هاني سليمان الحلبي**
اعتادت الشعوب، عبر التاريخ، أن تكرّم قادتها، باحتفالات كبرى. ومن مظاهر التكريم التقويم بتولي المَلك المُلك وإطلاق اسمه على آلاف المواليد في البلاد.. وغيرها من الطرائق والطقوس التي يراها مطلقوها معبرة عن التكريم والامتنان.
لكن إطلاق ملف بمناسبة ميلاد جلالة الملك الأردني عبدالله الثاني، في وسيلة إعلامية أردنية لامعة يكاد يكون علامة فارقة في الأردن الشقيق، هو فتحٌ في أساليب التكريم لقادة البلاد.
ويكون التكريم حسّاساً أكثر في أزمنة الزلازل التي نحياها ونعاينها، فتزداد المسؤوليات القيادية جسامة على المناكب التي تتنكّبها، بخاصة متى كانت المملكة الأردنية الهاشمية تتوسط منطقة مستهدفة بالبراكين والأعاصير ليس ختامها إعصاري العراق (1991) والشام (2024) وطوفان الأقصى وتداعياته. وتزداد جسامة المهام القيادية على الملك عبدالله الثاني، عندما تحاذي المملكة كيان العدو الإسرائيلي بأطول حدود عربية معه، وتشكل غالبيّة في الشعب الأردني الشقيق من أصول فلسطينية لا يمكنها التغافل عن معاناة الشعب الفلسطيني.
لا تكفي حسب فلسفة قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني معادلة زياد بن أبيه “لين في غير ضعف وقوة في غير عنف”، بل أن تتعداها إلى قواعد عدة وازنة منها قاعدة “كما تكونون يولّى عليكم” كدلالة على الانسجام بين القائد – الملك وبين الشعب، وحاجة الملك لرعاية هذا الانسجام وفهم معاييره ومراعاة الشعب في واقعه المكاني – الزماني وحاجاته ومطالبه القومية العامة، أو قاعدة “من وُلّي على عدد من الرجال كان له عقل الكل”، بما يعبّر عن قيمة العقل في القيادة الفاعلة والمؤثرة، وقيمة السويّة العقلية للقائد، مع العلم أن القيادة لم تعد فردية بالمطلق كما في النموذج الإمبراطوري، أو الملكي الاستبدادي التاريخي السابق، أو أي نموذج آخر، موسوم بفرديّته المطلقة.
فالقيادة في جوهرها خلاصة شورى، ويكون للقائد – الرئيس – الملك – صفة مقرّرة بين خيارات عدة من اقتراحات القرارات.
فلسفة الملك عبدالله الثاني، بقيادة الأردن الشقيق، في أزمنة العواصف الجارفة، تمكنت من سبر المعايير الأردنية الوطنية ومراعاتها بحد مقبول، ولو لم تلبّ الحد الشعبي الأقصى، بخاصة مع تغوّل العدو الإسرائيلي في حرب طوفان الأقصى، وتحت سقف الثوابت العربية الرسمية. وهذه المعادلة المتوسطة بين طرفين متطرفين، تحكمها التزامات المملكة الرسمية باتفاقات دولية، ما زالت مرعية الإجراء. لكن قيادة المملكة لما آنست فرصة كافية بعد انتهاء مدة الهيمنة الإسرائيلية، حسب اتفاقية وادي عربة، على أراضي الغور، رفضت تجديد تلك الهيمنة، واستجابت للمطالبة الشعبية بقرارها. وهذا ما يحسب لها ويقدّر برصيد وطنيتها.
ولم تفرّط قيادة الملك عبدالله الثاني في معنى الاستقلال رغم جسامة الضغوط الدولية والإقليمية حيناً والضغوط الداخلية حيناً آخر، ومحدودية الموارد الذاتية للمملكة ما يجعلها رائزاً مؤثراً جداً في أي سياسة عامة.
وأهم احتفاء بميلاد الملك عبدالله الثاني، أطال الله بعمره، حماية الأردن من تداعيات التحولات العاصفة الراهنة، بما يحفظ وحدته، دولة وشعباً ومؤسسات ديمقراطية تكون معبّراً حقيقياً عن الرأي العام الأردني؛ فهذا التعبير الحقيقي هو العزوة والقوة لكل قيادة في كل دولة تستحق العزة والوجود.
*مقال مشارك في ملف بمناسبة ميلاد الملك عبدالله الثاني الـ63، في جريدة الدستور الأردنية.
**ناشر منصة حرمون، عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين، عضو نقابة محرري الصحافة في لبنان، مدرب.