أعلن مصرف ليبيا المركزي عزمه على تفعيل آلية مراجعة مستقلة للعمليات التجارية بالدولار، في أعقاب تحذيرات متكررة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) تهدد بتعليق التعاملات المالية إذا لم يتم الامتثال للمعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في خطوة تهدف إلى تعزيز الشفافية وضمان استمرار التعاملات بالدولار مع نيويورك.
ووفقاً لرسالة رسمية صادرة عن المصرف بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، تمت مخاطبة رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، للحصول على موافقته على هذه الآلية الجديدة، وتشمل العملية مراجعة بيانات الموردين والمستوردين، التي تُنشر شهرياً على الموقع الإلكتروني للمصرف، بهدف تعزيز الامتثال للمعايير الدولية.
وأوضح مصرف ليبيا المركزي أن ديوان المحاسبة، استناداً إلى المادة 25 من قانون المصارف، هو الجهة المسؤولة عن مراجعة حساباته، كما أشار إلى أن شركة “ديلويت” قد أجرت تدقيقاً لحسابات المصرف في كل من طرابلس وبنغازي في وقت سابق، بناءً على موافقة الديوان، وفي هذا الصدد، أكد خبراء ضرورة نشر تفاصيل العقد وآليات المراجعة لضمان الشفافية، خاصة أن تقارير سابقة أعدتها “ديلويت” لم تُنشر للجمهور، وشددوا على أن الإسراع بتنفيذ الآلية يمكن أن يساعد في تجنب تداعيات مالية خطيرة.
حول هذا الموضوع، أوضح المستشار الاقتصادي السابق لدى مصرف ليبيا المركزي محمد أبوسنينة لـ”العربي الجديد” أن التنبيه الذي وجهه البنك المركزي الأميركي إلى المركزي الليبي بشأن مراجعة معاملاته بالدولار تتبعه المؤسسات المالية الدولية عندما تستشعر مخاطر مالية في تعاملاتها مع بنوك أو مؤسسات أخرى.
وأشار أبوسنينة إلى أن طلب البنك الاحتياطي الفيدرالي إشراك طرف ثالث في مراجعة العمليات المالية مع المصرف المركزي يعكس تعقيد المخاطر التي يواجهها البنك الفيدرالي في السيطرة على المعاملات مع القطاع المصرفي الليبي. كما أضاف أن المؤسسات المالية الدولية تعتمد على مؤسسات تتمتع بنظم إدارة مخاطر قوية عند التعامل مع مؤسسات ذات مخاطر عالية.
كما أكد خطورة هذا الوضع، محذراً من أن التهاون في التعامل معه سيؤثر سلباً في استقرار الاقتصاد الليبي وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، بما في ذلك تحصيل إيرادات النفط المقومة بالدولار، وشدد على ضرورة وضع استراتيجية شاملة تضمن استدامة التعاملات المالية الدولية، مع التركيز على تعزيز نظم إدارة المخاطر والالتزام بالمعايير الدولية.
بدوره، المحلل الاقتصادي محمد الشيباني انتقد الإجراء، معتبراً إياه تأكيداً للتبعية الخارجية. وأشار إلى أن ليبيا تمتلك عدة جهات رقابية محلية، بما في ذلك وحدة مكافحة غسل الأموال، ما يجعل الحاجة لشركة أجنبية غير مبررة، كما حذر من تداعيات محتملة على سعر الصرف بالسوق الموازية، وأوضح لـ”العربي الجديد” أن الدولة الليبية تمتلك خمسة أجهزة للمراقبة والمحاسبة تتتبع الأمور المالية، إضافة إلى وجود وحدة لمكافحة غسل الأموال، التي تتابع تدفقات الأموال، وأكد أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تبعات غير جيدة على سعر الصرف في السوق الموازية.
أما المحلل علي الرقيعي فأيد الخطوة، مشدداً على ضرورة التصدي للفساد في الاعتمادات المستندية والحوالات السريعة، مع مراقبة الطلب المتزايد على العملة الصعبة، ودعا إلى وضع ضوابط صارمة لضمان عدم تهريب العملة إلى الخارج. كما دعا الرقيعي إلى ضرورة التوازن بين الامتثال للمعايير الدولية والحفاظ على السيادة الوطنية، مؤكداً أهمية الشفافية في تفاصيل العقد وآليات المراجعة المقترحة، بخاصة أن تقرير شركة “ديلويت” الذي تم إعداده في السنوات السابقة بقي حبيس الأدراج المكتبية ولم يُنشر حتى الآن.
من جهة أخرى، أعرب المحلل المالي عبد الحكيم عامر غيث عن مخاوفه من الأبعاد السياسية للخطوة، مشيراً إلى أن إنشاء شركة جديدة قد يخفي أجندات تتجاوز محاربة الفساد، وربما تكون مرتبطة بالتوازنات الإقليمية والدولية، مثل النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا.