شرعت الإدارة المدنية التي شكلتها قوات الدعم السريع ضمن حكومتها الجديدة في إقليم دارفور، في تأسيس بنك جديد، يحمل اسم “بنك دارفور الوطني” وحددت الإدارة الجديدة موقع البنك في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، واتخذت مقراً للبنك في الموقع القديم لبنك السودان المركزي الذي يتوسط المدينة، وفقاً لمصادر مطلعة.
وأكدت المصادر ذاتها من مدينة نيالا لـ”العربي الجديد” أنه تم تشكيل إدارة جديدة للبنك، كما تم الاتفاق على أن تكون العملة المتداولة حاليًّا الجنيه السوداني القديم “نظرًا لأن الحكومة السودانية قامت بتغيير فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه”، وأضافت: تقرر أن تكون العملة السودانية الجديدة “التي تم تغييرها مؤخرًا” غير مبرئة للذمة ولا يسمح بتداولها في إقليم دارفور، كما سيسمح بتداول بعض العملات مثل الدولار وعملات بعض الدول المجاورة.
وشرحت المصادر أنه سيتم لاحقًا العمل على إصدار عملة جديدة تحت مسمى “الجنيه السوداني” بعد استقرار الأوضاع الأمنية واكتمال الهياكل التنظيمية السياسية والمالية في ولايات دارفور.
وقال أحد رجال الأعمال بولاية جنوب دارفور لـ”العربي الجديد” إن الإدارة المدنية طرحت على أعضاء الغرفة التجارية بالولاية فكرة إنشاء بنك مركزي وعملة جديدة، تمت الموافقة عليها من قبل التجار الذين اشترطوا استمرار العملات القديمة بسبب وجود مخزون نقدي كبير بعد توقف البنوك عن العمل في الإقليم وتغيير العملة، ما أدى إلى توقف التعامل بالعملات القديمة في المعاملات التجارية.
وكان الملتقى الاقتصادي الذي انعقد في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور خلال شهر مايو/ أيار الماضي، بمشاركة ممثلين من مختلف ولايات دارفور، قد خلص إلى توصية بإنشاء مؤسسة مصرفية تحمل اسم “بنك دارفور الوطني” ليقوم بدور مشابه للبنك المركزي داخل الإقليم، ويساهم في تحفيز النشاط الاقتصادي المحلي الذي يعاني ركوداً حادّاً.
أزمة النقد في دارفور
وقد توقفت جميع البنوك العاملة في دارفور في ظل غياب المؤسسات المصرفية الرسمية، ويعتمد قطاع كبير من المواطنين بإقليم دارفور على تطبيق “بنكك” المصرفي التابع لبنك الخرطوم لتسيير معاملاتهم المالية، خاصة كبار التجار، حيث تعرضت معظم الفروع المصرفية للنهب والتخريب، ما أدى إلى انهيار كامل في البنية المصرفية بالإقليم، في وقت تشهد فيه مناطق واسعة بالإقليم أزمة سيولة حادة، ما زاد من التعقيد في المعاملات التجارية والمالية.
ويقول مواطنون إن معظم العملات الورقية المتداولة حاليًّا في الإقليم من فئة الـ500 جنيه، لا تحمل أرقامًا تسلسلية، لكن عناصر قوات الدعم السريع فرضتها على المواطنين وأصبحت مبرئة للذمة رغم الأسئلة المشروعة حولها.
وقال أحد المواطنين لـ”العربي الجديد” (فضل عدم ذكر اسمه): هذه العملات أدخلتها عناصر الدعم السريع إلى الأسواق وأجبرت التجار على قبولها، وتابع: “تم رفضها في بداية الأمر إلا أن كثيرًا من التجار تمت معاقبتهم بالسجن لمخالفتهم الأوامر، كما تقوم الإدارات المدنية بصرفها كرواتب للموظفين في تلك الإدارات”.
وبحسب تقارير دولية نقلتها منصة “تي آر تي إفريقيا” فإن ما يحدث في إقليم دارفور يعكس بوادر ما يعرف بالاقتصاد المزدوج في السودان، حيث تُدار بعض المناطق من قبل قوات الدعم السريع بأنظمة مالية موازية تشمل فرض جمارك، ودفع مرتبات، وتداول أوراق نقدية خارج سلطة البنك المركزي.
وأشارت هذه التقارير إلى أن الدعم السريع يسعى لتكريس واقع مالي مستقل عن الحكومة الرسمية من خلال السيطرة على الموارد، وتأسيس أنظمة جباية خاصة، وإدخال كميات كبيرة من النقد غير المعتمد رسميًّا.
هذه المؤشرات، وفقًا لما نقلته المنصة، تعزز مخاوف من نشوء “سيادة مالية مجزأة” على الأرض.
الخبير المصرفي نجم الدين الطيب يقول لـ”العربي الجديد” إن من ضمن العقبات التي تواجه إنشاء جسم مصرفي جديد بإقليم دارفور أنه لا يستطيع التحكم في النقود من دون أن يطبع عملة خاصة به، كما أنه إن عمل على طباعة عملة خاصة به سيواجه مشكلة أنها غير معترف بها في بقية السودان، وهو السوق المهم لمعظم منتجات إقليم دارفور، ومن ثم قد تواجه هذه العملة مقاطعة غير معلنة.
أما المختص في شؤون المصارف أحمد خليل، فيرى في حديثه لـ”العربي الجديد” أنها خطوة طبيعية جاءت للبحث عن تقديم خدمات للجمهور، ولوضع سياسات مالية ونقدية في ظل غياب الأجهزة المصرفية المختصة. ويشرح أن ذلك يسهم في تخفيف معاناة المواطنين، وما دام أن هنالك حكومة “تأسيس” فمن مهمتها تلبية احتياجات المواطنين، خاصة أن إقليم دارفور يتصدر صادرات الثروة الحيوانية والزراعة والصمغ العربي وعدد من المنتجات، من ثم من الضرورة التفكير في تنظيم العملية التجارية التي لا تتم إلا بسياسات مالية ونقدية.
ويضيف أن الاستقرار الأمني يحتاج إلى أعمال تجارية، وهذه تحتاج إلى مظلة مصرفية تدير النشاط المالي والاقتصادي مع تمويل لرجال الأعمال والشركات، هذا يعتبر مظهراً لحكومة لديها مصرف يقدم خدماته للمواطنين.