تقف الكويت عند مفترق طرق اقتصادي في عام 2025، في مشهد يعكس تعقيدات اقتصادات النفط التقليدية مع تراجع الأسعار العالمية، لكن في المقابل، تبرز بيانات النمو صورة أكثر تفاؤلاً، مع تقدم ملحوظ في مسار التنويع بدعم من القطاعات غير النفطية.
وتكشف ميزانية الدولة للعام المالي الحالي التي ستنتهي في مارس 2026 عن تحديات مالية عميقة، حيث يبلغ إجمالي الإنفاق نحو 24 مليار دينار (78 مليار دولار)، في حين لا تتجاوز الإيرادات المتوقعة 18 مليار دينار مما يعني عجزاً مقداره 6 مليارات دينار، وهذا العجز ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تراكمية لسنوات من الاعتماد شبه الكلي على عوائد النفط التي تشكل 87.8% من إجمالي الإيرادات العامة.
ويرى الخبير الاقتصادي الكويتي جاسم السعدون، في حديثه مع «إرم بزنس»، أن الحكومة الكويتية كانت تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط في دخلها السنوي حيث تُشكل صادرات النفط ما يقرب من 60% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد و94% من عائدات صادراتها، بينما أعادت القطاعات غير النفطية رسم خريطة اقتصاد الكويت عبر المساهمة في نمو الناتج المحلي الإجمالي بعد فترة انكماش.
وبحسب تقرير مركز الشال الاقتصادي، تجاوزت الإيرادات النفطية في أكتوبر حاجز 1.28 مليار دينار (4.17 مليار دولار)، متوقعاً ارتفاع الإيرادات بنهاية العام إلى نحو 51.1 مليار دولار.
الأداء الاقتصادي
ورغم التحديات المالية، تظهر أحدث بيانات الإدارة المركزية للإحصاء صورة اقتصادية تحمل مؤشرات إيجابية. ففي الربع الثاني من عام 2025، حافظ الاقتصاد الكويتي على مساره الإيجابي وحقق نمواً حقيقياً سنوياً بلغ 1.7% بالأسعار الثابتة، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي 10.12 مليار دينار مقابل 9.95 مليار دينار في الربع ذاته من عام 2024.
وشهد القطاع النفطي تراجعاً في قيمته المضافة بنسبة 21.4% بالأسعار الجارية، ويعود هذا التراجع بشكل رئيسي إلى انخفاض أسعار النفط الخام إلى نحو 62 دولاراً للبرميل مقارنة بـ 84.6 دولاراً في الربع الثاني من عام 2024.
ورغم هذا التراجع، لا تزال أنشطة استخراج النفط والغاز الطبيعي تمثل 47.7% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، مما يؤكد استمرار الدور المحوري للقطاع النفطي في الاقتصاد الكويتي.
في المقابل، واصل القطاع غير النفطي أداءه الإيجابي، محققاً نمواً قدره 3.6% بالأسعار الجارية و3.1% بالأسعار الثابتة، لتصل قيمته إلى نحو 7.07 مليار دينار، وتميز هذا النمو بتنوع في المساهمات القطاعية، حيث حافظت الصناعات التحويلية على مساهمة قوية بلغت 8.3% بالأسعار الثابتة، بينما ساهمت الإدارة العامة والدفاع بنسبة 13.9% من الناتج.
وتكشف مقارنة بيانات الناتج المحلي بالأسعار الجارية والثابتة عن تراجع الناتج بالأسعار الجارية بنسبة 7.8% إلى 11.57 مليار دينار؛ بسبب انخفاض قيمة القطاع النفطي.
وفي المقابل، نما الاقتصاد بالأسعار الثابتة بـ1.7% مدعوماً بصمود القطاع غير النفطي. وتظهر المساهمات القطاعية تفاوتاً ملحوظاً، حيث بلغت مساهمة القطاع النفطي 38.9% بالأسعار الجارية مقابل 47.7% بالأسعار الثابتة، بينما نما القطاع غير النفطي بنسبة 3.6% بالأسعار الجارية مقابل 3.1% بالأسعار الثابتة.
رؤية الكويت 2035
بدوره، يربط الخبير في سياسات الطاقة كامل الحرمي، الأداء الحالي بالرؤية المستقبلية خلال حديثه مع «إرم بزنس» قائلاً: «عندما نتحدث عن رؤية كويت جديدة 2035، فإننا نتحدث عن خريطة طريق تاريخية تهدف إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي».
وأضاف «نحن اليوم عند منتصف الطريق تقريباً نحو اكتمال رؤية 2035، والبيانات الحالية تظهر أننا نسير في الاتجاه الصحيح لكن بوتيرة أبطأ مما هو مطلوب».
ويوضح أن رؤية 2035 حددت أهدافاً واضحة لرفع مساهمة القطاع غير النفطي إلى مستويات أعلى بكثير، واليوم نشهد القطاع غير النفطي يساهم بنحو 7.07 مليار دينار مع نمو 3.6%، وهذا يمثل تقدماً ولكن يتطلب تسارعاً.
وبرأي الحرمي فإنه يجب التركيز على ثلاثة محاور رئيسية تتماشى مع الرؤية وهي تحويل الكويت إلى مركز مالي إقليمي، والاستثمار في الصناعات التحويلية التي تمثل 8.3% من الناتج، وتطوير قطاع الخدمات المتخصصة التي تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد.
إرم بيزنس














