مأمون ملاعب
بعض الساسة في العالم ومجتمعاتنا يجري في عروقهم دم الشياطين، يتنفسون الخبث ويتفوّقون بالكذب والعهر ويتقنون الإحرام. الغريب عند أكثر الساسة هو استغباء البشر واعتبار الجميع من الحمقى خصوصاً الساسة في الغرب وتحديداً الولايات المتحدة. في لبنان والعالم العربي يتطاول بعض الساسة الصغار ويحاولون تقليد أولياء أمورهم في الغرب ويتشدّقون بكلام ممجوج سخيف كأنه ترجمة عربية بتصرف لما يُتلى عليهم أو يطلب منهم قوله فنسمعهم صبح ومساء يستنكرون الحرب الإيرانية ـ «الإسرائيلية» على أرض لبنان!
حقيقة نحن لا يعنينا ما يقولون لأننا نعرف إلى أيّ مدى هم مرتبطون أو بالأصحّ مربوطون إلى القوى الغربية واليهودية العالمية، لكننا معنيّون بالردّ تجاه الناس في الداخل أو الخارج. خصوصاً أننا نرفض اعتبار الناس حمقى.
متى كانت مسألة فلسطين قضيّة إيرانيّة؟ وهل فلسطين هي جزء من الوطن الإيراني؟ أو أنّ أهلها من الفرس؟ وهل يكفى ادّعاء أنّ حزب الله ذراع إيرانيّة ليتحوّل الصراع من «إسرائيلي» ـ عربي إلى «إسرائيلي» ـ إيراني؟
بالنسبة إلى مصر وعرب الخليج فهذه العبارة هي ترجمة لموقف سياسي اتخذ منذ زمن وهو الانسحاب من الصراع إلى حدّ التبرّؤ منه لكن الحقائق لا يمكن طمسها.
أما جهابذة الساسة في لبنان فلا بدّ من تذكيرهم ولن تنفع معهم الذكرى.
احتلت «إسرائيل» شريطاً من جنوب لبنان عام 1978 قبل أن يتأسّس حزب الله وقبل أن يكون لإيران أيّ دور في لبنان أو فلسطين ودون أن يكون لبنان في حالة مواجهة بل كان منكفئاً في الهدنة، وأوْجَدت ميليشيا أسمتها «جيش لبنان الجنوبي» ذراعاً أمنياً لها وحارساً للحدود، ولم يتذمّر الساسة الفطاحل من أذرع «إسرائيل» أو من احتلالها.
وفي عام 1982 احتلت «إسرائيل» جزءاً كبيراً من لبنان بما فيها العاصمة بيروت ولم يكن حزب الله موجوداً قبل ذلك، وخلال الاجتياح كانت القوات اللبنانية وأحزاب الانعزال ذراعاً «إسرائيلية» إلى حدّ المشاركة بمذبحة صبرا وشاتيلا ونحن لم ننسَ، إنما تخطينا على مضض في سبيل مصلحة لبنان ووحدته (الهشة) وآنذاك لم يكن من دور لإيران.
إذا برّر الخبثاء الاجتياح بأنّ المستهدَف هو المقاومة الفلسطينية فهم لا يستطيعون تبرير الوجود الفلسطيني على أرض لبنان ولا يمكن لأيّ منطق تحويل الضحية إلى مذنب والجاني إلى ضحية!
المسألة الفلسطينية نشأت عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى حين هيأت بريطانيا فلسطين للهجرات اليهودية، ومع بداية الثلاثينيات تحوّلت إلى صراع دموي لم يقتصر على أبناء فلسطين، وإنْ كانوا هم الأساس والنواة، إنما لم يكن لدينا دولة مركزية بل دويلات تحت الانتداب، صانع الأزمة، فكانت المقاومة من أبناء شعبنا طوعية وعفوية.
عز الدين القسام ليس فلسطينياً ولا سعيد العاص وحسين البنا. انهزمت دويلاتنا عام 1948 لأنها قامت لتُهزم ولو كان العكس لما قامت هكذا ولكان الانتداب استمرّ. هؤلاء الذين لا يريدون ربطاً بين لبنان وفلسطين والذين يهربون إلى الحياد والتبرّؤ من الصراع هم بالحقيقة متواطئون ضدّ لبنان حين ينكرون كلّ التعديات عليه وحين يقبلون ضمناً ببقاء اللاجئين الفلسطينيين على أرض لبنان بوضعهم الحالي.
الصراع في فلسطين وعليها هو صراع وجودي بيننا وبين اليهود على الأرض والهوية، على التاريخ ومن أجل المستقبل. هو صراع دفاعاً عن حقنا وحقيقتنا ضدّ باطل ناشئ عن وهم ضدّ استعمار وحشي طامع بخيراتنا.
في طبيعة الصراعات الطويلة تنتقل البندقية من يد إلى يد وربما من أيديولوجية سقطت إلى أخرى ولدت. الصراع يبقى الأساس وليس الأيديولوجيات، حماس الإسلامية إلى جانب الجهاد الإسلامية هما استمرار المقاومة الفلسطينية حين تراجعت فتح، وحزب الله هو استمرار للمقاومة الوطنية اللبنانية وقد ترافقا لفترة. اما إيران فقد كانت مملكة تسبح في البحر الأميركي وحين تحوّلت إلى ثورة إسلامية فقد أخذت موقع الضدّ للامبريالية العالمية ومنها دولة العدو وهي بعد ذلك كانت البديل الضروري للاتحاد السوفياتي في فترة الضعف الروسي.
حين وصل محمد مرسى الإخواني شريك حماس في الايديولوجيا إلى السلطة في مصر، لم يقم بفتح المعابر مع غزة ولم يلغِ كامب ديفيد ولم يطرد سفير دولة العدو، وحماس شريكة قطر وتركيا في الأيديولوجية وليست شريكة إيران، لكن الصراع في فلسطين تدعمه إيران وحدها من بين المذكورين فهل هذه قضيتها؟
حين نستمع إلى فيديوات تصدر عن منظمات يهودية نعرف أطماع العدو في لبنان ومن مراجعة لكيفية تعامله مع الفلسطينيين عبر السلطة الفلسطينية نتعرّف إلى صفات الخبث والكذب والطمع والوحشية، ومع ذلك فإنّ أعداء المقاومة لا يسمعون ولا يفقهون ونحن نربأ بالناس أن يكونوا حمقى إذا كان سياسيّوهم شياطين… (جريدة البناء)