يرى خبراء اقتصاديون أنّ القانون الجديد لسداد الدين العام، الذي أقرّه مجلس النواب الليبي، يشكّل خطوة محاسبية بحتة لا تعالج جذور الأزمة الاقتصادية في ليبيا.
وتشير التحليلات إلى أن الاعتماد المتكرّر على الاقتراض من مصرف ليبيا المركزي وضخ الأموال عبر “السحب على المكشوف” ضاعف حجم النقود المطبوعة، ما رفع الدين العام إلى نحو 287 مليار دينار (الدولار يعادل 5.42 دينار)، دون أن يخفف من الضغوط المعيشية أو ينعش النشاط الاقتصادي المحلي.
ويحذر مختصون من أن القانون الجديد يضع قيوداً على الاقتراض، لكنّه يتجاهل مشكلات أعمق مثل غياب ميزانية موحدة بين الشرق والغرب وازدواجية التشريعات، ما قد يفاقم العجز المالي ويزيد من مخاطر التضخم.
وقال رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب، عمر تنتوش، لـ”العربي الجديد” إنّ الدين العام تراكم بين الحكومتَين منذ عام 2014 وحتى 2024، مشيراً إلى أنّ القانون الجديد سيلغي جميع الدين العام الناتج عن إعادة تقييم أصول مصرف ليبيا المركزي وفق سعر الصرف الجديد المعتمد في إبريل/ نيسان الماضي، وأوضح أن التنسيق جرى كلياً مع المصرف المركزي لضمان تنفيذ القانون بما يتلاءم مع الوضع المالي للبلاد.
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي أحمد أبولسين أن الاقتراض من المصرف المركزي وضخ الأموال عبر “السحب على المكشوف” أدّيا إلى تضاعف النقود المطبوعة، ما رفع الدين العام إلى نحو 287 مليار دينار، لكنّه لم يعالج الأثر السلبي على معيشة المواطنين أو النشاط الاقتصادي.
وأضاف أبولسين أنّ “حل الدين محاسبياً ممكن، لكنه لا يزيل الآثار الاقتصادية السلبية، خاصة إذا ترافق مع نقص السيولة الحكومية”، وحذّر أبولسين من أن استمرار تمويل الموازنة بالطباعة المفرطة للنقد يضعف القيمة الحقيقية للأصول المالية، ويعزّز الطبيعة الريعية للاقتصاد القائم على الإنفاق التشغيلي بدلاً من الاستثمار في الأنشطة الاستراتيجية.
بدوره، رأى الخبير المالي عبد الحكيم عامر غيث أن القيود الجديدة خطوة مهمة لكنّها غير كافية ما لم تترافق مع إصلاحات شاملة لإدارة الإنفاق العام وتحديد أولويات واضحة للصرف.
وأضاف عامر أن “إصدار قوانين جديدة دون معالجة التشوهات، مثل ازدواجية التشريعات وغياب الميزانية الموحدة، قد يفاقم الأزمة بدل حلّها”، أما المحلل الاقتصادي محمد الشيباني فحذّر من أن اعتماد القانون الجديد دون إلغاء القوانين السابقة، مثل القانون رقم 15 لسنة 1986، يعكس “إصرار السلطة التشريعية على إضافة نصوص جديدة بدلاً من تبسيط المنظومة المالية”، مشيراً إلى أن ذلك قد يربك عمل المصرف المركزي ووزارة المالية.
وأوضح عامر أن القانون، رغم فرضه قيوداً على الاقتراض الداخلي والخارجي، “يتجاهل أصل المشكلة المتمثلة في غياب ميزانية موحدة، ما يجعل تقديرات الدين العام غير دقيقة ويترك المالية العامة عرضة لمزيد من التضخم والعجز”.
وكان مجلس النواب قد صوّت خلال جلسة في بنغازي على مسودة القانون، التي تنصّ على حظر الاقتراض أو إصدار أي ضمانات من الخزانة العامة إلّا بموجب قانون، كما ألغت القانون رقم 30 بشأن تكوين احتياطي عام لسداد الدين العام، الذي كان يُنظر إليه باعتباره عبئاً إضافياً على الموازنة.
وكشف مصرف ليبيا المركزي أن إجمالي الدين العام لدى فرعيه في طرابلس وبنغازي بلغ نحو 270 مليار دينار بنهاية 2024 (84 ملياراً في طرابلس و186 ملياراً في بنغازي)، محذراً من إمكانية ارتفاع الرقم إلى أكثر من 330 مليار دينار قبل نهاية 2025 إذا استمر الإنفاق خارج إطار موحد.
وأوضح المصرف أن التوسع في الإنفاق أجبره على استخدام جزء من احتياطيات النقد الأجنبي لتغطية فجوة الطلب على العملة الصعبة والحفاظ على استقرار سعر الصرف، مؤكداً احتفاظه بأصول أجنبية تتجاوز 94 مليار دولار، منها 84 ملياراً احتياطيات تدار مباشرةً لضمان متانة الوضع الخارجي رغم الضغوط على المالية العامة.