أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول التي تواصل استيراد السلع الروسية، وفي مقدمتها النفط الخام، ردات فعل واسعة في الأوساط الاقتصادية والدبلوماسية. وجاء تهديد ترامب في إطار تصعيد جديد تجاه موسكو، بعد فشل جهود التهدئة في الملف الأوكراني، وتزامن مع إعلان واشنطن عن شحنات جديدة من منظومات “باتريوت” لأوكرانيا. ويعد هذا التوجه أول تهديد علني من نوعه يستهدف حلفاء روسيا التجاريين بشكل غير مباشر، عبر استخدام “سلاح” الرسوم الجمركية. وقال ترامب، الاثنين، خلال اجتماعه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض إن التجارة وسيلة “رائعة لإنهاء الحروب”.
وبحسب مسح أجراه “العربي الجديد” لبيانات التجارة لشركاء روسيا التجاريين من الدول العربية، مقابل الشراكة التجارية لهذه الدول مع الولايات المتحدة، أظهرت نتائج المسح أن دولا عربية عدة ستكون تحت ضغط اقتصادي مباشر وستتأثر أسواقها بدرجات متفاوتة حال نفذ ترامب تهديده، ومن أبرز هذه الدول مصر والإمارات والجزائر والسعودية، نظرا لطبيعة علاقاتها الاقتصادية مع روسيا من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى. كما أن اقتصادات هذه الدول ستكون – حال نفذ ترامب تهديده- أمام تحديات مزدوجة تتعلق بالأمن الغذائي والطاقة والتوازنات التجارية الدولية، وقد تضطر إلى اتخاذ قرارات تجارية عاجلة لمعالجة الاضطرابات المحتملة في الأسواق. ويرصد التقرير التالي حجم التأثير الاقتصادي المحتمل لكل من مصر والسعودية والإمارات والجزائر من واقع الأرقام والإحصائيات الرسمية للتبادل التجاري المشترك مع روسيا والولايات المتحدة:
مصر أمام اختبار صعب
أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا بلغ نحو 6.6 مليارات دولار خلال عام 2024، مقارنة بـ5.6 مليارات في 2023، بنسبة نمو تقارب 18.9%. وتركزت الواردات المصرية من روسيا في الحبوب، الحديد والصلب، الزيوت النباتية، والأخشاب، بينما شملت الصادرات المصرية إلى روسيا الفواكه والخضروات والمنتجات البلاستيكية والكيميائية، بقيمة إجمالية بلغت نحو 607 ملايين دولار. وتعد الحبوب، وعلى رأسها القمح، السلعة الأهم في الواردات المصرية من روسيا، حيث شكلت وحدها نحو 3.1 مليارات دولار من إجمالي الواردات. وبحسب وزارة الزراعة الأميركية، استوردت مصر خلال الموسم 2023/2024 ما يقارب 8.5 ملايين طن من القمح الروسي، بما يمثل ما بين 70% و77% من إجمالي وارداتها السنوية، والتي بلغت نحو 12.5 مليون طن. وتستخدم هذه الكميات بشكل أساسي في برنامج الخبز المدعوم الذي يستفيد منه أكثر من 70 مليون مواطن.
ويمثل برنامج الخبز المدعوم في مصر أحد أكبر برامج الحماية الاجتماعية في البلاد، ويمول عبر مخصصات سنوية تقدر بنحو 90 مليار جنيه مصري (نحو 1.8 مليار دولار)، بحسب بيانات وزارة التموين والتجارة الداخلية. ويعتمد هذا البرنامج بشكل أساسي على القمح المستورد، الذي تأتي النسبة الكبرى منه من روسيا، ما يجعل أي اضطرابات تجارية أو ارتفاع في تكلفة الإمدادات عاملا مباشرا في معادلة الدعم الغذائي. كما أن أي زيادة في أسعار القمح المستورد ستؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج على الدولة، ما يشكل ضغطا إضافيا على الموازنة العامة. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن أي زيادة بنسبة 20% في تكلفة الطن الواحد من القمح قد تكلف مصر مليارات الجنيهات سنويا، خصوصا في ظل تذبذب أسعار الشحن وتقلبات سعر الدولار في السوق المحلية.
وإلى جانب القمح، تعتمد مصر على واردات روسية بقيمة 1.3 مليار دولار من الحديد والصلب، و526 مليون دولار من الزيوت النباتية وخشب بقيمة 262 مليون دولار. وتستخدم هذه الواردات في قطاعات البناء والصناعة الغذائية والتعبئة، وهي ذات أثر مباشر في تكاليف الإنتاج المحلي. وفي حال ارتفعت تكاليف الرسوم أو تأثرت الإمدادات، فإن ذلك سينعكس في الأسعار النهائية ومحفزات التضخم. ووفق ما سبق من معطيات، يرجح أن تواجه زيادة مصر زيادة في كلفة الواردات الزراعية والصناعية في حال دخول التهديدات الجمركية الأميركية حيز التنفيذ، وستكون منظومة الدعم الغذائي في البلاد هي الأكثر تأثرا. وتكمن الخطورة في توقيت الضغط، إذ يتزامن مع جهود الدولة لضبط الإنفاق العام وخفض عجز الموازنة. وتبقى خيارات الحكومة المصرية محدودة بين الحفاظ على استقرار منظومة الخبز وبين البحث عن مصادر توريد بديلة لا تضاعف تكلفة الدعم أو تهدد الأمن الغذائي للملايين.
وفي المقابل، تشير بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة إلى أن صادرات السلع المصرية إلى السوق الأميركية بلغت نحو 2.5 مليار دولار في 2024، مسجلة ارتفاعا بحوالي 6.7% مقارنة بالعام السابق . وتشمل هذه الصادرات منتجات النسيج، والأسمدة، والكيميائيات، وفي بعض الأشهر سجلت الصادرات المصرية نحو 200 مليون دولار شهريا بحسب بيانات (CEIC) لعام 2024، وهي إحدى أكبر قواعد البيانات الاقتصادية المتخصصة في العالم. وتستفيد العديد من هذه المنتجات من إعفاءات جمركية ضمن اتفاقية المناطق المؤهلة (الكويز)، وهو ما يجعلها حساسة تجاه أي تعديل في السياسات الجمركية الأميركية. وفي حال فرضت واشنطن رسوما على الصادرات المصرية، قد يتأثر هامش الربح لدى المصدرين المصريين، ما يضعف تنافسية هذه السلع.
وفي المقابل، تشير بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة إلى أن صادرات السلع المصرية إلى السوق الأميركية بلغت نحو 2.5 مليار دولار في 2024، مسجلة ارتفاعا بحوالي 6.7% مقارنة بالعام السابق . وتشمل هذه الصادرات منتجات النسيج، والأسمدة، والكيميائيات، وفي بعض الأشهر سجلت الصادرات المصرية نحو 200 مليون دولار شهريا بحسب بيانات (CEIC) لعام 2024، وهي إحدى أكبر قواعد البيانات الاقتصادية المتخصصة في العالم. وتستفيد العديد من هذه المنتجات من إعفاءات جمركية ضمن اتفاقية المناطق المؤهلة (الكويز)، وهو ما يجعلها حساسة تجاه أي تعديل في السياسات الجمركية الأميركية. وفي حال فرضت واشنطن رسوما على الصادرات المصرية، قد يتأثر هامش الربح لدى المصدرين المصريين، ما يضعف تنافسية هذه السلع.
الإمارات في دائرة المراقبة
أظهرت بيانات رسمية أن حجم التبادل التجاري بين الإمارات وروسيا بلغ نحو 9 مليارات دولار في عام 2024، مقارنة بنحو 3.5 مليارات دولار عام 2020، وفق أرقام وزارة الاقتصاد الإماراتية وهيئة الجمارك الفيدرالية الروسية. وتوزعت التجارة بين النفط ومشتقاته، الذهب، المعادن، السلع الغذائية، ومعدات صناعية. وجاء هذا النمو مدفوعا بتوسع الدور الإماراتي مركزاً لإعادة تصدير السلع الروسية إلى أسواق آسيا وأفريقيا، مع استخدام الموانئ المحلية كمنافذ بديلة بعد تصاعد العقوبات الغربية على موسكو. وتشير بيانات شركات تتبع الشحن إلى أن الإمارات أصبحت محطة لإعادة تصدير الوقود الروسي، خاصة من خلال ميناءي الفجيرة وجبل علي. ووفق بيانات شركة كبلر لتحليل بيانات الطاقة والتجارة، أعادت الإمارات تصدير ما يقارب نصف مليون طن من الوقود الروسي في إبريل/نيسان 2024، تشمل زيوت الوقود الثقيلة ومنتجات مكررة. كما استخدمت بعض هذه الشحنات للوصول إلى مصر وعدد من الدول المجاورة عبر شركات وسيطة. وتدرج هذه العمليات ضمن منظومة التبادل التجاري المفتوح، وتخضع للقوانين الجمركية الإماراتية السارية.
وفي المقابل، بلغت صادرات الإمارات إلى الولايات المتحدة نحو 22.3 مليار دولار في 2024، بحسب مكتب الإحصاء الأميركي، تتنوع بين الألمنيوم، الكابلات، المنتجات الصناعية، والمكونات التقنية. وتربط بين البلدين علاقات تجارية واسعة تشمل الاستثمار المباشر والتعاون في سلاسل التوريد. ويعد عدد من الشركات الإماراتية المملوكة لصناديق سيادية من بين الموردين الرئيسيين للولايات المتحدة في قطاعات مختلفة. وتراقب هذه التدفقات التجارية ضمن الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية بين البلدين. وتتابع الأسواق الدولية تطورات الموقف الأميركي من التهديد بفرض رسوم جمركية على الدول التي تواصل التعامل مع روسيا. وفي حال تنفيذ هذا التهديد، فإن الشركات العاملة في الإمارات ضمن خطوط التوريد الروسية قد تواجه متطلبات تنظيمية إضافية. وتبقى قدرة هذه الشركات على تلبية الاشتراطات الأميركية مرهونة بطبيعة السلع المعنية وحجم التداخل مع السوق الأميركية.
السعودية في مرمى تهديد ترامب
تشير بيانات منظمة “أوبك” إلى أن المملكة العربية السعودية حافظت على متوسط إنتاج نفطي يتجاوز 9.3 ملايين برميل يوميا خلال النصف الأول من عام 2025، ضمن التفاهمات المستمرة مع روسيا في إطار تحالف “أوبك+”. ووفقا لبيانات رويترز، تم الاتفاق على تمديد تخفيضات إنتاج مشتركة مع روسيا حتى نهاية عام 2025 لدعم استقرار الأسعار العالمية. وتعد روسيا ثاني أكبر منتج في هذا التحالف، ما يجعل التنسيق بين الجانبين إحدى الركائز الأساسية للسياسات السوقية في قطاع الطاقة العالمي، وخاصة في ظل تقلبات الطلب الصيني والأوروبي. ولم تصدر الحكومة الأميركية أي بيانات رسمية بشأن إدراج السعودية ضمن قائمة الدول التي قد تواجه رسوما جمركية ثانوية نتيجة استمرار تعاملها مع روسيا في قطاع الطاقة. إلا أن التلميحات بشأن مراقبة التفاهمات النفطية ضمن تحالف “أوبك+” فسرت من بعض المراقبين كإشارة إلى إمكانية إدخال الحلفاء النفطيين لروسيا ضمن دائرة الضغط.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الصادرات السعودية إلى الولايات المتحدة بلغت نحو 1.9 مليار دولار عام 2024، ويعد النفط الخام والبتروكيميائيات ضمن أهم الصادرات، وفقا لمكتب الإحصاء الأميركي. وفي حال أدرجت واشنطن السعودية ضمن جدول للرسوم الجمركية بسبب ارتباطها بتحالف “أوبك+” مع روسيا، فقد تواجه صعوبات في تصدير هذه المنتجات إلى السوق الأميركية. وتعد الصادرات الحالية ضمن بنية صناعية ذات هامش ربح محدود، ما يعني أن أي رسوم إضافية قد تؤثر على هوامش العوائد وتجعل التوريد السعودي إلى شركات أميركية أقل جاذبية. كما يمكن أن تفقد السعودية جزءا من حصتها في السوق الأميركية على المدى المتوسط، خاصة إذا قيدت الإجراءات الأميركية الاستفادة من اتفاقيات خاصة أو رفعت كلفة اللوجستيات الجمركية.
وبحسب صندوق النقد الدولي، سجلت السعودية فوائض مالية في ميزان الحساب الجاري خلال عام 2024 نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتحسن الإيرادات الضريبية. وبلغت صادرات النفط السعودية في مايو/أيار 2025 نحو 6 ملايين برميل يوميا، وفق بيانات “رويترز”، مع توقعات بزيادة الشحنات إلى آسيا في الربع الثالث من العام. وأظهرت بيانات جمركية أن السعودية تخطط لتصدير نحو 51 مليون برميل من الخام إلى الصين في أغسطس/آب، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عامين، ما يشير إلى توجه متزايد نحو تنويع الوجهات بعيدا عن السوق الأميركية. وعلى الرغم من عدم وجود علاقات تجارية واسعة بين السعودية وروسيا خارج قطاع النفط، إلا أن التنسيق في السياسات السوقية قد يفسر ضمن سياق التعاون المستمر. وتستمر المملكة في تأكيد احترامها للأنظمة الدولية المتعلقة بالتجارة والطاقة، بما في ذلك الامتثال للإجراءات التنظيمية لمجموعة العشرين.
ضغط اقتصادي محتمل في الجزائر
تظهر بيانات التجارة الخارجية الجزائرية أن روسيا تعد من أبرز الشركاء الاستراتيجيين للجزائر، خاصة في مجالي الدفاع والطاقة. وعلى الرغم من محدودية حجم التبادل التجاري بالمقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن موسكو تعد المورد الرئيسي للأسلحة إلى الجزائر. ووفق معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، شكلت روسيا أكثر من 70% من واردات الجزائر من الأسلحة في الفترة من 2019 إلى 2023. وتشمل هذه الواردات طائرات حربية، وأنظمة دفاع جوي، ومركبات مدرعة، ضمن عقود تمتد لعدة سنوات. ولا تقتصر العلاقة الاقتصادية بين الجزائر وروسيا على المجال العسكري، بل تشمل أيضا مجالات الطاقة والبنية التحتية.
وفي مارس/آذار 2023، وقعت الجزائر اتفاقيات جديدة مع شركات روسية في قطاع النفط والغاز، من بينها غازبروم ولوك أويل، ضمن خطط لتعزيز الإنتاج المحلي والتعاون في مشاريع الاستكشاف. كما تم التباحث حول إنشاء مشاريع نقل كهرباء وتحلية مياه في مناطق الساحل الجزائري، وفق ما أعلنته وزارة الطاقة الجزائرية. وبلغت قيمة التبادل التجاري بين الجزائر وروسيا نحو 3.2 مليارات دولار في عام 2024، وفقا لبيانات وزارة التجارة الجزائرية. وتركزت الواردات الجزائرية من روسيا في المواد الزراعية، الحبوب، والمعدات التقنية، والمنتجات الكيميائية، بينما شملت الصادرات الجزائرية نحو روسيا كميات محدودة من المواد الخام وبعض المنتجات الزراعية. وتعد روسيا من بين الدول التي تورد القمح والشعير للجزائر، إلى جانب معدات صناعية تستخدم في قطاعات الطاقة والتصنيع.
وفي المقابل، تشير بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة إلى أن حجم التبادل التجاري الكلي بين الجزائر والولايات المتحدة بلغ نحو 3.5 مليارات دولار في 2024، منها صادرات أميركية إلى الجزائر بقيمة 1.0 مليار دولار وواردات أميركية من الجزائر وصلت إلى 2.5 مليار دولار، أغلبها نفط وشحنات طاقة. وفي حال فرضت واشنطن رسوما جمركية، فإن صادرات الجزائر إلى الولايات المتحدة البالغة 2.5 مليار دولار، خاصة النفط، ستتأثر سلبا. أما القطاعات الزراعية القائمة على الواردات الروسية فقد تواجه ارتفاع تكلفة إحلال السلع الأميركية المعاد تصديرها، أو ضغطا في الأسعار المحلية.