بدأت فكرة الربط الكهربائي العربي منذ عام 2001، وتوجت بإطلاق جامعة الدول العربية رسمياً في ديسمبر/كانون الأول 2024 “السوق العربية المشتركة للكهرباء” خلال الدورة الخامسة عشرة للمجلس الوزاري العربي للكهرباء، بالقاهرة، والتي يتوقع إن اكتملت توفير نحو 196 مليار دولار للدول المشاركة، إلا أن هناك في الوقت ذاته عقبات تعترض تحقيق الربط الكهربائي في الموعد المحدد.
وتؤكد مصادر بجامعة الدولة العربية لـ “العربي الجديد” أن الجامعة العربية كانت تتوقع اكتمال الربط الكهربائي العربي عام 2030، لكن تم التمديد إلى 2038 بحد أقصى، بسبب عقبات تتعلق بمشاريع الربط وتضارب أسعار الكهرباء في الدول المختلفة، حيث لا تزال دول عربية بينها مصر تدعم أسعار الكهرباء.
وأشارت إلى أنه جارٍ حالياً الربط الكهربائي في بعض الدول العربية ويتوقع أن يكتمل خلال سنوات، ليكون سوقاً عربية مشتركة متكاملة للكهرباء، حيث وقع عدد كبير من الدول العربية على هذه الاتفاقية. ووافق مجلس الوزراء المصري يوم 26 فبراير/شباط الماضي على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن توقيع “الاتفاقية العامة لإنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء”، و”اتفاقية السوق العربية المشتركة للكهرباء”، وذلك ضمن رؤية تكامل الربط الكهربائي العربي، لتمهيد الطريق أمام إقامة سوق عربية مُشتركة للكهرباء.
وجاءت هذه الخطوة عقب توقيع مذكرة تفاهم، وقعت عليها حتى الآن 16 دولة عربية، في إبريل/نيسان 2017 دخلت بموجبها السوق العربية المشتركة للكهرباء حيز التنفيذ. وقال السفير كمال حسن علي الأمين العام المساعد للجامعة للشؤون الاقتصادية السابق، إن السوق العربية المشتركة للكهرباء تمثل أهمية كبيرة لتحقيق تكامل اقتصادي عربي، ضمن أهداف الجامعة العربية بشأن تحقيق التكامل والتعاون الاقتصادي بين دولها.
وأوضح أن السوق العربية المشتركة للكهرباء تستهدف تسهيل تجارة الطاقة إقليمياً وتحسين أمن الطاقة للدول العربية، فضلاً عن تحقيق فوائد اقتصادية ومالية مشتركة عبر ربط شبكات الطاقة الوطنية وإنشاء سوق إقليمية رسمية للكهرباء. وتستهدف خطط إنشاء سوق عربية موحدة للكهرباء، ربط أنظمة الطاقة في 22 دولة عربية عضو بالجامعة العربية، وبدأ التنسيق بينها هذا العام 2025 فعلياً.
ويوجد حالياً ربط كهربائي بين دول الخليج، وآخر بين دول المغرب العربي، وكذلك مشروع ربط بين كل من مصر والأردن والعراق وسورية، إضافة إلى مشروع بين مصر والسعودية، وآخر للربط بين مصر والسودان، وكلها تشكل قاعدة مهمة للانطلاق نحو السوق العربية المشتركة للكهرباء.
مزايا مالية
تتيح سوق الكهرباء العربية المشتركة فرصة اقتصادية للبلدان المشاركة من خلال توفير مليارات الدولارات من حيث التكلفة وإمكانات الاستثمار، وقد أشارت إلى هذا دراسة أجراها “البنك الدولي” في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أكدت أن تجارة الكهرباء الإقليمية من شأنها أن تقلص الحاجة إلى استثمارات جديدة لتوليد الطاقة، وتخفض تكاليف النظام، وتحسن موارد الطاقة عبر الحدود.
وقد أكدت دراسة البنك الدولي أن الربط الإقليمي للشبكات، مع تحرير أسعار الغاز، سيخفض التكاليف بما يصل إلى 196 مليار دولار، أي بنسبة 13% مقارنة بسيناريو آخر لا يتضمن تجارة الكهرباء. وقدرت أن التكامل الإقليمي سيخفض التكاليف بما لا يقل عن 107 مليارات دولار عبر توفير الوقود وتحسين قدرة الإنتاج، والوفورات الناتجة عن زيادة مشروعات النقل عبر الحدود من خلال استثمارات بقيمة 7.5 مليارات دولار فقط، تصل إلى 35 مليار دولار من التكاليف، ما يعني أن إنفاق دولار واحد على توسيع الشبكة الإقليمية سيحقق وفورات بقيمة 4.7 دولارات تقريباً.
ووجدت دراسة البنك الدولي أن تجارة الكهرباء الإقليمية قادرة على التخلص من الحاجة إلى نحو 63 جيجاوات من قدرات التوليد الجديدة بحلول عام 2035، ما سيسمح للحكومات بتأجيل الاستثمارات المكلفة في محطات الطاقة الإضافية أو تجنبها كلياً، وعوضاً عن ذلك ستوجه الموارد نحو تحديث البنية التحتية وتوسيع كفاءة الشبكة. وشارك البنك الدولي في إعداد “الاتفاقية العامة لإنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء”، و”اتفاقية السوق العربية المشتركة للكهرباء”، التي بدأت الدول العربية توقيعها لبدء مرحلة جديدة في عمل السوق العربية المشتركة.
ويحدد البرنامج الزمني الشامل الذي تتبناه الجامعة العربية، لتصميم هذه السوق وتوسيع اختصاصها، عدداً من المراحل تنتهي في عام 2038 للوصول إلى شبكة كهرباء عربية ذات ربط كهربائي قوي وفعال.
وتؤكد نشرة “انتربريز” الاقتصادية 5 مارس الجاري أن إنشاء سوق إقليمية للكهرباء، ستوفر مليارات الدولارات، عبر خفض التكلفة الإجمالية للكهرباء في جميع أنحاء المنطقة العربية، ومن ثم تحل مشكلة مالية إقليمية هي الضغوط المالية المتزايدة والتحديات هيكلية في قطاع الطاقة، حيث اعتاد كثير من البلاد العربية، خاصة مصر، على دعم الكهرباء، ما أدى إلى إرهاق الموازنة العامة وعرقلة إمكانات الاستثمارات الجديدة.
وتقدم مبادرة السوق العربية المشتركة للكهرباء مساراً بديلاً لأزمات بعض الدول وميزانياتها، “يتمثل في استغلال تجارة الكهرباء بوصفها وسيلة لتحسين كفاءة الشبكة وجذب الاستثمارات الخاصة وضمان أمن الطاقة”، ما يتوقع معه توفر التكاليف.
عقبات أمام السوق العربية المشتركة للكهرباء
في الوقت ذاته، أشارت النشرة الاقتصادية إلى عدة عقبات على طريق الاندماج الكامل لشبكات السوق العربية المشتركة للكهرباء، أبرزها أن السعة الحالية للربط، تشير إلى أنه لا يجري تداول سوى 2% فقط من الكهرباء المنتجة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالياً. وهو تناقض صارخ مع المكاسب المحتملة على مستوى الوفورات والكفاءة التي تستطيع مبادرة الربط أن تجلبها. وما زال عديد من الحواجز الهيكلية والتنظيمية والمالية يقيد حجم التجارة ويبطئ التقدم.
والعقبة الثانية، هي وجود نماذج تسعير غير تنافسية تعيق التجارة، حيث يمثل عدم وجود إطار موحد للتسعير أحد أكبر العوائق أمام توسيع تجارة الكهرباء. حيث لا تزال دول عربية عدة، من ضمنها مصر، تدعم إنتاج الكهرباء بشكل كبير، ما يشوه أسعار السوق التي تجعل تجارة الكهرباء الإقليمية غير مجدية مالياً، ونتيجة لذلك، تكون معظم عمليات تبادل الكهرباء عبر الحدود في المنطقة تجارةً عينية، أي يجري تبادل الكهرباء مقابل الكهرباء وليس نقداً، وبشكل رئيسي في حالات الطوارئ.
ومن أجل حل هذه المشكلة، ستحتاج الدول العربية إلى التخلص التدريجي من الدعم المحلي للوقود واعتماد نموذج تسعير تجاري لتجارة الكهرباء، بحسب البنك الدولي.