تترقب غزة عودة البنوك إلهيا مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في القطاع، تراجعت نسبة العمولة على صرف التحويلات والودائع في قطاع غزة (يسمونها نسبة “التكييش”) إلى نحو نصف المبلغ الذي كانت عليه خلال حرب الإبادة الإسرائيلية، وسط استعدادات تجري لبدء البنوك عملها خلال الفترة المقبلة، غير أن نسبة التكييش (تحويل التحويلات والإيداعات المصرفية إلى سيولة نقدية) تعتبر مرتفعة في ظل المعاناة التي يعيشها السكان في القطاع، حيث كانت النسبة تتراوح ما بين 25 إلى 30%، من المبلغ المراد تحويله من التطبيقات البنكية والمصرفية ليصبح عبارة عن عملة ورقية نقدية.
ونشأت هذه الظاهرة في بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع وتحديداً في الشهر الرابع نظراً لشح السيولة النقدية المتوفرة في تلك الفترة وانقطاع أواصل غزة جغرافياً وتحول السكان للاعتماد على التطبيقات البنكية في ظل انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت.
تراجع نسبة التكييش في غزة
ووصلت النسبة في الأيام الأولى لوقف إطلاق النار إلى ما بين 10% إلى 13% في مناطق وسط وجنوب القطاع، فيما ترتفع النسبة في مدينة غزة لتتراوح بين 15 و17%، وهي نسبة تبدو مرتفعة بالرغم من الانخفاض الذي حصل.
وبدأت بوتيرة منخفضة مكاتب الصرافة المالية في العمل إلا أن هذه الوتيرة لا تزال منخفضة مقارنة مع الحالة التي كانت عليها قبل السابع من أكتوبر 2023، أو الشهور الأولى للحرب التي كانت تتوفر فيها سيولة نقدية، ولم يشهد القطاع إلى الآن توفر سيولة نقدية حقيقية في ظل عدم إدخال سلطة النقد أي أموال جديدة أو عملات من خلال المعابر، حيث من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة إدخال سيولة لصالح المصارف المحلية والعربية العاملة في القطاع وإلى جانب مكاتب الصرافة والتحويلات. وحسب مصادر مصرفية تحدثت لـ”العربي الجديد” فإن البنوك العاملة في القطاع لن تعود بوتيرة سريعة للعمل، بالذات مع الدمار الكبير الذي طاول مقراتها وغياب البنية التحتية وحالة التدمير التي شملت أجهزة الصرف الآلي وغيرها من المعدات والمقرات.
وشهدت الأيام الماضية اجتماعاً بين البنوك العاملة في غزة وبين سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي الفلسطيني) جرى خلاله الاتفاق على البدء في العمل خلال الأسابيع المقبلة في القطاع والتحضير لتشغيل الفروع التي لم تتعرض لقصف مباشر وإصلاحها.
10 من البنوك في غزة
ووفقاً لبيانات سلطة النقد الفلسطينية، فإن 10 بنوك تعمل في قطاع غزة من إجمالي 13 مصرفا محليا وافداً تعمل في السوق الفلسطينية، ومن بين 56 فرعاً للبنوك العشرة، فإن 8 – 11 فرعاً فقط قد تكون صالحة لاستقبال عملاء البنوك خلال الأسبوعين القادمين، بسبب تعرض بقية الفروع إلى دمار كلي أو شبه كلي.
وقدمت سلطة النقد قائمة أجهزة للجهات الرسمية الفلسطينية لإدخالها إلى القطاع، تضم أجهزة صراف آلي وبعض المعدات التي تحتاج الفروع لاستئناف الحد الأدنى من عملها، في ظل الأوضاع الأمنية الحالية، وفق مناصرة، وحتى قبل الحرب على غزة، كان عدد أجهزة الصراف الآلية يبلغ 97 جهازاً، إلا أن عدد الأجهزة الفعالة اليوم لا تزيد عن ثلاثة أجهزة، بسبب تعرض فروع البنوك وأجهزة الصراف إلى الدمار بفعل القصف، فيما تظهر بيانات لسلطة النقد أن إجمالي ودائع القطاع المصرفي في غزة نمت بأكثر من 83% خلال الفترة ما بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2024 نظراً لعدم توفر الخدمات المصرفية وصعوبة سحب الأموال.
توقعات إيجابية لاقتصاد غزة
من جانبه، يقول أستاذ علم الاقتصاد رائد حلس إنه على الرغم من انخفاض نسبة العمولة النقدية مع دخول وقف إطلاق النار إلى ما بين 10% و13% بعد أن بلغت ذروتها خلال فترة الحرب بنسبة تراوحت بين 25% و30%، إلا أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة نتيجة تعطل النشاط المصرفي”، ويضيف حلس لـ”العربي الجديد” أن البنوك الفلسطينية العاملة في غزة تستعد لاستئناف نشاطها خلال الأسبوعيين المقبلين، كنتيجة لاجتماع عقدته سلطة النقد الفلسطينية مع مديري البنوك العاملة في فلسطين، حيث تم الاتفاق على إعادة تشغيل عدد من فروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي التي لم تتعرض للتدمير، مع التركيز على تعزيز خدمات الدفع الإلكتروني.
ويرجّح أستاذ علم الاقتصاد أن تنخفض نسب العمولة النقدية تدريجياً مع استعادة الثقة في القطاع المصرفي وإعادة افتتاح الفروع المغلقة، ومع ذلك، فإن التحديات المرتبطة باستدامة وقف إطلاق النار وعودة النشاط الاقتصادي قد تؤثر على وتيرة هذا التعافي.
وفي ما يتعلق بتداعيات نهاية الحرب على المصارف ومكاتب الصرافة، يؤكد أن تعرض العديد من الفروع المصرفية وأجهزة الصراف الآلي لأضرار مادية مباشرة خلال الحرب، يتطلب جهداً كبيراً لإعادة تشغيلها، ويشير حلس إلى أن زيادة الطلب على السيولة النقدية قد تشكل ضغطاً إضافياً على البنوك، خاصة في ظل استمرار تخوف العملاء من الإيداع طويل الأجل، في الوقت نفسه، يُتوقع أن تشهد مكاتب الصرافة نشاطاً متزايداً بسبب الاعتماد على التحويلات النقدية الخارجية، التي تسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد المحلي.
ويلفت إلى أنه على صعيد استراتيجيات البنوك للفترة المقبلة، ينبغي عليها الاستثمار في الحلول الرقمية، بما في ذلك التطبيقات المصرفية وخدمات المحافظ الإلكترونية، لضمان سهولة وصول العملاء إلى أموالهم، كما يتعين تطوير خطط طوارئ للتعامل مع الأزمات المستقبلية، بما يضمن استمرار تقديم الخدمات المصرفية في الأوقات الحرجة، بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر تعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية لتوفير السيولة والدعم الفني اللازم لإعادة بناء القطاع المصرفي في غزة.
ورغم أن بعض مكاتب الصرافة استأنفت العمل بوتيرة منخفضة إلا أنها لا تزال تتحكم في أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الشيكل الإسرائيلي حيث يقوم بعض الصرافين بصرف 100 دولار مقابل سعر صرف 270 شيكلاً، في الوقت الذي يبلغ فيه سعر الصرف الأساسي عبر الشاشة الرسمية، 360 شيكلاً إسرائيلياً وهو ما يكبد الشخص الراغب في تحويل العملات خسائر كبيرة.
تماسك القطاع المالي في غزة
من جانبه، يقول الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر إن القطاع المالي والمصرفي كان متماسكاً بعض الشيء بالرغم من ظاهرة التكييش والعملات الورقية المهترئة خلال فترة الحرب على غزة، ولا يتوقع أبو قمر في حديثه لـ”العربي الجديد” أن تحل أزمة نقص السيولة بشكل فوري وعاجل، نظراً لحاجة البنوك لحل المشكلات التي واجهتها خلال الحرب من تدمير الفروع، إلى جانب الحاجة للتفاوض مع البنك المركزي الإسرائيلي لإدخال عملات جديدة واستبدال العملات الورقية التالفة وهو ما يأخذ مدة تتراوح ما بين شهر إلى شهرين لانتهاء أزمة نقص السيولة.
وبشأن انخفاض نسبة التكييش، يلفت الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي إلى أن النسبة انخفضت لعدة أسباب أبرزها انتهاء الحرب على القطاع بالإضافة إلى أن تجار التكييش باتوا يدركون أن حل أزمة السيولة قد يتم في أي لحظة. ويشير إلى أن مناطق مدينة غزة وشمالها تشهد تراجعا ملحوظا على صعيد انخفاض نسبة التكييش حيث وصلت في بعض الأحيان إلى استبدال الأموال دون عمولة إذا كانت الأوراق المحصول عليها قديمة.
ويؤكد أبو قمر أن وقف إطلاق النار سيسهم في إدخال نسبة سيولة للقطاع المصرفي والبنوك، خلال الفترة المقبلة، وستؤدي إلى خفض نسبة السيولة وسيؤدي إلى حركة تجارية أكثر نشاطاً في القطاع خلال الفترة المقبلة. ولم تشهد الفترة الماضية أي تحركات جديدة لوزارة الاقتصاد في غزة أو الجهات الحكومية على صعيد وقف ظاهرة “التكييش” أو العمل على ضبطها نظراً لتداعيات الحرب الإسرائيلية على القطاع.