مع تجاوز حجم سوق الدين في دول الخليج العربي حاجز التريليون دولار، تتزايد المخاوف بشأن تأثير هذا الدين على الاقتصادات المحلية، إذ يؤدي ارتفاع مستويات الديون إلى زيادة تكاليف خدمتها، ما يفرض ضغوطاً على الميزانيات الحكومية، ويؤثر على قدرتها في تمويل الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، ويقلل المرونة المالية للحكومات في مواجهة الصدمات الاقتصادية المستقبلية.
وتتوقع وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، وفقاً لتقرير نشرته في فبراير/شباط الجاري، تجاوز حجم سوق الدين الخليجية تريليون دولار، بنمو سنوي قدره 10%، كما تتوقع أن تصدر بنوك المنطقة ديوناً بأكثر من 30 مليار دولار في عام 2025، مع لجوء الشركات الكبيرة إلى إصدار صكوك وسندات لتنويع مصادر التمويل.
تأثيرات على المواطنين في الخليج
يؤكد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ “العربي الجديد”، أن تخطي سوق الدين الخليجية لحاجز التريليون دولار، له تأثيرات كبيرة على اقتصادات الدول وعلى المواطنين بشكل مباشر، لأن هذا الحجم الهائل من الديون يؤدي إلى اقتطاع جزء كبير من الإيرادات المحلية لتسديد الأقساط والفوائد، ما يؤثر سلباً على الإنفاق العام في مجالات حيوية مثل الخدمات العامة التي يحتاجها المواطنون، الأمر الذي يحد من قدرة الحكومات على تطوير أو توسيع هذه الخدمات، مما يؤثر على جودة الحياة بشكل عام.
ومن ناحية أخرى، تؤدي زيادة الديون إلى إرباك التوازنات المالية المستقبلية للدول الخليجية. فخلال العقدين المقبلين، يتوقع أن تبلغ قيمة الديون التي يجب تسديدها مئات مليارات الدولارات، وهي أموال ستُقتطع من الإيرادات النفطية وغير النفطية، وهذا الوضع يضع ضغوطاً إضافية على الحكومات الخليجية، خاصة في ظل وجود عجز في الموازنات العامة، كما هو الحال في السعودية، حيث تتجاوز النفقات الإيرادات، سواء من القطاع النفطي أو غير النفطي، حسب عايش.
ويرى الخبير الاقتصادي أن الديون في هذه الحالة تصبح أمراً لا مفر منه، خاصة مع ارتفاع التصنيف الائتماني للدول الخليجية، مما يمكنها من الحصول على قروض بأسعار فائدة منخفضة وفترات سداد طويلة.
ورغم أن استقرار أسعار الفائدة حالياً يوفر فرصاً مناسبة للحصول على التمويل، إلا أن هذه السياسات قد تتغير في ظل التوجهات التضخمية لسياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حسبما يرى عايش. ومع ذلك يؤكد الخبير الاقتصادي أن تكاليف هذه القروض، سواء أصل الدين أو الفوائد، ستؤثر سلباً على الإيرادات المستقبلية، مما قد يؤدي إلى تقليل الإنفاق على الاحتياجات الأساسية أو تأجيلها، ما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين على المدى المتوسط والطويل.
ولضمان استدامة هذه الديون، يرى عايش ضرورة أن تبقى نسبتها ضمن حدود معقولة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، بحيث لا تتجاوز 30% إلى 35% حدا أقصى، لافتاً إلى أن الدول الخليجية تراهن على تحقيق فائض في الموازنات يساعد في تخفيض المديونية، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الإنفاق العام وزيادة عوائده.
وفي إطار متصل، يشير عايش إلى أهمية تعزيز النمو في القطاعات غير النفطية وتنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية في دول الخليج.
ويلفت عايش، في هذا الصدد، إلى أن الدول الخليجية تعتمد على تصنيفها الائتماني المرتفع للحصول على تمويل بأسعار فائدة منخفضة وشروط ميسرة، ما يمكنها من إعادة جدولة ديونها بتكاليف أقل، كما تستفيد من عوائد صناديقها السيادية، التي تتجاوز قيمتها 4.4 تريليونات دولار، لتحقيق عوائد استثمارية تفوق الفوائد التي تدفعها على القروض، مما يجعلها ترى في الديون أداة لتعزيز الاستدامة المالية.
تأثير مزدوج للديون
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي بشركة استشارات في لندن، علي متولي، لـ “العربي الجديد”، إلى أن دول الخليج، خاصة السعودية، تشهد ارتفاعاً في مستويات الديون، الأمر الذي يحمل تأثيراً مزدوجاً على اقتصادها، فهي من جانب تسهم في مشروعات البنية التحتية والتنموية الكبرى ضمن رؤية 2030، مما يخلق فرص عمل ويدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل، ومن جانب آخر تؤدي إلى زيادة عجز الموازنات.
ويلفت متولي إلى توقعات بأن تصل نسبة الدين في السعودية إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 31% في عام 2025، مقارنة بـ 29% في 2024، وأن يتسع العجز في الموازنة ليصل إلى نحو 3.4% من الناتج المحلي في 2025، مقارنة بـ 2.9% في 2024، و2% في 2023.
ويؤكد متولي أن هذا الارتفاع من شأنه أن يرفع تكاليف خدمة الدين ويزيد الضغط على الميزانية، ما قد يؤثر على التمويل المخصص للخدمات العامة إذا لم تتم إدارة الموارد بكفاءة.
وفي سياق ضمان استدامة الدين والحفاظ على جودة الخدمات، يبين متولي أن الحكومة السعودية تتخذ إجراءات متعددة، إذ أعلن صندوق الاستثمارات العامة تحويل نسبة كبيرة من استثماراته الخارجية من نحو 30% إلى 18-20% للاستثمار داخل البلاد، وهي خطوة من المتوقع أن تجعل رأس المال المعادل لنحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي متاحاً للاستثمارات المحلية.
ويتوقع البنك المركزي السعودي خفض أسعار الفائدة تدريجياً، مما يقلل تكلفة الاقتراض ويدعم الاستثمارات الخاصة، وفقاً لمتولي، الذي يضيف أن متوسط توقعات المحللين في البنوك وشركات الاستشارات يشير إلى تسارع النمو الاقتصادي الحقيقي ليصل إلى نحو 4% في 2025.
ويخلص متولي إلى أن الاقتصاد الخليجي، يسعى إلى الموازنة بين استغلال الديون لتمويل التنمية وتحقيق نمو مستدام، والحفاظ على استقرار الخدمات العامة وجودة حياة المواطنين، ما يتطلب إدارة محكمة لإنفاق الديون.