د. عصام نعمان*
أيّاً يكن مقصد ترامب من تحويل ساحل غزة الى ريفييرا جديدة بوجود قوات اميركية.
أيّاً يكن مقصد دونالد ترامب من دعوته المريبة الفلسطينيين في قطاع غزة للهجرة الى مصر والأردن .
أيّاً يكن مقصد ترامب من قوله إنه سيبتُّ خلال بضعة أسابيع في طلب “اسرائيل” إعلان موافقته على ضمّ الضفة الغربية الى كيانها .
أيّاً تكن رغبة ترامب في توليف صفقة قرنٍ جديدة بشأن قضية فلسطين تقلب قرارات مجلس الأمن الدولي وأحكام القانون الدولي رأساً على عقب ، ويكون من شأنها تسهيل ضمّ الضفة الغربية الى كيان العدو وتصفية قضية فلسطين .
أيّاً تكن طريقة ترامب في دعم حكومة بنيامين نتنياهو الإئتلافية لتفادي سقوطها المرتقب .
أيّاً يكن طموح ترامب لإجتراح استراتيجية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية بجعله تطبيع العلاقات بين السعودية و”اسرائيل” ثمناً لتفادي ضمّ قطاع غزة الى كيان الإحتلال .
سواء كان صحيحاً أمّ مجرد تخيّلات تعميم التطبيع الشامل بين العرب و”اسرائيل” ليكون طريقاً لتكوين قوة ثالثة رديفة للولايات المتحدة تقف فاصلاً بين الصين وروسيا وايران من جهة وعالم الإسلام ودول افريقيا الغنية بالموارد والأسواق من جهة اخرى .
سواء كان صحيحاً أمّ مجرد تكهّن أن يكون تطبيع العلاقات بين عالم العرب و”اسرائيل” بديلاً من تدمير منشآت برنامج ايران النووي والإكتفاء تالياً بإتفاق جديد معها للحؤول دون إمتلاكها سلاحاً نووياً .
سواء كان كان صحيحاً امّ مجرد تكهّنات تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية حول عدم قيام ترامب بعقد أيّ اجتماعات او إجراء أيّ مناقشات او إستكشاف أيّ من الجوانب العملية او القانونية لإقتراحه بشأن توليّ الولايات المتحدة ملكية قطاع غزة لقاء تحويله ريفييرا جديدة .
سواء كان صحيحاً ام مجرد رواية صحافية أن إيفاد ترامب مبعوثته الى لبنان مورغان اورتاغوس لمقابلة الرئيس جوزف عون ومصافحته وفي أحدى أصابع يدها اليمنى خاتم نجمة داود التوراتي ، ولتعقد لاحقاً مؤتمراً صحافياً في مقر الرئاسة تعلن فيه بلهجة حارة إمتنانها لـِ “اسرائيل” لأنها هزمت (؟) حزب الله ، ثم لا تلبث ان تُصدر أمراً بعدم جواز مشاركة الحزب في الحكومة الجديدة بأي شكل من الأشكال ، مشيرةً الى “اننا نأمل انتهاء نفوذه في لبنان بعدما انتهى عهد إرهاب الحزب في لبنان والعالم” .
سواء كانت رواية صحيحة ام مجرد تكهنٍ بأن إيفاد هذه المبعوثة الإستفزازية كان بقصد إستفزاز حزب الله لحمله وحلفائه على التمسك بمشاركته في الحكومة الجديدة من جهة والتهديد بعودته الى القتال من جهةٍ اخرى في حال لم تنسحب “اسرائيل” من القرى الحدودية التي دخلتها بعد سريان إتفاق وقف إطلاق النار ، فيكون ذلك ذريعة ًلـكيان الإحتلال لمعاودة حربه التوسعية في لبنان .
ايّاً تكن الحقيقة المضمرة او الثابتة من وراء هذه التصريحات والتصرفات والإشارات فإن من واجب القوى الوطنية النهضوية في عالم العرب ، لا سيما في فلسطين ولبنان والعراق والأردن ومصر ، ألاّ تعوّل على ما يُطلق على ترامب من ألقاب وصفات وتوصيفات من طراز مجنون ومغرور ومتقلّب ومحترف إثارة ومبالغات لإجتذاب الأضواء . نعم ، يجب عدم التعويل على مثل هذه الأقاويل والإيحاءات بأنه سيستعيد توازنه وتقديره للواقع ولن يتوخّى إلاّ مصالح بلاده التي لا تتوافر إلاّ في الدول العربية بالدرجة الأولى . ولا يغرينكم ردود الفعل السلبية الشاملة التي صدرت عن غالبية دول العالم وحتى عن حلفاء الولايات المتحدة نفسها في حلف شمال الأطلسي ضد تصريحات ترامب وشطحاته الجنونية ، ذلك ان للرجل مخططاً كبيراً لـِ “جعل اميركا دولةً عظيمة مجدداً ” ينطوي على تحركات سياسية وترتيباتٍ اقتصادية وربما حروب إقليمية لتطويق ومحاصرة والحدّ من نفوذ التحالف الضمني بين الصين وروسيا وايران .
نعم ، يتوجب على النهضويين العرب ، وفي مقدمهم قوى المقاومة الناهضة بخيار التحرير ونهجه أن ياخذوا على محمل الجدّ كل ما يتفوّه به ترامب ونتنياهو ومن هم على شاكلتهما ضد خصوم سطوة الجنس الأبيض وضد المنادين بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان ومساواة المواطنين امام القانون .
نعم ، يجدر بالنهضويين العرب أن يلتزموا خيار المقاومة ونهجها وأن يحرصوا ، طالما هم قادرون ، على البقاء في حــال إشتبــاكٍ مع الصهاينة ، وأن يعوا دروس التاريخ وأهمها أن الغلبة تكون مهما طال الصراع لمن يكون ميزان الإرادات في صفه وليس بالضرورة ميزان القوى . أليس هذا ما تحقق على ايدي مقاومي الإستعمار والهيمنة في فيتنام والجزائر وكوبا وايران ؟ ألم يكن ميزان الإرادات هو الأقوى والمنتصر في مشرق العرب بعد طوفان الأقصى في فلسطين وبطولة اهل المقاومة في جنوب لبنان الذين تمكّنوا طوال ستين يوماً من التصدي لثلاثة فرق إسرائيلية (نحو اربعين الف جندي) ومنعها من دخول أيّ من القرى الحدودية اللبنانية قبل إعلان إتفاق وقف إطلاق النار ؟
إن الثبات في المقاومة الميدانية والمدنية هو تعبير ساطع عن تصاعد مفاعيل الصحوة التي فجّرتها وأشاعتها المقاومة الصلبة في كلٍّ من فلسطين ولبنان ، وأنها ستبقى شرطاً لإمتدادها المرتقب الى سائر بلاد العرب .
*نائب ووزير سابق في لبنان
issam.naaman@hotmail.com