ينطلق الموسم الزراعي في السودان وسط مخاوف من فشل محتمل في ظل غياب أبسط مقومات الزراعة وانهيار قنوات الري وتوقف التمويل ونقص الآليات والتقنيات الزراعية، فيما أعرب مزارعون عن قلقهم من صعوبة الزراعة في ظل دمار الحرب وتوقف عجلة الحياة. ومع بداية الموسم الصيفي، تظهر التحديات المتراكمة بوضوح، خصوصًا في ولايتي الجزيرة وسنار، اللتين تضمان أكبر المشاريع الزراعية في البلاد. عمليات تحضير الأرض تبدو ضعيفة بشكل ينذر بتقلص المساحات المزروعة، وهو واقع يتناقض مع الخطط المبكرة التي أعلنتها وزارة الزراعة لإنجاح الموسم.
وزير الزراعة والغابات، أبو بكر عمر البشري، أكد أن الموسم الصيفي الحالي يحتاج إلى دعم قوي من الأجهزة الحكومية، خصوصًا وزارات المالية والزراعة والري، إلى جانب المزارعين. وأرجع الأزمة إلى تآكل رأس مال البنك الزراعي بسبب الإعسار وعدم سداد التمويل، مؤكدًا ضرورة زيادة رأس مال البنك لمواجهة التحديات. وأضاف: “سنتحلى بالمرونة في التعامل مع المعسرين عبر إعادة الجدولة، لكن هذا لا يكفي لإنقاذ الموسم الزراعي”.
ويقول المزارع خلف الله التوم إن ما يؤرق المزارعين هو غياب خطط التمويل المصرفي، حيث يُحرم كثيرون من تمويل جديد بسبب مديونيات ما قبل الحرب. وذكر أن البنك الزراعي طالب بالسداد، ومن لم يتمكن قد يواجه السجن. وفي ظل غياب الدعم المالي، وتهالك البنية التحتية، والتهديدات الأمنية، والممارسات المصرفية الصارمة، تبدو فرص استعادة الموسم الزراعي ضئيلة. ويعتمد مصير الموسم على تدخلات عاجلة لضمان قوت الملايين الذين يعيشون من الزراعة في البلاد.
في هذا الصدد، كشف وزير الزراعة عن مقترح لتكوين صندوق خاص بالزراعة في الولايات، لتوفير الاحتياجات الأساسية مثل الوقود والتقاوي. كما طمأن المزارعين المدينين بإعادة جدولة ديونهم على مدى 18 شهرًا كجزء من حزمة تحفيزية. كما قال الوزير إن وزارته تسعى لتوفير التقاوي لصغار المزارعين، وتعمل على زيادة رأس مال البنك الزراعي لتعزيز الأمن الغذائي.
10 مليارات دولار خسائر الزراعة في السودان
الحرب في السودان تسببت بخسائر جسيمة للقطاع الزراعي، شملت تدمير ونهب الأصول من معدات وآليات، وتخريب محطات البحوث الزراعية. كما تضررت وحدة الموارد الوراثية في الجزيرة، بما في ذلك بنك الجينات الرئيسي الذي يضم أكثر من 17 ألف مورد وراثي. وبلغت تقديرات وزارة الزراعة للخسائر نحو 10 مليارات دولار. وقد تأثرت بشدة بالحرب مشاريع كبرى مثل مشروع الجزيرة، وهيئة السوكي الزراعية، وهيئة الرهد، ومؤسسة حلفا الزراعية. وتُقدّر خسائر مشروع الجزيرة وحده بين 15 إلى 20 مليار دولار، بينما بلغت خسائر الرهد أكثر من 65 مليون دولار.
من جانبه، حذر عمر هاشم بحر، رئيس مبادرة تأهيل مشروع السوكي، من تهديدات وجودية تطاول حياة أكثر من 700 ألف نسمة يعتمدون كليًا على الزراعة. ورغم التحديات، أعلن وزير الزراعة أن السودان أنتج في الموسم السابق 2024–2025 نحو 6.6 ملايين طن من الحبوب الغذائية في مساحة 39 مليون فدان، منها 5.4 ملايين طن من الذرة، وهو ما يفوق حاجة البلاد المقدرة بأربعة ملايين طن، بحسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. ومع ذلك، أشار الوزير إلى أن إنتاج الحبوب في موسم 2023–2024 بلغ فقط 4.1 ملايين طن، وهو أقل مما أُعلن عنه لاحقًا.
موسم الزراعة 2025–2026: غموض وتفاؤل حذر
المساحة المستهدفة للزراعة في موسم 2025–2026 لم تُحدد بعد، لكن الوزير توقع أن تتجاوز 40 مليون فدان، لتأمين مخزون استراتيجي من الحبوب. وتوقفت الزراعة كليًا خلال الموسم الصيفي الماضي في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، لا سيما في الجزيرة وسنار، بسبب نهب الآليات والتقاوي والأسمدة. ويمثل قطاع الزراعة والرعي مصدر دخل لحوالي 80% من القوة العاملة في السودان، ويساهم بـ32.7% من الناتج المحلي. وشهد مشروع الجزيرة تراجعًا حادًا، حيث انخفضت المساحة المزروعة من 1.1 مليون فدان مستهدفة إلى 505 آلاف فدان فقط، أي تراجع بنسبة 54%.
من جهتها، طالبت اللجنة الزراعية بمنظمة مؤتمر الجزيرة الجهات المختصة بوضع خطة طوارئ لإنقاذ الموسم، مشيرة إلى تدهور نظام الري، وانهيار آليات الهندسة الزراعية بنسبة 70%، إلى جانب النقص الحاد في البذور. وفي سياق الجهود المبذولة للإنقاذ، وقعت المنظمة العربية للتنمية الزراعية، بالتنسيق مع وزارة الزراعة، اتفاقًا مع مؤسسة حلفا الزراعية لتنفيذ مشروع الإنعاش المبكر وإعادة تأهيل الإنتاج الزراعي. ويهدف المشروع إلى تحسين سبل عيش صغار المزارعين، وزيادة الإنتاجية الزراعية والدخل، وتطوير قدرات المهندسين الزراعيين. وقدّمت المنظمة منحة قدرها 50 ألف دولار لدعم الخدمات الإنتاجية والتدريب والمساعدة الفنية.
العربي الجديد