داني حداد
نودّع عاماً مثقلاً بالأحداث، كأنّه مئة عام. مئة عامٍ من الصدمات، لا من العزلة، كما عنوان رواية الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. عامٌ لا مجال لجردةٍ سريعةٍ لأحداثه، بل سيكون ما فيه تمهيداً لما سيأتي بعده، في العام الآتي والذي سيليه، وما بعد بعده.
نبحث في أيّام السنة وأحداثها لنخرج، كتقليدٍ، باسمٍ نطوّبه “شخصيّة العام ٢٠٢٤”. كثرة الأحداث تُبرز كثرةً في الشخصيّات أيضاً. حجم الغائبين، هذا العام، بأهميّة البارزين. السيّد حسن نصرالله أصدق مثال. أمّا الشخصيّة الحاضرة، عاماً بعد آخر، بل التي تزداد حضوراً كلّما ازداد المراهنون على تراجعها وندرة تأثيرها، فهي رئيس مجلس النواب نبيه بري.
يستحقّ بري أن يكون شخصيّة العام ٢٠٢٤، لا انطلاقاً من موقعه كرئيس مجلس، وهو لم يستخدم مطرقته هذا العام إلا في ما ندر، ولم يرأس جلسة انتخاب رئيس طيلة العام المزدحم بالحروب والأزمات، بل انطلاقاً من موقعه السياسي الذي امتصّ عبره الكثير من الصدمات التي تعرّض لها الوطن، وخصوصاً، الطائفة الشيعيّة.
لم يكن يسيراً على نبيه بري أن يشهد على دمار الجنوب، من جديد. وليس يسيراً أبداً العثور على من يبنيه، من جديد. وفي العام ٢٠٢٤، فَقَدَ شريكه في قيادة الطائفة فقادها وحده، أخاً أكبر، وكان، كما في محطّاتٍ سابقة، نافذة الشيعة على الغرب، بعد أن أقفل حزب الله الأبواب طيلة أعوام.
منذ سنوات، يُطرح السؤال نفسه، ولو خفراً في الكواليس: ماذا بعد نبيه بري؟ كثيرٌ من السائلين باتوا في دنيا الحقّ. السيّد نصرالله، الذي كان الوارث الشعبي والسياسي الطبيعي، ينتظر مناصروه تحديد موعدٍ لتشييعه. بشار الأسد الذي انقطعت علاقته ببري منذ قرابة العقدين، يقيم في مكانٍ مجهولٍ في موسكو حيث الحرارة اليوم صفر. ويملك بري، من بين ما يملك من مفاتيح، مفتاح الرئاسة صانعاً نفسه كممرٍّ إلزاميّ للمجهول الذي سيقيم في بعبدا، ليلة التاسع من كانون الثاني، أو بعدها بأسابيع، والله أعلم.
في هذا العام أيضاً، أثبت نبيه بري أنّه يقبض لا فقط على مطرقة المجلس، منذ أكثر من ٣٢ عاماً، بل أيضاً على ميزان الجمهوريّة، يقيس فيه المواقف والأفعال، فيعطي لكلّ مرحلة ما تحتاج من كلامٍ وقرار.
فمهما باتت الرؤوس حاميةً، يدرك بري، بفعل الخبرة والحنكة، أنّه لو سُحبت السيوف وعلا الصراخ.
(موقع mtv)