أعلن حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية، يوم الجمعة، من واشنطن، عن اتفاق الانضمام إلى “المنظومة الإقليمية المتقدمة للمدفوعات عبر الحدود” (بُنى) التي أطلقها صندوق النقد العربي، وقد رافقت هذا الإعلان لقاءات رسمية جمعت حصرية ووزير المالية السوري محمد يسر برنية مع رئيس صندوق النقد العربي فهد التركي، وشملت مباحثات بشأن إجراءات الدفع الإلكتروني في سورية، مع قيادات من قطاع المدفوعات العالمي، أبرزها رئيس مجموعة فيزا للأسواق العالمية أوليفر جينكن.
الخطاب الرسمي ركز على فوائد تقنية واضحة، منها زيادة كفاءة وسرعة وشفافية التحويلات المالية، وخفض التكاليف المصرفية، وتمكين الدفع الفوري بين المؤسسات المالية المحلية ونظيراتها الإقليمية والدولية، كما وضع حصرية انضمام سورية إلى “بُنى” في إطار بناء نظام مالي حديث قادر على مواكبة التحولات الإقليمية والدولية، مستشهداً بإمكانات الدعم الفني وبناء القدرات التي يوفرها صندوق النقد العربي.
في موازاة ذلك، استُعرضت أمام حصرية فرص دخول شركة فيزا إلى السوق السورية، مع مناقشة تطوير البنية التحتية للمدفوعات الرقمية وسبل تسهيل الدفع الإلكتروني للمواطنين والشركات، شملت الزيارة أيضاً مباحثات حول مشروع إصدار عملة سوريّة جديدة، وتناولت اللقاءات مع رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان وممثلين عن شركة Oberthur Fiduciaire الفرنسية سبل الاستفادة من التجارب الدولية في هذا الملف الحساس.
ورأى عدنان سليمان، أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة دمشق، أنّ الانضمام إلى منصة “بُنى” وفتح قنوات تعاون مع شركات دولية مثل “فيزا”، يمثلان فرصة حقيقية لتحديث القطاع المالي السوري، وشرح سليمان أن تطوير البنية التحتية للمدفوعات الرقمية وخفض تكاليف التحويلات “يسهمان في تسريع النشاط التجاري ويتيحان للشركات الصغيرة والمتوسطة التوسع دون قيود مالية تقليدية”، وأضاف أنّ “الاستفادة من خبرات صندوق النقد العربي في بناء القدرات الفنية والإدارية للمصارف المحلية ستساعد في رفع مستوى الخدمات البنكية، بما ينعكس إيجاباً على الشمول المالي والثقة بالنظام المصرفي” السوري.
أما فيما يتعلق بإصدار العملة السورية الجديدة، فرأى سليمان أنّ الاستشارات الدولية المدروسة يمكن أن تدعم استقرار الليرة السورية وتعزز الثقة بها، خصوصاً إذا رافقتها تدابير إصلاحية شاملة.
على الجانب الآخر، حذر عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق علي كنعان من أنّ تحديث أنظمة الدفع الإلكتروني وحده “لن يحقق أثراً ملموساً على الاقتصاد السوري إذا لم يُرافق بإصلاحات هيكلية واسعة”، موضحاً أنّ “الاقتصاد يواجه أزمات مزمنة تشمل التضخم المرتفع وضعف السيولة وانهيار الإنتاج المحلي، وهذه مشاكل لا تعالجها أدوات دفع رقمية أو وجود شركات دولية في السوق”.
وأضاف كنعان أن دخول شركات كبرى مثل “فيزا” “قد يكون رمزياً إذا لم تتوفر استمرارية في السيولة وضمانات قانونية لحماية المستخدمين، إضافة إلى إجراءات صارمة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”، كما أنّ “أي إصدار عملة جديدة دون سياسات مالية ونقدية متكاملة قد يتحول إلى أداة تجميلية أكثر منها حلاً حقيقياً، ولن يسهم في استقرار الليرة أو دعم الاقتصاد على المدى الطويل”، وفق قوله.
وأشار عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق إلى أنّ الاقتصاد السوري “بدأ يشهد حركة استثمارات داخلية ملحوظة، وهذا مؤشر إيجابي على وجود ديناميكية في السوق المحلية”، لكنه حذّر من أنّ “تحقيق إصلاح نقدي فعّال يتطلب شروطاً واضحة، مثل إمكانية حذف الأصفار من العملة وتمويل الاستيراد لمدة تصل إلى 27 شهراً، وفي حال توفر هذه الشروط، يمكن رفع قيمة الليرة السورية”.
وشدد كنعان على ضرورة تطبيق مصرف سورية المركزي العديد من المعايير الإصلاحية لضمان نجاح السياسة النقدية، مقرّاً في الوقت عينه بأنّ “التجربة محفوفة بالمخاطر، إذ تتطلب زيادة احتياطيات القطع الأجنبي وتعزيز حجم الصادرات والمستوردات ضمن مرحلة طبيعية، وليس فقط في مرحلة إعادة الإعمار”، ولفت إلى أنّ الإجراءات الحالية “يجب أن تتجاوز مجرد تسكين المواطنين، لتكون جزءاً من استراتيجية شاملة لبناء أساس مالي مستدام يدعم الاقتصاد على المدى الطويل”.
ويتفق الخبيران على أنّ التحركات التقنية تحمل إمكانات إيجابية، لكن سليمان رأى فيها فرصة عملية لتحديث القطاع المالي في سورية، بينما حذّر كنعان من أنّ أثرها “سيظل محدوداً إذا لم تُرافقها إصلاحات شاملة”، النقطة المشتركة بينهما هي أن النجاح يعتمد على دمج هذه المبادرات ضمن استراتيجية مالية ونقدية أوسع تشمل السيولة والإنتاج المحلي والقوانين المالية المناسبة.
وتظل سورية أمام مفترق طريق؛ فبين الطموح التقني والخبرة الدولية من جهة، والأزمات الهيكلية الحادة من جهة أخرى، سيكون التحدي الحقيقي في تحويل المبادرات الرقمية والمشاريع النقدية إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، والسؤال الأبرز يبقى حول قدرة السلطات على تنفيذ الإصلاحات المصاحبة لضمان استفادة المواطنين والقطاع الخاص من هذه الخطوات.
الشرق الأوسط