ترجح وكالة الطاقة الدولية انخفاض الطلب العالمي على النفط، العام الجاري، في ضوء التطورات الاقتصادية والجيوسياسية وتداعياتها، ما يؤشر إلى تأثيرات متباينة على موازنات دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما التي تعتمد كثيراً على عائدات الخام والتي تشهد إنفاقاً كبيراً.
وخفض بنك الاستثمار العالمي “غولدمان ساكس” قبل أيام، توقعاته لأسعار النفط، مع تراجع آفاق نمو الاقتصاد الأميركي بسبب الرسوم الجمركية، في الوقت الذي تعزز فيه منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها الإنتاج.
ويأتي خفض التوقعات بعد تراجع أسعار النفط الخام عن أعلى مستوياتها هذا العام في يناير/كانون الثاني الماضي، بسبب وفرة الإمدادات وضعف توقعات الطلب من الصين، أكبر مستورد في العالم، وتصاعد الحرب التجارية الدولية.
وقال محلّلون لدى “غولدمان ساكس”، في مذكرة بحثية: “في حين أن التراجع بمقدار عشرة دولارات للبرميل منذ منتصف يناير/كانون الثاني يفوق التغير في العوامل الأساسية وفق توقعات السيناريو الأساسي، فإننا نخفض توقعاتنا لسعر خام برنت في ديسمبر/كانون الأول 2025 بمقدار خمسة دولارات إلى 71 دولاراً”.
ووسط المخاوف من تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي عالمياً، بسبب تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، تشير توقعات منصة الطاقة “غلوبال بيترول برايسز” إلى متوسط سعر لبرميل النفط عند 73 دولاراً هذا العام، ما قد يؤدي إلى ضغوط على موازنات الدول المنتجة، ولا سيما دول الخليج، التي تستند بنسبة كبيرة إلى إيراداتها النفطية لتحقيق التعادل في موازناتها، وتعتمد سعراً يفوق الـ 80 دولاراً للبرميل من أجل تحقيق هذا التعادل.
ووفقاً لتقدير أوردته منصة “أربيان جلف بيزنس إنسايت”، فإن بعض دول الخليج ستواجه اضطراباً مالياً إذا هبطت الأسعار دون 70 دولاراً للبرميل. وإزاء ذلك فإن التدابير الحكومية المتوقعة لامتصاص تأثير هذا الهبوط قد تشمل صناديق سيادية لتثبيت الأسعار، كما فعلت الإمارات سابقاً عند تحرير الأسعار، وفقاً لما أورده تقرير نشرته منصة “إيكونوميك ميدل إيست”.
فيما أورد تقرير آخر نشرته منصة evrimagaci التركية أن الإجراءات الحكومية في مواجهة هبوط أسعار النفط قد تشمل دعم المستهلكين عبر قسائم إلكترونية للفئات الأكثر تأثراً، مع الحفاظ على تحفيز خفض الاستهلاك للوقود، وتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة والاستثمار في الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على إيرادات النفط، كما أعلنت الإمارات في خططها للحياد الكربوني 2050.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير النفطي الكويتي، كامل الحرمي، لـ”العربي الجديد”، إلى أن التوقعات الحالية ترجح انخفاض سعر برميل النفط إلى 60 دولاراً، مقارنة بالسعر الحالي الذي يتجاوز 70 دولاراً لبرميل برنت، موضحاً أن هذا الانخفاض المتوقع ناتج عن زيادة الإنتاج النفطي في عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية التي تتجه إلى زيادة إنتاجها إلى أكثر من 20 مليون برميل يومياً خلال السنوات القادمة، بالإضافة إلى البرازيل والمكسيك وكندا التي تعمل على تعزيز اكتشافاتها النفطية وزيادة إنتاجها.
ومن شأن انخفاض سعر البرميل إلى 60 دولاراً أن يسبّب انعدام التوازن المالي في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر والإمارات، بحسب الحرمي، مشيراً إلى أن الكويت والسعودية تحتاجان إلى أسعار تزيد عن 90 دولاراً لبرميل النفط لتحقيق التوازن في موازناتها العامة، ما يعني وجود فجوة تصل إلى 20 دولاراً بين السعر المتوقع والسعر المطلوب، ما يضع الدولتين أمام تحديات كبيرة.
وللتكيف مع هذا الوضع، يرى الحرمي أن دول الخليج في حاجة إلى خفض مصروفاتها السنوية وتعديل سياسات الدعم، خاصة في ظل اعتماد المواطنين على أسعار مدعومة للسلع والخدمات، مشيراً إلى أن خفض الدعم أو تقليل الميزانيات الحكومية ليس بالأمر السهل، حيث سيؤثر ذلك على البنية التحتية التي تحتاج إلى صيانة مستمرة وتحديث، ما يتطلب موارد مالية إضافية.
ويضرب الحرمي مثالاً على التحديات التي تواجهها الكويت في زيادة أسعار البنزين، الذي يعد ضمن الأقل سعراً في العالم، ويُؤكد أن أي محاولة لزيادة الأسعار ستواجه معارضة شديدة من المواطنين الذين يعتبرون أن هذه الزيادات ستؤثر مباشرة على دخولهم الشخصية، مشدداً على ضرورة أن تكون أي زيادة في الأسعار مقنعة ومدروسة بعناية لتجنب ردات الفعل السلبية.
ويضيف أن دول الخليج تواجه تحديات كبيرة بسبب انخفاض أسعار النفط المتوقعة، ما يتطلب “إجراءات صعبة”، بحسب وصفه، مثل خفض المصروفات وتعديل سياسات الدعم، ومع ذلك يجب أن تكون هذه الإجراءات مدروسة ومقنعة للمواطنين، مع الحفاظ على الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية لضمان استقرار الاقتصاد وتحقيق التوازن المالي.
في السياق، يشير المحلل النفطي، أحمد حسن كرم، لـ”العربي الجديد”، إلى أن انخفاض الطلب على النفط يرتبط بانخفاض معدلات النمو الاقتصادي للدول الصناعية الكبرى، بالإضافة إلى أن هذه الفترة من العام تشهد عادة انخفاضاً في الطلب على الوقود بسبب قلة السفر واستخدام وسائل النقل، مما يؤثر سلباً على الأسواق النفطية.
وفي ما يتعلق بأسعار الوقود المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي، يذكر كرم أن بعض الدول تربط أسعار الوقود بأسعار النفط العالمية، ومن ثم سيؤدي انخفاضُ الأسعار العالمية إلى انخفاض أسعار الوقود فيها، أما الدول التي تدعم أسعار الوقود، مثل قطر والكويت، فلن تتأثر بشكل مباشر بانخفاض الأسعار، ما يعني أن المستهلكين في هذه الدول لن يشعروا بتقلبات الأسعار.
ولأن معظم دول الخليج تعتمد بشكل كلي على الإيرادات النفطية، يجعلها انخفاض الطلب على النفط عرضة للتأثر بانخفاض الأسعار بشكل كبير، بحسب كرم، مشيراً إلى أن انخفاض الأسعار بشكل ملحوظ سيُجبر هذه الدول على اتخاذ تدابير لتقليل المصروفات، وقد يكون من بينها تخفيض رواتب الموظفين إذا كان تأثيرها على الموازنات العامة قوياً، ما قد يؤثر كثيراً على المواطنين.
ومع ذلك، يؤكد كرم أن الوضع الحالي لا يستدعي اتخاذ إجراءات تصحيحية كبيرة في دول الخليج، خاصة مع استقرار الأسواق النفطية والتوقعات بارتفاع أسعار النفط في الفترة المقبلة، كما أن دخول فصل الصيف وزيادة حركة السفر من شأنها أن تسهم في تعزيز الطلب على النفط، ما يخفف من حدة التحديات التي تواجهها دول الخليج في الوقت الراهن، بحسب تقديره.