لا تزال تكاليف الأجور والدعم تمثل النصيب الأكبر من ميزانية تونس، حيث أنفقت تونس حوالي 3.7 مليارات دولار على الرواتب في النصف الأول من عام 2025 بزيادة قدرها 3.3% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، وهو ما يمثل قرابة نصف التقديرات السنوية.
وأظهر تقرير وزارة المالية التونسية الصادر يوم الخميس 18 سبتمبر/أيلول حول تنفيذ ميزانية الدولة أن المساعدات الاجتماعية الموجهة للفئات محدودة الدخل، بلغت قيمة الإنفاق فيها 1.790 مليار دينار (حوالي 600 مليون دولار)، وشملت هذه المبالغ المنح المدرسية والجامعية والقروض الجامعية إضافة إلى دعم الجماعات المحلية، أما نفقات الدعم، فقد بلغت 3.114 مليارات دينار (حوالى مليار دولار)، موزعة بين المواد الأساسية بـ411 مليون دينار (140 مليون دولار)، والمحروقات بـ2.312 مليار دينار (786 ملايين دولار)، والنقل العمومي بـ391 مليون دينار (133 مليون دولار).
التحدي الكبير
وقال عضو لجنة المالية سابقاً بالبرلمان التونسي محمد عمار لـ”العربي الجديد” إنّ التحدي الأكبر في الموازنة العامة لتونس هو أن كتلة الأجور تستحوذ على نحو ثلثي مداخيل الدولة دون احتساب القروض الخارجية والداخلية، مشيراً إلى أن أجور الوظيفة العمومية تضاعفت أكثر من 3 مرات منذ ثورة 2011، ولتفادي أي مضاعفات دعا إلى إعادة هيكلة حقيقية للمؤسسات العمومية مثل شركة الخطوط التونسية وشركات استغلال الكهرباء والغاز والصيدلية المركزية التي ارتفعت ديونها كثيراً في حين أنها ذات طابع خدمي ويجب أن تكون ربحية.
وإلى جانب ذلك، خُصصت اعتمادات للتنمية والمشاريع الاستثمارية بقيمة 2.425 مليار دينار (حوالى 825 مليون دولار)، منها 1.603 مليار دينار (545 مليون دولار) للاستثمار المباشر و821 مليون دينار (280 مليون دولار) لمشاريع ذات طابع تنموي، كما أوضح التقرير أن النفقات التشغيلية الأخرى بلغت 751 مليون دينار (255 مليون دولار)، مسجلة انخفاضاً مقارنة بالسنة السابقة.
أما على مستوى المؤشرات الاقتصادية العامة، بيّن التقرير أن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 2.4% خلال النصف الأول من السنة، بينما تراجعت نسبة البطالة على نحوٍ طفيف من 15.7% إلى 15.3%، واستقرت نسبة التضخم عند حدود 5.4%، كما ارتفعت الاستثمارات الخارجية بنسبة 22.3%، مدفوعة بالاستثمارات المباشرة، إلى جانب تحسن العائدات السياحية بنسبة 8.4% وتحويلات التونسيين بالخارج بالنسبة نفسها، أما خدمة الدين العمومي، فقد بلغت إلى نهاية يونيو/حزيران 14.794 مليار دينار (5 مليارات دولار).
مداخيل الدولة
وفي جانب الموارد، بلغ مجموع مداخيل الدولة 24.991 مليار دينار (8.49 مليارات دولار)، بزيادة 7.5% مقارنة بسنة 2024. وسجلت المداخيل الجبائية ارتفاعاً بـ8.4% لتصل إلى 22.630 مليار دينار (7.69 مليارات دولار)، توزعت بين ضرائب مباشرة 10.243 مليارات دينار (3.48 مليارات دولار) وضرائب غير مباشرة 12.387 مليار دينار (4.21 مليارات دولار). أما المداخيل غير الجبائية فبلغت 2.157 مليار دينار (733 مليون دولار)، وتأتت أساساً من أرباح البنك المركزي وعائدات استثنائية مثل تراخيص شبكة الجيل الخامس (252 مليون دينار أي 86 مليون دولار) وعائدات عبور الغاز الجزائري (121 مليون دينار أي 41 مليون دولار)، كما جرى تحصيل هبات بقيمة 204 ملايين دينار (69 مليون دولار).
وعلى صعيد الاحتياطي، بلغت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية بتاريخ 3 سبتمبر/أيلول ما يعادل 108 أيام من تغطية الواردات، مع تحسن في سعر صرف الدينار مقابل الدولار بنسبة 1.6% ومقابل اليورو بنسبة 0.7%. وأكد التقرير عن تراجع الضغوط التضخمية ما مكّن البنك المركزي من خفض نسبة الفائدة الأساسية إلى 7.5% في مارس/آذار الماضي.
حوار اقتصادي
وأكد عمار أن موازنة الدولة السنوية يجب أن تعكس منوالاً تنموياً جديداً مبنياً على الاستثمار والتركيز على المشاريع الكبرى، التي من شأنها توفير فرص عمل جديدة وتزيد من النمو الاقتصادي، مضيفاً أنه يجب على الحكومة الحالية أن تجلس إلى حوار اقتصادي حقيقي مع المنظمة الشغيلة واتحاد الأعراف وكل من له علاقة بالشأن الاقتصادي؛ لتحميل المسؤوليات وإصلاح ما يمكن إصلاحه في المؤسّسات العمومية، والتوجه أكثر نحو القطاعات ذات القيمة المضافة على غرار الزراعة والصحة وتكنولوجيا المعلومات وغيرها.
وشدّدت وزارة المالية في تقريرها على أن الجهود متواصلة لتعزيز الموارد الذاتية للدولة عبر تحسين استخلاص الضرائب والرسوم، وترشيد النفقات العمومية، والإبقاء على مستوى العجز المستهدف في قانون المالية، كما دعت إلى تسريع نسق المشاريع العمومية باعتبارها محركاً أساسياً للاستثمار وخلق فرص الشغل، في إطار تحديث الأطر القانونية وتحسين الأداء المالي للدولة.
وختم التقرير برسم صورة مزدوجة لميزانية تونس: تحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية من جهة، واستمرار التحديات المرتبطة بالإنفاق العمومي والموارد من جهة أخرى.