هاني سليمان الحلبي*
العلم والتعلّم عنصرا معادلة رافقا الإنسان منذ بداياته الأولى على كوكب الأرض.
عينان تريان وأذنان تسمعان ودماغ يسجّل ويحفظ ويربط وينسّق كل وارد إليه، لتبدأ معرفتة التجريبية تتكوّن وتتراكم تجربة تجربة، معلومة معلومة ويوماً إثر يوم. وبالتقادم واتساع الكشف وتعمّق التحليل والمقارنة يُعيد فحص كل معلومة على ضوء التطور والتعمق ليتكوّن ما يمكن تسميته بالعلم، المعرفة المضبوطة بالفحص العقليّ.
وقدّم العقل كشفاً لا يُحدّ من المعرفة القيّمة ففتّح العقول، وأنار القلوب وفتح الدروب للنور وسنّ الشرائع حتى غدا “العقل شرعاً من داخل” (حديث شريف)، والعقل لبّ كل شريعة تستحق الحياة والاعتبار.
لكنّ العلم شأن كامن لا يقدّم نفسه، كما التراب لا يزرع ذاته، بل لا بدّ من جهد من خارجه يقدّمه متطوّع/ة عارف/ة وخبير/ة ومستعد/ة للتضحية والاستنارة والإنارة ليكشح ظلام النفوس والعقول والأفئدة فترقى وتسمو. فكان هذا المتطوّع/ة المعطاء/ة معلماً. ورأت البشرية الراقية أنه جنديّ النور والسمو فرغبت بتكريمه ليكون له يوم في العام يُسمّى عيد المعلم.
وفي كل دولة من بلادنا المشلّعة دولاً وساحة مستباحة لأشرار يفتكون بكل ما فينا من بذور الخير وقوى النور والسلام ونوازع الإيمان المحيي، حدّدت يوماً للمعلم. ففي لبنان يوم التاسع من آذار عيد للمعلم، بينما في سورية يصادف عيده يوم العشرين من آذار ويسمّونه عيد المعلم العربي، وكان أولى ببلد التنوع والتعدد أن يعتمد تسمية المعلم السوريّ ليشعر كل معلم سوري أنه عيده هو بالذات. وهكذا دواليك من تسميات في دول مجاورة.
وكانت الشعوب تكرّم كبار فلاسفتها بتسميتهم معلمين، كما سمّت اليونان أرسطو بالمعلم الأول، كما عادت وسمّت زينون الرواقي، السوري من قبرص الذي رفض أي جنسية أجنبية بديلاً عن جنسيته السورية، بالمعلم.
كذلك في فنون القتال الصيني والياباني يُدعى الخبير المتقدّم في التجربة والعلم والأداء بالمعلم. وعند المسلمين كان التلميذ يقيم عند معلمه يلازمه ويخدمه ليحصّل العلم وسلوك المعلم معاً، لأن العلم من دون سلوك المعلم تراكم معلومات فارغ من الروح. لكن الأمة العثمانية – التركية لاحقاً، احتقرت معلم الصبية وحوّلته شخصيّة مضحكة، ليسخر منه الناس، وأقفلت المدارس وكل دار للعلم، حيث استطاعت، لتحيل بين فعل العلم وقوة العقل وبين الدور القومي الاجتماعي للعلم والنور. فسادت عقليّة اجتماعيّة تعادي العلم وترفض المعرفة وتتمسّك بالتقليد ولو كان بائداً ومدمّراً، فقط لأنه معتاد عليه. وشرٌّ تعرفه خير من خير لا تعرفه. فقعدت العقول واستنقعت عن التجديد، وصدأت السواعد عن الحركة والمران والقوة.
للمعلم/ة المعطاء/ة في عيده/ا ألف تحيّة تقدير من إدارة منصة حرمون، راجين له/ا استحقاق كل تقدير وامتنان ما يبذله في سبيل التنوير والسمو في عقول الناشئة وقلوبها.
*ناشر منصة حرمون عضو اتحاب كتاب لبنان وعضو محرري الصحافة اللبنانية.