حققت سلطنة عُمان فائضاً مالياً في عام 2024 بلغ 540 مليون ريال عماني (حوالي 1.4 مليار دولار)، وذلك بفضل ارتفاع الإيرادات بنسبة 15% مقارنة بالتوقعات الأولية، حيث وصلت الإيرادات إلى 12.7 مليار ريال عماني، بينما بلغ الإنفاق 12 مليار ريال عماني، نتيجة تجاوز سعر برميل النفط الفعلي التوقعات المعتمدة بالميزانية، حيث بلغ متوسط سعر البرميل 82 دولاراً، مقارنة بسعر الميزانية المقدر بـ 60 دولاراً.
في المقابل، تتوقع موازنة 2025 عجزاً قدره 620 مليون ريال عماني (1.6 مليار دولار)، مع زيادة الإنفاق بنسبة 1.5% ليصل إلى 11.8 مليار ريال عماني، ما يطرح تحديات أمام حكومة عُمان بشأن كيفية الإنفاق الأمثل لفائض العام الماضي.
ويعزز من ذلك التحدي أن الموازنة الجديدة تشمل زيادة مخصصات سداد الديون إلى 440 مليون ريال عماني، وزيادة دعم الكهرباء بنسبة 13% ليصل إلى 520 مليون ريال عماني، ما يسلط الضوء على ضرورة التركيز على أوجه إنفاق للفائض المالي، تحقق الهدفين الاقتصادي والاجتماعي معاً، حسب تقدير شركة “أوبار كابيتال” العمانية لخدمات الاستثمار، وشركة KPMG العالمية لخدمات الاستشارات المالية.
ووفق تقدير “أوبار كابيتال”، فإن التوجيه الأمثل للفائض المالي في عُمان هو تحسين البنية التحتية، مثل الطرق والمستشفيات والمدارس، بما يعزز جودة الحياة للمواطنين ويخلق فرص عمل في قطاعات البناء والخدمات الصحية والتعليمية، مع التركيز على تنويع الاقتصاد، من خلال دعم القطاعات غير النفطية مثل السياحة والصناعات التحويلية والزراعة، مما يساهم في خلق فرص عمل جديدة للشباب، ويقلل من الاعتماد على النفط.
أما تقدير KPMG فيقترح تخصيص جزء من الفائض المالي العماني من منظور أبعد وأطول مدى، عبر تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية.
كما تقترح الشركتان تخصيص جزء من الفائض للاستثمار في قطاعين، الأول هو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يشجع ريادة الأعمال ويخلق فرص عمل جديدة للشباب، والثاني هو تمويل المشاريع الإنمائية الكبرى، مثل بناء المدن الجديدة وتطوير الموانئ، مما يوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للشباب. غير أن هذا التوجيه في عُمان يتطلب تحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات الأجنبية عبر تمويل برامج التشغيل والتدريب التي تستهدف الشباب.
تقدير محافظ لبرميل النفط في موازنة عُمان
في هذا الإطار، يشير الكاتب العماني المختص بالشأن الاقتصادي، مرتضى حسن علي، لـ”العربي الجديد”، إلى أن سبب الفائض المالي في الموازنة العامة للدولة في عمان عام 2024 راجع لقيام وزارة المالية باحتساب “تقدير محافظ” لسعر البرميل الواحد من النفط عند إعداد الموازنة، واحتساب المصاريف حسب ذلك السعر، حيث ارتفع سعر البيع الحقيقي للنفط عن السعر المُقدر.
وفي عام 2024، الإيرادات كانت نحو 12.7 مليار ريال عماني، بزيادة 15% عن المعتمد في الموازنة، بينما جرى ضبط الإنفاق عند 11.65 مليار ريال، بانخفاض 4% عن المخطط، حسب علي، الذي أشار إلى أن هذا الأداء المالي الجيد حول التوقعات من عجز مقدر بـ 640 مليون ريال إلى فائض فعلي بقيمة 540 مليون ريال.
كما أن اتباع حكومة عُمان سياسة مالية حذرة أدى إلى تقليل المصروفات عن المخطط لها، بحسب علي، مشدداً على أن الفوائض المالية يجب أن توجه لسداد أقساط القروض الضخمة وفوائدها، وتقليل الأعباء المالية، وتعزيز الإنفاق الاجتماعي، وتخصيص مبالغ لدعم البرامج الاجتماعية، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، إضافة إلى إدارة المحفظة الإقراضية، والاستثمار في مشاريع تنموية لتعزيز النمو الاقتصادي، وتوليد فرص العمل، لا سيما تلك المتعلقة بقطاع الاقتصاد الرقمي، بما يدعم تحقيق الاستدامة المالية، وتعزيز الاقتصاد الوطني.
الدعم الحكومي
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي العماني، خلفان الطوقي، لـ”العربي الجديد”، إلى أن المحافظات العمانية تشهد توجهاً نحو تعزيز المشاريع الاستثمارية، حيث خصصت الحكومة موازنة تقدر بحوالي 20 مليون ريال (52 مليون دولار) لكل محافظة، إلا أن هناك دعوات لزيادة هذا الدعم، خاصة ذلك الموجه للمشاريع التي تخلق فرص عمل كثيفة للشباب العماني، ما يعزز الحركة الاقتصادية والتجارية في تلك المحافظات، مؤكداً أهمية تعاون المحافظات في تنفيذ مشاريع مشتركة تُفيد أكثر من منطقة، إضافة إلى دعم وزارات المالية والتجارة والصناعة والاستثمار.
فمن شأن تعاون كهذا أن يساهم في تحقيق التكامل الاقتصادي بين المحافظات، ويعزز من فرص نجاح المشاريع التي تُعنى بالتنمية المحلية، حسب الطوقي، الذي يشدد على أهمية ضخ أموال إضافية للترويج للسلطنة سياحياً واستثمارياً.
وفي الإطار ذاته، يلفت الطوقي إلى ضرورة الاهتمام بالاقتصاد الرقمي وتدريب الشباب العماني للتمرس فيه، عبر تخصيص موازنات وبرامج لهذا الغرض، على أن يكون عدماً “إضافياً واستثنائياً”، خاصة في برامج تدريب وتأهيل الشباب، حسب تقديره.
ويشير الطوقي إلى أن الحكومة العمانية خصصت بالفعل 73 مليون ريال (189.8 مليون دولار) لدعم الأجور في 2025، لكن الحاجة لا تزال ماسة لزيادة هذا المبلغ، لضمان تأهيل الشباب بشكل كافٍ لمواجهة المتطلبات المستقبلية، حسب رأيه، مؤكداً أهمية استهداف الحكومة لإعداد الشباب العماني للعمل في الاستثمارات الخارجية التي قد تصل إلى السلطنة، أو حتى في دول الخليج المجاورة.
العربي الجديد