توفيق حنيش
لسنا هنا بصدد أن نتحدث عن بنك الراجحي بلغة المحلل المالي أو محلل الأعمال أو منتجات ومميزات بنك الراجحي لأننا لسنا في الموقع الذي يمكننا من الحديث عن هذا العملاق الذي يفوق طاقتنا وقدراتنا ، ولكن سنخوض الموضوع من وجهة نظر المستفيد العادي الذي يشكل له هذا المصرف براند أو أيقونة تتعلغل في تفاصيل حياته وحياة عائلته وجده وابنه ومستقبلا حفيده .
هذا العملاق حقق في النصف الأول من هذا العام صافي أرباح تناهز عشرة مليارات ونصف المليار ريال سعودي ، وهو أكبر بنك إسلامي في العالم .
تتوفر لهذا البنك كل العوامل على الاطلاق لكي يكون مصرفا بهذا الحجم والتأثير على حياة المواطن والدولة والبلد ككل، يتوفر قانون حفظ حقوق المودعين وحفظ حقوق البنك في التمويل بكافة أنواعه فلا خوف على المودع ولا خوف على البنك ، تتوفر بنية تحتية هائلة تقنية ولوجستية وجغرافية وأمنية وشمول مالي وتحول رقمي حقيقي وغير ذلك لا يحصى ولا يعد.
وبسبب هذا التكامل وهذا الاستقرار والثقة بالقوانين صعد هذا الجبار من البذرة الأولى التي يعرفها معظمنا ويعرفون قصتها وقصة سليمان الراجحي الى ما هو عليه الآن ولا يحتاج شرح.
تعالوا معنا الى النموذج الآخر ( الكريمي ) في اليمن بفرعيه التمويل الأصغر والبنك الإسلامي .
عندما كنت في زيارة للأستاذ يوسف الكريمي في مكتبه خرج يودعني وعلى يميننا متحف صغير من الزجاج بداخله سرفر صغير قديم جدا وبعض ملحقاته ومواصفاته لا تساوي مواصفات جهاز محمول من الجيل الرابع ، قال لي الأستاذ يوسف وهو يشير الى السرفر الموجود داخل المتحف مثل الأسد المحنط ( بهذا بد أنا في عام ١٩٩٠ أو قبلها بقليل وبدأنا بإمكانيات لا تذكر وبعزيمة وإصرار وصلنا الى ما نحن عليه.
اليوم يمثل بنك الكريمي بفرعيه لليمنيين أيقونة ورمزا مثلما يمثله الراجحي للمواطن والمقيم في السعودية بغض النظر عن تفاصيل حجم الأصول والأرباح والتقدم التقني وغير ذلك من المقارنات، لكن لو سألت كل مواطن يمني ( لو كان لديك أموال كثيرة وتريد حفظها في بنك موثوق فأين ستحفظها ؟ سيقول لك في الكريمي! وإذا جاءك أحد من الخارج وسألك أين ألاقي مصرفا يوجد له فرع في كل مدينة وناحية ومديرية؟ ستجيبه الكريمي!
هذا العملاق وصل الى هذا الوضع في بيئة معاكسة تماما للبيئة التي توفرت للراجحي على مدى أكثر من ستين عاما، بل إنه كبر في بيئة مضادة لكل عوامل البقاء والاستمرار، بيئة مصرفية تمسي فيها مسلما وتصبح كافرا، ومع ذلك يستمر هذا البنك على خطى الراجحي.
الاستنتاج هو أن إرادة اليمني أقوى من الفولاذ وصبره وإصراره على النجاح أقوى من إصرار الزلازل والرياح ، لذلك ينجح في التجارة والاستثمار وخوض السباق حتى وهو أعرج .
الاستنتاج أيضا، أكتب هذا وأنا قائم بأعمال مدير عام لبنك آخر وقد أسعى لمنافسة بنك الكريمي في كل ما استطيع أن أنافسه به ، لكني لا أجد ضيرا بأن أقول إن الكريمي هو أيقونتنا المصرفية وأتخذه مثالا لنحذو حذوه ونستفيد من دروسه وخبرته ولنا الفخر لو أصبحنا يوما ما مثله .
أخيرا شدني الى كتابة هذا المنشور كلمة أخي وزميلي عضو مجلس إدارة المقسم الوطني ( لا داعي لذكر اسمه ) وهو يخاطب الأستاذ علي الكريمي عضو مجلس الإدارة أيضا قائلا ( يا أستاذ علي ما في أحد يخلينا نبكر نشتغل من صباح الصبح إلا أنتم ! نخاف لو نتأخر عن الدوام يوما نجي نلاقيكم سبقتمونا سنة! هذه هي روح المنافسة الرائعة لأن كلام زميلي كان فيه تقدير عالي واعتراف بأحقية الكريمي أن يكون راجحي اليمن.
الى اللقاء