إبراهيم وزنة*
في ليلةٍ عربيةٍ مضيئة، ارتقت قطر بوجدان الأمة قبل أن تدهش أبصارها. فقد قدّمت في افتتاح بطولة كأس العرب لوحةً فنيةً تنبض بالحياة، حملت من الرسائل ما يفوق أضواءها، ومن المعاني ما يسبق إيقاع موسيقاها. كان الحفل دعوة صريحة إلى أن نستعيد وحدتنا، وأن نعيد ترتيب قلوبنا نحو فلسطين السليبة، تلك التي كانت ـ وما زالت ـ راية الحق المرفوعة رغم كلّ العواصف.
ارتسمت على أرض قطر ملامح حلمٍ عربيٍ مشترك، حيث تمازج الضوء بالمشهد، وتماهى الفن مع الرسالة، فغدت المنصة مرآةً لصوت الشعوب: رغبةٌ في السلام، وتوقٌ إلى الكرامة، وإصرارٌ على أن تبقى الأخوة العربية جسراً لا تهدمه ريح ولا يطويه غبار السياسة. لقد بدا كل فنانٍ وكأنه رسول محبة، وكل مشهدٍ وكأنه صلاة للوحدة.
وقطر، التي تعوّدنا عليها منارةً في أفق الرياضة العالمية، أكدت مرة أخرى أنها ليست مجرّد دولة تستضيف بطولة، بل دولة تحمل وجدان أمة وتنبض بقضاياها. إنها قطر “الحرية” في مواقفها، وقطر البوصلة التي تشير دائماً إلى إنسانية الموقف ونقاء الرسالة. من فوق ملاعبها تنطلق الكلمات، لا لتملأ الهواء، بل لتملأ القلوب، وتقول إن الرياضة يمكن أن تكون مساحةً للكرامة، ومنبراً للقيم، ومسرحاً يؤكد أنّ فلسطين لا تغيب عن ضمير العرب.
وحقاً… باتت قطر محور الترابط الإنساني بين الأديان والثقافات، تمدّ خيوط التواصل بين الشعوب، وتزرع في كل حدث تنظّمه بذرة ضوء جديدة. وما افتتاح كأس العرب إلا شهادة أخرى على قدرتها على تحويل البطولات إلى رسائل، وعلى بثّ روحٍ عربيةٍ صادقة، تُعيد إلينا الإيمان بأننا، حين نجتمع، نصنع المعجزات.
شكراً لقطر، وشكراً لكلّ يدٍ ساهمت في جعل الافتتاح قصيدةً تفيض بالعزة والإنسانية.
________________
*إعلامي وكاتب ـ لبنان.
(البناء)

















