سجّل الدينار الجزائري انزلاقاً كبيراً في السوق الموازية، إذ سجّل أدنى مستوى تاريخي له أمام اليورو، بشكل جعل الفارق بين سعري الصرف في السوقين الرسمية والسوداء يسجّل أعلى مستوى له أيضاً بـ82%، وهو أمر يحدث لأول مرة في تاريخ البلاد.
جالت “العربي الجديد” في ساحة بور سعيد في قلب العاصمة الجزائرية، المعروفة باسم “السكوار”، التي تُعدّ مركز نشاط الصرافة الموازية في البلاد.
ويقول صرّافون إن الطلب على العملة الأجنبية مرتفع منذ أسابيع، دون أسباب واضحة، ما أدى إلى دفع الدينار نحو مستوى غير مسبوق، إذ بلغ الأربعاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني 273 ديناراً لكل يورو واحد، بعدما كان قبل أيام فقط عند 268 ديناراً.
وأوضح الصرّافون أن هذا المستوى التاريخي يُعد الثالث على التوالي الذي يسجّله اليورو في أقل من ثلاثة أيام، في وقت تتزايد فيه حركة بيع وشراء العملة الأجنبية في السوق الموازية بشكل ملحوظ، وسط نقص في العرض وارتفاع في الطلب على النقد الأجنبي.
وفي السياق ذاته، سجّل الدولار الأميركي في السوق الموازية 235 ديناراً، مواصلاً بدوره الصعود، وإن ظل بعيداً عن المستويات القياسية التي بلغها اليورو.
أما في السوق الرسمية، فتُظهر بيانات بنك الجزائر لهذا الأسبوع أن اليورو يُتداول عند 150 ديناراً، مقابل 130 ديناراً للدولار، ما يجعل الفارق بين السوقين يتجاوز 82%، وهو الأعلى في تاريخ الجزائر.
والملاحظ في الأشهر الأخيرة هو استمرار تراجع الدينار مقارنة بالعملات الأجنبية المختلفة، رغم إجراءات حكومية جزائرية متعددة على مدار الأشهر الماضية، على غرار تقييد خروج العملة من طرف المسافرين عند 7500 يورو سنوياً، بعد أن كانت بنفس القيمة خلال كل رحلة.
كما أصدرت الحكومة رسوماً لإدماج تجار الشنطة، أو ما يُعرف محلياً بـ”الكابة”، ضمن النشاط الرسمي للاستيراد، فضلاً عن الشروع في صرف منحة سياحية بـ 750 يورو للبالغين و300 يورو للقُصّر، الراغبين في السفر إلى الخارج. في هذا السياق، يعتقد الخبير المالي والاقتصادي جلول سلامة أن هذه الوضعية ليست مفاجئة على الإطلاق، بالنظر إلى التحذيرات التي سبق أن جرى إطلاقها في ما يتعلق بتزايد الدين الداخلي للبلاد.
وأوضح الخبير سلامة، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه عندما تم التحذير من الارتفاع المتزايد للدين الداخلي، كان الكثيرون يتحدثون عن غياب مديونية خارجية، وبأن الاقتصاد متحكم فيه، ولا وجود لنية للجوء إلى الاقتراض الخارجي، والكثير من هذه التبريرات التي وصفها بـ”الفلسفية”، وعلّق: “الحقيقة ساطعة، والواقعية الاقتصادية تقولان إن ارتفاع الدين الداخلي يفرض تراجعاً سلبياً لقيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية”.
واعتبر سلامة أن الوضع الحالي يتّسم بهروب المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال نحو العملات الأكثر قوة واستقراراً، والخيار حسبه واضح، وهو اقتناء الذهب بدل الدينار، وبيع الدينار مقابل العملات الأجنبية، أي أنّ هناك لجوءاً متزايداً نحو هذه الملاذات الآمنة، وتابع: “بمعنى آخر، هناك عرض كبير للدينار مقابل طلب كبير على العملات الأجنبية، وبالتالي هذا الوضع يدفع العملة الوطنية نحو التراجع”.
وتوقّع المحلل جلول سلامة استمرار هذا المنحى للعملة الوطنية مقابل النقد الأجنبي، والذي يمكن أن ينتهي بمخطط حكومي جديد لتخفيض قيمة الدينار الجزائري.
وقال: “نحن مقبلون على استمرار تراجع الدينار مقابل العملات الأجنبية، وربما سوف تضطر الحكومة إلى موجة جديدة من تخفيض قيمة الدينار في السوق الرسمية”.
وأضاف: “سابقاً توقعت أن يصل اليورو الواحد إلى 300 دينار بحلول عام 2030، لكن أرى اليوم أن التراجع أصبح يتسارع، وخصوصاً في العام الجاري 2025″، وتابع: “هناك تسارع في تراجع الدينار، وهذا مؤشر خطر متزايد على العملة الوطنية، ومصدره تزايد الدين الداخلي وضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد الجزائري”.
ووفقاً لبيانات سابقة للمركزي الجزائري تخص سنة 2024، تُقدّر نسبة الدين الداخلي بنحو 55% من الناتج الإجمالي الخام للبلاد، الذي يقارب 270 مليار دولار، تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه الجزائر تراجعاً في إيرادات النقد الأجنبي المتأتية من صادرات النفط والغاز، مصدر الدخل الرئيسي للبلاد بالعملة الصعبة.
وقبل أسابيع، أعلن وزير المحروقات والمناجم محمد عرقاب، خلال جلسة سماع بالمجلس الشعبي الوطني، الغرفة السفلى للبرلمان، أن صادرات البلاد من النفط والغاز بلغت 31 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
وحسب بيانات لـ”المركزي الجزائري” نُشرت في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، هبطت مداخيل البلد العربي من تصدير المحروقات بنسبة 10% في 2024 مقارنة بالسنة التي قبلها، إذ بلغت 45.23 مليار دولار، مقابل 50.49 مليار دولار عام 2023.
كما أنّ أسعار النفط في السوق الدولية لا تبعث بمؤشرات توحي بأن إيرادات الجزائر من النفط والغاز سترتفع هذه السنة أيضاً، بالنظر إلى تراجع الأسعار مقارنة بالعام الماضي، وبقائها فوق مستوى 60 دولاراً بقليل، مقتربة بذلك من السعر المرجعي المعتمد في قانون الموازنة للعام الجديد عند 60 دولاراً للبرميل.
وتجعل هذه الأرقام أكبر صندوق سيادي جزائري، وهو صندوق ضبط الإيرادات، في وضعية غير مريحة لسد عجز الموازنة، خصوصاً أنّ مدخراته تتأتى من الفارق بين سعر برميل النفط في قانون الموازنة وثمن بيعه في السوق الدولية.














