أثار قرار الحكومة السورية الجديدة بفصل واستبعاد آلاف الموظفين من مراكز عملهم سخط الشعب السوري، مما أدى إلى اعتصامات واحتجاجات مدنية رافضة للقرارات الحكومية التي طاولت آلاف الموظفين بالفصل والاستبعاد من مراكز عملهم، فيما سارع موظفون في محافظات أخرى بتقديم اعتراضات شفهية وخطية للمسؤولين الجدد آملين إعادة النظر بهذا القرارات، وجاهر آخرون بعدم شرعية القرارات على اعتبار أنها صادرة عن حكومة تصريف أعمال لا يجوز لها اتخاذ قرارات مصيرية.
ونفذ المئات من موظفي الصحة في محافظة درعا، يوم أمس الجمعة، وقفة احتجاجية أمام مديرية الصحة رفضاً لقرار شطب أسماء أكثر من 700 موظف من المديرية، مطالبين الحكومة بإعادة النظر بهذا القرار، معتبرين القرارات “تجنّ على الموظفين”.
الناشط سامر مقداد من محافظة جنوبي البلاد، قال لـ”لعربي الجديد”، إن المديرية تلقت قبل أيام طلباً من الوزارة برفع أسماء وأعداد العاملين فيها والمنتدبين أو المكلفين للعمل بمديريات أخرى، ليتراجع عدد موظفيها من 2165 إلى 1781 موزعين على أكثر من 90 مركزاً طبياً في الريف والمدينة وعلى 12 تجمعاً طبياً ومشفى عاماً، وبناءً على رد المديرية قامت الإدارة بدمشق بشطب أسماء 881 موظفاً وموظفة، وإبقاء 900. الأمر الذي أثار حفيظة الموظفين والذي يعمل جزء كبير منهم منذ سنوات وفي ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها صعبة وخطيرة. وكذلك لدى الأهالي الذين يُدركون النقص الكبير في الكادر الطبي، والحاجة الماسّة لرفده بالعاملين والأخصائيين والخبرات بالإضافة للتجهيزات الطبية والأدوية.
وأضاف المقداد، إن شريحة كبيرة في المحافظة يعتبرون إن الوزارة أخطأت إذ بدأت عملها بالتضييق على القطاع الصحي الذي يعاني أصلاً مشاكل كبيرة قبل أن تمنحهم رواتب وأجوراً الشهر الماضي، أو قبل أن تدرس الواقع الصحي عبر لجان مختصة ومسؤولة.
هذه الصورة لاعتصام العاملين في مديرية صحة درعا تكررت في طرطوس التي شهدت، يوم أمس أيضاً، اعتصاماً كبيراً للعاملين في صحة طرطوس، وموظفين من “المؤسسة السورية للتجارة” على أثر فصل آلاف الموظفين. إذ طالب المحتجون الحكومة بالعودة عن قرارات الفصل والشطب وتفعيل لجان مختصة لدراسة أوضاع الموظفين والتزامهم والتقرير لمصيرهم بحسب الحاجة، وضمن مراعاة حقوقهم حسب التشريعات العاملة حتى الآن.
“جورج” أحد الموظفين وهو كفيف من ذوي الإعاقة في طرطوس، اشتكى لـ”لعربي الجديد “حاله قائلاً؛ إنه موظف منذ عام 2009 عامل بوفيه في المؤسسة السورية للتجارة، رغم أنه حاصل على شهادة الحقوق من جامعة دمشق، وكان يشعر بالظلم كونه لم يعين في المكان المناسب، وبعد هروب الأسد كان يأمل أن تنصفه الحكومة الجديدة، لكنه كما قال إنه خاب ظنه وشعر بالظلم أكثر عندما تم حل المؤسسة السورية للتجارة، وفقد وظيفته وكذلك زوجته الكفيفة مثله.
وناشد جورج حكومة تصريف الأعمال بإعادة النظر في القرار الذي اعتبره مجحفاً بحق ذوي الاحتياجات الخاصة، تلك الفئة التي تعد من أكثر الفئات حاجة للاستقلال المادي.
وفي اللاذقية احتشد العشرات من العاملين المفصولين من وزارة العدل في ساحة القصر العدلي محتجين على قرار فصلهم، مؤكدين عدم شرعية قرارات الحكومة الحالية بفصل أي عامل أو موظف لدى مؤسسات الدولة، لكونها حكومة إنقاذ وتسيير أعمال، وبأنه ليس من صلاحياتها وفق القانون أن تفصل العاملين.
وقال “باسل الأسعد” لـ”العربي الجديد”: “لم نأخذ هذه القرارات بمنطق طائفي لأنها شملت العديد من القطاعات العامة في معظم المحافظات، كما أننا ندرك أن الحكومة محقة في فصل آلاف الموظفين ممن استغلوا العلاقات الأمنية والمعارف في النظام السابق للحصول على راتب أو أكثر دون العمل في المديريات، ولكن هذه القرارات لا تتخذ ارتجالياً دون دراسة دقيقة لكل موظف وعامل في مؤسسات الدولة”.
ويضيف: “ما بدأته الحكومة أشبه بالعقاب الجماعي دون التمييز بين المستحق لهذا العقاب والمظلوم، لذلك على الحكومة المؤقتة ألا تبت في هذه القرارات لأنها ليست من صلاحياتها ضمن أي دستور، أو أن تعترف بأنها حكومة دائمة وتستطيع أن تقرر وتشرع قبل إقرار دستور جديد وانتخاب برلمان”.
وأردف الأسعد: “لقد وعدت الحكومة بتسليم الرواتب وتأخرت بذلك، ثم وعدت بالزيادات للجميع وبدأت تستثني فئات كبيرة من الشعب. وما لبثت تلغي عقود العاملين قبل أن تزودهم بحقوقهم وتمنحهم حق المقاضاة والدفاع عن النفس، وبتنا جميعاً نتساءل عن ماهية هذه الحكومة وأهدافها ونصمت أمام التعديلات والقرارات والتعيينات اليومية”.
وكان وزير المالية في الحكومة المؤقتة محمد أبازيد، قد صرح في وقت سابق لقناة الجزيرة إن الحكومة لا تملك عصا سحرية لحل مشكلات سورية الاقتصادية، وبأنها ستشطب أسماء 300 ألف موظف، وكشف أن الزيادة المزعومة في الرواتب ستشمل العاملين الذين تتناسب مؤهلاتهم مع الوظيفة، بينما سيظل الآخرون على نفس الراتب. وأن الحكومة بصدد إعادة هيكلة الوظيفة من أجل معالجة الترهل في المؤسسات الحكومية. وهذه التصريحات التي أثارت مخاوف جديدة لدى شريحة الموظفين الذين لم تطاولهم عمليات الإقصاء حتى الآن.
وأظهر في حديث لاحق عن حالات كبيرة من الفساد في العمل الوظيفي طاولت تعيينات ومراكز استنزفت القطاع العام بتعيينات إسمية على خلفيات الوساطة والمحسوبيات، فقد كشفت الإحصاءات الأولية عن الآلاف من المسجلين في مؤسسات الدولة لقاء استجرار الرواتب دون عمل مقابل، وعن ازدواجية أو أكثر في التوظيف.
وعن هذا يقول الناشط السوري هاني عزام لـ”العربي الجديد”، إنه “ليس غريباً على سلطات النظام البائد تفشي الفساد الوظيفي في مؤسسات الدولة وفي التعيينات التي كان يخضع جزء منها لدرجات الولاء والقرب والمعرفة، ولا عن المكافآت لأسر الضحايا من الجيش والقوى الأمنية. ولكن هذا لا يبرر للحكومة المؤقتة عمليات الشطب العشوائي للموظفين دون تشكيل لجان مختصة لدراسة كل الحالات ودون وجود قضاء عادل يجيز لكل موظف حق الدفاع ومقاضاة الحكومة إن أخطأت، فهناك العشرات ممن طاولتهم قرارات الفصل لا يحق للحكومة المؤقتة فصلهم ولا يوجد بحقهم أي مخالفات تذكر والكثير منهم يعمل ويعيش من خلال هذا الراتب، فليس جميع المفصولين من مديريات الصحة والتموين في حلب وطرطوس ودرعا وغيرها من المحافظات، في تعداد الفاسدين أو من مخلفات هياكل النظام السابق”.
ويوضح عزام: “بالنتيجة إن معظم هؤلاء الموظفين وعلى اختلاف مشاربهم هم ضحايا للنظام، وعلى الحكومة المؤقتة ألا تعاقب النظام السابق من خلالهم”، متسائلاً: “ما هي التشريعات والقوانين التي اعتمدت عليها الحكومة المؤقتة في قرارات الشطب والفصل؟ ومن الجهة التي خولتها للاستفراد في هذه القرارات؟ أليس الأولى أن ينصب اهتمامها في حفظ الأمن والاستقرار والذي جزء منه سير عمل المؤسسات العامة؟”.
وكان عدد من موظفي وموظفات معمل الأحذية في السويداء قد نفذوا اعتصاماً يوم أمس في معمل الأحذية احتجاجاً على فصل 67 عاملة وعامل من المعمل، ثم التقوا مع الدكتور مصطفى بكور ممثل الإدارة السورية الجديدة في السويداء، والذي استمع لشكواهم ووعد برفع مطالبهم للقيادة في دمشق، واللافت أن من بين المفصولين العديد ممن قضى زمناً تجاوز العشر سنوات في المعمل وكذلك سيدة تعيش وأطفالها من راتبها بعدما قضى زوجها معتقل الرأي الناشط “صفوان راوند” أثناء التعذيب في سجن صيدنايا.
وتحدثت زوجة “راوند” لـ”العربي الجديد” عن مظلوميتها ومظلومية زملائها، قائلة إن قرار الفصل صدمهم خاصة أن معظمهم من الحالات التي إن فقدوا عملهم سيتعرضون لضائقة اقتصادية شديدة عدا عن تحملهم لسنوات طويلة ظروف العمل المجحفة والخطيرة. مضيفة: “لقد عانينا ظلم النظام المخلوع وتأملنا خيراً بعد رحيله لنصدم من البداية بظلم أشد فظاعة، فمعظمنا من الأرامل وزوجات وأبناء ضحايا حرب لم يكن لنا فيها لا ناقة ولا جمل إلا الهم السوري، فأنا مثلاً زوجة لشهيد قضى في معتقلات النظام دفاعاً عن السوريين والثورة ضد الأسد، فهل تكافئنا الحكومة الجديدة بفصلي من عملي وقطع رزق أطفاله؟”.
وتابعت: “هنالك من قطعت آلات قص الجلد أصابعهم، وهناك نساء تضررت أعينهم وهنالك من أصابهم السرطان من العمل في المعمل لإعالة أسرتهم فهل جزاؤهم الطرد من العمل بعد كل تلك التضحيات. وقالت لماذا تم الفصل دون دراسات؟ وهل ستقوم الحكومة بتأمين وظائف بديلة للمفصولين أم ستكتفي بإزاحة الهم عن عاتقها إلى كاهلهم؟ نريد جواباً واضحاً من الحكومة”.