أصدرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية البيان الآتي: “غيب الموت الصحافي والشاعر والاديب شوقي مجيد ابو شقرا المولود في مزرعة الشوف 1934. احترف الراحل الكبير الصحافة بدءاً من العام 1959 في جريدة ” الزمان”، ومنها انتقل إلى مجلة ” شعر” التي قادت حركة الحداثة في الشعر العربي من خلال رواد شقوا الطريق أمام أجيال شابة للخروج على التقليد، واطلقوا قصيدة النثر، والتمرد على أوزان الخليل، وكان ابو شقرا احد أركان هذه الكوكبة. ومن مجلة “شعر” إلى جريدة ” النهار”. وقد كتب بخط يده في الاستمارة الخاصة به في نقابة المحررين التي انتسب إليها في العام 1962: “أوجدت الصفحة الثقافية في جريدة النهار، ثم تتالت في الصحف اللبنانية قبل العربية”. واكب انتسابه إلى النقابة التي أحب حصوله على جائزة مجلة “شعر” عن ديوانه “ماء إلى حصان العائلة”.
لأبي شقرا ما يقارب الـ 16 ديوانا شعريا : الاول: ” ماء إلى حصان العائلة “1959، والأخير “انت والانملة تداعبان خصورهن”. دوّن سيرته الذاتية في كتاب شيق: ” شوقي ابو شقرا يتذكر”. إضافة إلى مخطوطات لم تدفع إلى الطبع. كان رحمه الله مدرسة ذات فرادة في الشعر والادب، وله مريدون من اللبنانيين والعرب، وكتبت عن نتاجه الثر عشرات الكتب، والاطروحات الجامعية، وذاع صيته شرقا وغربا كأحد اعمدة الحداثة في الشعر، رغم ذلك لم تستبد به نشوة، ولا نزع إلى تعال، بل ظل هو هو الرجل المتواضع، الوديع القلب، الوفي لقلمه، المحب لوطنه وعائلته”.
القصيفي
وقد نعى نقيب المحررين جوزف القصيفي الراحل الكبير فقال: نزل شوقي ابو شقرا عن برجه بعدما أسقط سنجابه، وغادر في ليل الظلمات الذي يلف لبنان بالدم والدخان، رافضا أن يراه مضرجا بالركام والنحيب. إنه شوقي ابو شقرا فارس الحداثة في الشعر العربي الذي أسس مدرسة الابداع، شكلا ومضمونا، فكان المعلم والهادي لاجيال تلمست فيه قامة ما زادها التواضع إلا تألقا وحضورا. شوقي ابو شقرا كان رائد الصحافة الثقافية في لبنان، وظلال ريادته لم ينحسر رغم ابتعاده عن عالمها بعد سنوات من رئاسته لقسم الثقافة في جريدة: ” النهار” الذي أطلق كتابا فتح أمامهم دروب الشهرة، واضاء على مواهب شابة نقلها من مرحلة التبرعم إلى مرحلة اكثر تقدما ونضجا، واقتدارا على العطاء السخي الموشى بالإبهار الذي يشي بالجديد الجديد، ويقود إلى فضاءات الابتكار. كتب شوقي ابو شقرا بماء الدهشة، وكانت قصائده جدولا رقراقا يلامس شغاف القلوب، وفتيت مسك يعطر المعاني بقوة المخيلة، وجمرا حارقا يعكس لهيب المعاناة، ويرتقي بالنفس الانسانية إلى ذرى ما تتوق إليه من سحر وجمال. هو ابن الشوف الذي غرف من طبيعته “نتعة” عنفوانية، وصفاء اللون، ونقاء السريرة. وهو ابن المدينة ” الكوزموبوليتية” التي اطل منها على آلافاق الرحاب. رفيق المحدثين النجوم الذين ثقبوا جدار التقليد، واسسوا لمدرسة التجديد، ونهلوا من روح التراث متجاوزين الشكل، فاثاروا إشكاليات لا تزال تلازم الصراع بين قديم الشعر وحديثه في الأدب العربي في مجلة شعر: ادونيس، يوسف الخال، جبرا ابراهيم جبرا، انسي الحاج وغيرهم من الاعلام الذين تقدموا الصفوف في حلبات المواجهة بين الجدد والقدماء. مطلا على الآداب العالمية ومذاهب الشعر متمكنا من لغة الضاد التي اتقنها في مدرسة “الحكمة” التي ظل على وفائه لها حتى النزع الاخير، وله فيها كنز من ذكريات وصداقات. تنقل شوقي ابو شقرا بين العديد من صحف زمانه ومجلاته، قبل أن يستقر به المقام في ” النهار” يمخر عبابها بيراعه الذي يشرق ويبرق ويرعد، ويقطر عندلة، ونشيجا، وفرحا داخليا يسمو بالقارئ المتابع إلى القمم العاليات. افتخرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية بانتسابه اليها، وهو من أعلامها البارزين، الذين تميزوا بالتواضع، والوقار، والتهذيب، والالتزام بآداب المهنة وفروضها. تقاعد ولم يقتعد، انسحب بملء ارادته وابتعد عن الأضواء منزوياً في شرنقة معاناته الصامتة يقاسم لبنان الذي أحب آلامه واحزانه، يصلي ويصلي لكي يتجاوز الجلجلة التي اثقلت عليه وطالت. إن نقابة محرري الصحافة اللبنانية التي تبكيه وجها من كرام وجوهها وبيرقا من بيارقها الخافقة، وقامة ارزية لا ينال منها تقادم الايام وجنون الاعاصير، تتقدم من عائلته بصادق العزاء، سائلة الله أن يتغمده بواسع رحمته. إن ذكره سيبقى مؤبدا، واسمه مثبتا في سفر الخلود. فلا انكفاء لحضوره، ولا غروب لشمسه.