أما عن أهميتها لسورية، فأعتقد أن ما كتبه الرحالة، على اختلاف مشاربهم، يمكن استخدامه في إعادة صياغة العديد من القضايا التاريخية لسورية أو أي بلد آخر بعيداً عن الأهواء والآراء المختلفة حول مسألة التدوين التاريخي.
3- ما العوائق التي اعترضتكم في بناء هويتكم العملية والعلمية؟ وكيف تعاملتم معها؟
ربما يكون العائق، الأكثر أهميّة، هو فكرة نشر كتاب لكاتب جديد يخشى أن يكون قد وُفقَ في ما نشر، أم لم يوفق. لكن، وبتشجيع من أحد الأصدقاء الناشرين، تشجّعت لترجمة كتابي الأول، وبعد أن لاقى عملي استحسانا، أزعم أنه فاق التوقعات، لم تعد أمامي أي مشكلة في بناء وتطوير هويتي العلمية، وتقديم ما بتُّ مقتنعاً أنه عمل يلقى استحسان القراء على مختلف مشاربهم، داخل سورية وخارجها.
4- ما أبرز الهوايات التي تميّز شخصيتكم؟ وما أعمق ما تتذكرونه من مواقف مؤثرة في حياتكم؟
منذ شبابي الأول وأنا مهتم بقضايا التراث العربي والعالمي، وربما كان لوجودي عدة سنوات في بلد عريق في القدم، كاليمن، الدور الأكبر في صياغة شخصيتي المتعلقة بالتراث اللامادي، من عادات وتقاليد وفنون وآداب، أو المادي من آثار ومواقع تاريخية عريقة، وجاء أدب الرحلات ليقدّم لي ما لم يدوّنه التاريخ، أو ما لم أكن قد اطلعت عليه، لقلة ما ترجم من كتب الرحالة والمستشرقين، وهذا أيضاً ما جعلني أفكر بترجمة كتبهم. وفي السياق ذاته، فمنذ طفولتي مارستُ هوايات تلتقي مع كل ما سبق، كجمع الطوابع والعملات المعدنية والورقية والأشياء القديمة. وبعد أن نضجت أفكار كبيرة في ذهني بعد مشروع الترجمة، أدركتُ أن الوثيقة التاريخية هي العماد الأساسي لتقديم مادة تاريخية فريدة، غير مسبوقة، خصوصاً إذا لم تكن منشورة أو معروفة، فبدأت بجمع الوثائق بوسائل مختلفة إن كان عن طريق الكتب أو الشابكة (الانترنت) أو من أصحاب تلك الوثائق، خصوصاً بعد أن أصبحتُ معروفاً في الأوساط الشعبية من خلال كتبي ومحاضراتي في السويداء أو المحافظات السوريّة الأخرى.
أما عن المواقف المؤثرة التي أتذكّرها دائماً، فتكمن في الإطراء والمحبة ممن تعرفوا على ما أقدّمه في الترجمة والبحث والتوثيق، وتلك الثقة التي يمنحوني إياها في تقديم وثائقهم الخاصة القابعة في صناديق أهلهم القديمة أو في أدراج مكتباتهم، والتي لم يفرّطوا بها أو يقدّموها لأحد، خوفاً عليها من الضياع. ويبدو أن إيمانهم بأهميّة ما أقدّمه والتجارب السابقة لما قدّم لي من تلك الكنوز، وتعاملي الصادق مع أصحابها، جعل من الناس لا تتردّد في تقديم ما أطلبه منهم. في النتيجة أحتفظ الآن بصور لآلاف الوثائق في مختلف المواضيع الاجتماعية والسياسية والأهلية، بتّ أستخدمها مادة رئيسية في أبحاثي التاريخية، نتج عنها حتى الآن كتاب عن وثائق الخيل والعديد من المحاضرات والمقالات المنشورة وغير المنشورة، والتي ستجد طريقها للنشر في مقبل الأيام.
5- حبذا تعريف متابعي حرمون بإنتاجكم العلمي والفكري بإيجاز ممكن؟
نشرت حتى الآن ثمانية كتب في الترجمة والبحث التراثي والتوثيقي. في الترجمة أربعة كتب لرحالة أوروبيين قدموا إلى جبل العرب في القرنين التاسع عشر والعشرين. الكتاب الأول هو: مذكرات غيرترود بل في جبل حوران، ويغطي رحلتَيْ الرحالة إلى الجبل لمرتين، عامي 1900 و1905. تبعه كتاب المبشّر الإيرلندي د. وليم رايت بعنوان: مغامرات بين خرائب باشان (1874)، وثق فيه رحلاته المتعددة إلى الجبل خلال السنوات العشر التي قضاها في سورية، وختمها برحلة عام 1874 دوّن من خلالها مشاهداته ولقاءاته مع شخصيّات جبليّة مهمة في مرحلة مفصليّة في تاريخ الجبل بين نهاية حكم آل الحمدان وبداية حكم آل الأطرش. الكتاب الثالث هو رسائل فريا ستارك من جبل الدروز، الرحالة الإنكليزية التي زارت الجبل عام 1928، صوّرت فيه مشاهداتها ولقاءاتها مع أهل الجبل في المناطق التي مرّت بها، إضافة إلى المصاعب التي وجدتها في التجوال في ظل القبضة الحديدية لعمال الاستخبارات الفرنسية التي أحكمت قبضتها تلك على الجبل بعد توقف الأعمال القتالية للثورة السورية الكبرى قبل عام من زيارتها. أما الكتاب الرابع فيعود للرحالة الإنكليزي جيمس سيلك باكنغهام، وهو من الرحّالة الأوائل الذين زاروا جبل حوران بعد الرحالة الألماني زيتسن والسويسري بوركهارت. يصوّر الكتاب رحلته الشاقة للجبل عام 1816 وتكمن أهميّة الكتاب في تعريفنا على ديموغرافيا المنطقة حينذاك، وقد تغيّرت كثير في العقود اللاحقة، إن كان من حيث السكان أو القرى المسكونة وإعمار الخرائب القديمة التي كانت مهجورة وعادت لها الحياة مع القادمين الجدد. كما ترجمت كتاباً من اللغة العربية للإنكليزية بعنوان (قصص من كنزا ربا) يتضمن ثلاثين قصة مقتبسة من كتاب الطائفة المندائية المقدس (كنزا ربّا).
في التأليف، أعددت كتاباً ضمن موسوعة الجبل الصادرة عن دار الكرم بعنوان: رحّالة الغرب في جبل العرب، وثقت فيه ملخصاً لثلاثة وعشرين رحالة ومستشرقاً وعالم آثار قدموا إلى الجبل في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين. كما صدر لي كتاب توثيقي بعنوان (شراكة الخيل عند العرب، جبل العرب مثالاً) اعتمدتُ فيه على وثائق نادرة جمعتها على مدار عشرين عاماً، وهو عمل فريد، على ما أعتقد، ليس في سورية فحسب، بل في الوطن العربي.
وسوى الكتب المنشورة، قدمت العشرات من المحاضرات في المراكز والمحافل الثقافية المختلفة في المحافظات السورية ونشرت العديد من المقالات والأبحاث التراثية والتوثيقية في الدوريات السورية والعربية.
6- بما أنكم كاتب ومترجم كيف ترون واقع الترجمة؟ وما مستقبلها المرجوّ؟ وما الحاجة لتطويرها لتواكب التطور الثقافي والفكري عالمياً بما يخدم بناء الثقافة السورية الضرورية للنمو والتقدم؟؟
كانت الترجمة في السابق حكراً على مَن يجيد لغة أخرى على الأقل ـ لذلك افتقد القارئ العربي الاطلاع على العديد من الإبداعات العالمية التي واكبت العصور المختلفة. أما اليوم، فقد أصبحت العملية أيسر بكثير في ظل التسهيلات العديدة التي قدمتها التكنولوجية والوسائل الإلكترونية، إن كان من حيث المادة نفسها المُراد ترجمتها، عبر الكتب الإلكترونية التي أصبحت مكتبات افتراضية في بيوتنا، أم الوسائل المساعدة في الترجمة كالقواميس الإلكترونيّة والوسائل التقنية الأخرى التي تتطوّر بشكل سريع. وهناك من يعتقد بأن مهنة الترجمة قد تتلاشى مع الزمن بوجود البرامج الإلكترونية التي تقوم بهذه العملية بدلاً من الإنسان، لكن برأيي يبقى المترجم هو صمام الأمان للقارئ، فيما يقدّمه من ترجمة دقيقة لا تقدر عليها تلك البرامج، لا سيما الكتب التوثيقية والتاريخية المليئة بأسماء المناطق والبلدان وأسماء العلم والأدوات التراثية وما يتعلق بالتراث غير المادي من عادات وتقاليد وحرف ومهن الخ.
7- بعضهم لديه طقوس خاصة لكتابة إبداعية؟ ما تعليقكم؟ هل لديكم طقس للكتابة تألفونه؟
لكل شخص طبيعته الخاصة في الحياة، ولا يخرج الكاتب عن هذا، فلكل منهم طقسه الخاص. من خلال خصوصيّة الكتب التي أترجمها أو أؤلفها، فالأمر عندي يتطلّب الخروج من مكتبي إلى البحث والتجوال في المناطق التي كانت مسرحاً لمادة تلك الكتب، إن كانت كتب الرحّالة، أم الكتب التوثيقية. ففي مجال الرحلات، أنا رحّالة موازٍ – إذا جاز التعبير – أرتحل إلى المناطق التي زارها الرحالة، واستطلع المواقع التي حلّ بها، لأرى ماذا حلّ بها، وكيف تطوّرت؛ ألتقي بأهلها الحاليين وأسأل عمن كان يسكنها زمن تلك الرحلة، وأدوّن ما ذكره لي عن ماضيها وتطوّرها، فأثبته في هوامش الكتاب. أما الأبحاث التراثيّة فلا بد من زيارات عديدة إلى أصحاب الوثائق والأماكن الأثريّة التي أكتب عنها. بعد كل هذا أعود إلى طاولة مكتبي وأبدأ العمل.
8- برأيكم ما اللحظة الإبداعيّة، وكيف يقطفها المبدع؟
قد أختلف عن الكتّاب الذين تنطبق عليهم فكرة الإبداع، فالباحث يختلف فكرياً ونفسياً عن الشاعر أو الروائي الذي يُصنّف عمله كإبداع، أما المترجم أو الباحث فهو شخص متابع ومجتهد يتطلب منه بذل الجهد والبحث والتصميم والذاكرة للقيام بعمله على أكمل وجه.
9- شاركت بكتاب مشترك أصدره مركز سميح للتنمية والثقافة والفنون بعنوان “صفحات من تاريخ جبل حوران”، هل يمكن إيجاز مضمون بحثكم فيه؟ وكيف يتم إثبات أصالة أهلنا في جبل حوران قبل قدوم من قدموا في القرن السابع عشر من لبنان وفلسطين؟
نعم، وقد سعدت بتلك المشاركة صحبة أسماء أدبية وثقافية مرموقة في جبل العرب، كما أن المبادرة الحضارية التي يقوم بها المهندس سميح متعب الجباعي، من خلال مركزه الثقافي، مقدّرة وتصبّ مباشرة في مصلحة تاريخ وذاكرة بلدنا الغني بالمجد والبطولات والمواقف المشرفة التي نعتز بها. أما عن مشاركتي في الكتاب فكانت في أدب الرحلات، وقد اخترت سبعة رحالة غربيّين قدموا إلى جبل حوران في العقد العاشر من القرن التاسع عشر، المليء بالأحداث التاريخيّة الهامة في أواخر العهد العثماني في بلاد الشام. وقد لخّصت زيارتهم تلك بما يتناسب مع حجم الكتاب وطبيعة النشر.
وفي ما يتعلق بإثبات أصالة أهلنا في جبل حوران ـ فأولئك الرحالة خير من كتبوا عن ذلك ودوّنوه في كتبهم ومراسلاتهم بدقة، بعيداً عن الاصطفافات السياسية والمذهبية، وغالباً ما كانت وراء أولئك الرحالة جهات تطلب صحة التوثيق، لخدمة مصلحتها أولاً؛ فالعديد من أولئك الرحالة كانوا قناصل أو جواسيس أو علماء آثار ومؤرخين لبلدانهم، وقد طلب منهم الدقة في نقل الصورة التي يشاهدونها ويسمعون عنها. في النتيجة نحن أيضاً مستفيدون من تلك الدقة في إعادة رسم العديد من الوقائع التاريخيّة التي وصلتنا منقوصة ومشوّهة تخدم الحاكم في تلك المرحلة التاريخية أو تلك.
10- كانت إدارة موقع حرمون تنسق معكم من ضمن باقة من القامات السورية واللبنانية والعربية، ليكون لنا برنامج احتفاء بمئوية الثورة السورية الكبرى (1925 – 2025)، ماذا تقترحون؟ وما يمكن إنجازه وفق الظروف الراهنة؟ هل تبدو طقوس المجازر احتفالاً معكوساً بمئوية الثورة السورية الكبرى؟ وهل هكذا تكافأ السويداء وأهلها على ما بذلوه؟
نعم، وكلمة حق أقولها إن “حرمون” هي أول من بادر الى فكرة الاحتفاليّة عمليا، وبدأت مبكّرة منذ أكثر من سنتين، وكان لي شرف المشاركة أكثر من مرة. لكن ما حصل من أحداث، عطّل علينا فرحتنا بالاحتفالية وبإمكانية تنفيذها، لا سيما أن سلطة الأمر الواقع لم ولن تفكرا أبداً بالثورة السورية الكبرى، فهم لهم ثورته الخاصة، وعندها يقف التاريخ. وللأسف قد تبدو المجازر والفظائع التي حصلت في السويداء احتفالاً عكسياً بالثورة، لا سيّما أن موعد الاحتفاليّة كان مفترضاً أن يتمّ بعد أيام قليلة من بداية المجزرة. أما ماذا يمكن إنجازه حول هذا الموضوع، فبصراحة أقول إن الجو العام، وحتى الخاص، لا يسمح أبداً، وسط هذا الضياع والتشتت الذي نعيشه نتيجة ما حصل.
11- تعاني سورية اليوم من ازمة قيادة عامة شرعية منتخبة يمكنها توحيد مؤسسات الدولة. ما واجب قادة الفكر والرأي العام إن كان لهم دور؟ ما تعليقكم؟ وماذا تقترحون؟
باختصار شديد، في ظل حكومة تكفيرية، سلفية، لا تقبل الآخر، لا يمكن لأصحاب الفكر ولا لغيرهم أن يغيّروا من أفكارها ومبادئها، وبالتالي، لا أمل من الحديث عن توحيد مؤسسات الدولة إلا برحيل هذه الحكومة وقدوم حكومة جديدة، تؤمن بالحريات والديموقراطية وقبول جميع الأعراق والطوائف السورية دون استثناء.
12- أُطلقت نداءات عدة، ووقعتم على بعضها، هل توصلت تلك النداءات وغيرها من المبادرات إلى صيغة عملية تؤطر بعض الجهود الوطنية؟
الجواب، للأسف: لا. لدرجة أننا بتنا نرى ألا أمل من هذه البيانات لأنها لن يسمعها أحد.
13- ماذا ترون في واقع ما يُقال عن غطاء إسرائيلي يشمل محافظات الجنوب السوري وصولاً لمنطقة شرقي الفرات لمحاذاة العراق؟ وماذا ترون في الموقف الشعبيّ العام، إن وجد، أم أنه في انقسام بلا ريح ولا جدوى؟
لست ضليعاً في السياسة والتحليلات السياسية، لكني أدرك تماماً أن “إسرائيل” لا تعمل إلا لمصلحتها. أما في ما يتعلّق بالموقف الشعبي فهو منقسم بالفعل إلى قسمين: الأول يرى أن “إسرائيل” تبقى العدو التاريخي للعرب والسوريين، والقسم الآخر يرى أن “إسرائيل” هي المنقذ الوحيد لأبناء الجنوب، والمقصود هنا الدروز منهم، لا سيّما بعد الغزو الهمجي الذي اجتاح محافظة السويداء، وساهمت “إسرائيل” مساهمة فعالة في ردعه وإيقاف عدوانه. أنا من ناحيتي أقف مع الطرف الثاني حالياً في توصيفه لحماية “إسرائيل” للسويداء، لكني لا أنسى أن “إسرائيل” كانت على علم مسبق وقد تكون متورّطة بالهجوم، لغاية في نفسها، ينتهي تفسيرها بأن يهيئ الاجتياح جواً لمطالبة أهل السويداء بالانفصال، ورفض الحكومة الحالية وعدم التعامل معها، بعد كل ما ارتكبته من مجازر وجرائم قتل وحرق وسلب واغتصاب واختطاف. عندها تصبح حجة “إسرائيل” لدخول الجنوب مقبولة، وإن حصل هذا فإنه أكبر نصر لـ”إسرائيل” منذ نشأتها لاقترابها من حلمها التاريخيّ في الوصول إلى الفرات.
14- كان قاسياً انتشار فيديو لموكب سيّار جاب السويداء منذ أيام رافعاً علم كيان الاحتلال وعلم الطائفة الدرزية إلى جانب صورة نتنياهو والشيخ الهجري. ما تعليقكم؟
الأمر قاسٍ بالفعل، ومستهجَن أيضاً. لا أدري من أطلق الأوامر لرفع تلك الصور، وأنا لستُ معه أياً كان.
15- كيف يمكن استعادة روابط الألفة القومية والوطنية والاجتماعية داخل السويداء وبينها وجوارها ضمن النسيج السوري العام؟
لا أرى أملاً في تحقيق هذا الأمر بوجود الحكومة التكفيرية الحالية في دمشق.
16- أي كلمة أخيرة تودون نشرها عبر موقع حرمون؟
أشكر القائمين على موقع حرمون على اهتمامهم بالشأن العربيّ، والسوريّ على الخصوص، وأتمنّى أن تكون سورية كما نرجو لها أن تكون؛ بلد المحبة والسلام، لتقرب المسافات بيننا، وتكون احتفالاتنا ومناسباتنا المشتركة لها طعم مختلف، بعيداً عن الحسرة والشعور باليأس في الوصول إلى ذلك البلد المنشود.




















