عبدالباسط الشرفي*
أصبحت التكنولوجيا المالية في السنوات الأخيرة، محركًا رئيسيًا لتطوير الخدمات المصرفية وتعزيز الشمول المالي، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتُعد اليمن واحدة من الدول التي تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال، إذ تشير الدراسات إلى أن نسبة من لديهم حسابات بنكية لا تتجاوز 10% حتى نهاية 2019، وفقًا لمعهد الدراسات المصرفية التابع للبنك المركزي اليمني.. وقد تضاءلت هذه النسبة بسبب الوضع السياسي والاقتصادي المتأزم.
فهم إطار عمل التكنولوجيا المالية في اليمن
فهم إطار عمل التكنولوجيا المالية في اليمن اليوم يتطلب النظر في التحديات المتعددة التي تعيق نشر وتعزيز الشمول المالي في البلاد.
هذه التحديات تتوزع على عدة مستويات، تشمل الحكومة، القطاع المصرفي، المجتمع، والبنية التحتية.
فيما يتعلق بالتحديات الحكومية، يظهر غياب استراتيجية وطنية واضحة للشمول المالي.
هذه الاستراتيجية ينبغي أن تحدد الأهداف والرؤى وتنظم العلاقات بين مختلف الأطراف المعنية، مثل الجهات التنظيمية، مقدمي الخدمات، الجمهور، وغيرهم من أصحاب المصلحة.. بالإضافة إلى ذلك، تعاني اليمن من ضعف في البيئة التنظيمية التي من المفترض أن تدعم عملية المنافسة وحماية المستهلك.
كما أن عدم وجود مقسم وطني للخدمات المالية، وكذلك غياب أنظمة المقاصة الآنية الخاصة بالبنوك المركزية، يمثل عائقًا كبيرًا أمام تطوير النظام المالي.
أما بالنسبة للقطاع المصرفي، فإنه يواجه عدة تحديات، أبرزها ضعف القطاع بشكل عام، وعدم التركيز بشكل كافٍ على قطاع الأفراد.
يميل هذا القطاع إلى الاكتفاء بتقديم الخدمات التقليدية، وغالبًا ما يتم تقديم هذه الخدمات بشكل تقليدي دون تقديم أي خدمات مالية جديدة أو مبتكرة.
من بين المشاكل الأخرى التي تواجه القطاع ارتفاع تكلفة الخدمات المالية، وصعوبة الحصول عليها، بالإضافة إلى تركيز البنوك على تقديم خدماتها في المدن فقط، مما يترك المناطق الريفية، التي تضم النسبة الأكبر من السكان، خارج نطاق الخدمة.
تتعلق التحديات المجتمعية بثقافة المجتمع التي تميل إلى التعامل النقدي في المقام الأول، إلى جانب وجود اعتبارات دينية تتعلق بالنظام المصرفي التجاري.. كما أن مستويات الأمية العالية بشكل عام وضعف الثقافة المالية بشكل خاص تعيق نشر الشمول المالي. يُضاف إلى ذلك الاعتبارات الاجتماعية المحافظة التي تؤثر بشكل خاص على النساء وخصوصيتهن.
أخيرًا، تأتي التحديات المتعلقة بالبنية التحتية، حيث يعاني اليمن من ضعف في شبكة الاتصالات وخدمات الإنترنت، خاصة في المناطق النائية.
كما أن البنية التحتية الخاصة بالبنوك مثل شبكات الصرافات الآلية ونقاط البيع تعاني من ضعف واضح، مما يحد من قدرة النظام المالي على الوصول إلى جميع المواطنين بشكل فعال.
الحلول التي يُمكن للتكنولوجيا المالية إيجادها
تُقدم التكنولوجيا المالية حلولًا مبتكرة لمواجهة التحديات المذكورة أعلاه، وتعزيز الشمول المالي من خلال توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية لجميع المناطق بما فيها المناطق البعيدة والنائية عبر سهولة الوصول للخدمة دون الحاجة للحضور الفعلي لمقرات المؤسسات المالية، بالإضافة الى مساهمتها في تقليل تكاليف هذه الخدمات وجعلها في متناول الجميع.
لقد ساهمت التكنولوجيا المالية في تعزيز الحلول المالية عبر تقديم خدمات مالية جديدة ومبتكرة سواء في جانب المدفوعات أو القروض وكذا التأمين وغيرها من الخدمات، الأمر الذي ساهم في زيادة نسبة الشمول المالي بشكل كبير جداً
كما ساعدت التكنولوجيا المالية في تعزيز الجانب التشريعي للخدمات المالية وكذلك تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال سهولة توفير المعلومات المالية؛ الذي بدوره أعاد الثقة إلى القطاع المالي الرسمي.
نجاح تجربة “جوالي”
في منتصف عام 2022، أطلقت شركة “وي كاش” لخدمات وأنظمة الدفع الإلكتروني محفظة “جوالي” كخدمة دفع إلكتروني، حاملةً معها رؤية طموحة لتقديم حلول مالية مبتكرة تلبي احتياجات مختلف فئات المجتمع اليمني بتطوير نموذج عمل جديد مختلف عن بقية المحافظ الالكترونية الأخرى عبر الربط مع شبكات الحوالات الرئيسية من خلال توفير خدمة ارسال واستقبال حوالات الشبكات المحلية والتي تعتبر اللاعب الرئيسي في السوق في جانب الحوالات ، الامر الذي ساعد في تشجيع شريحة كبيرة من عملاء هذه الشبكات للاشتراك في خدمة جوالي كونها بيئة امنة لإرسال واستقبال الحوالات عبر تطبيق يخضع لأعلى معايير الأمان وبديلا مناسبا لهم عن الطرق المستخدمة عبر رسائل الوتس اب وبعض تطبيقات التواصل الاجتماعي. بالإضافة الى الاستفادة من الخدمات المتعددة التي تقدمها محفظة جوالي.
ورغم التحديات الكبيرة التي واجهتها، مثل قلة الوعي بالخدمات المالية الإلكترونية، وازدحام السوق بالمحافظ المنافسة، ومنافسة تطبيقات البنوك والمصارف التقليدية، وضعف البنية التحتية، وتدني مستوى الثقة لدى العملاء، إلا أن “جوالي” تمكنت من تحويل هذه التحديات إلى فرص نجاح؛ حيث كانت محفظة جوالي هي المحفظة الأولى التي تقدم خدمة الاشتراك في المحفظة عن بعد، وأول محفظة تقدم خدمات العملاء عبر الخط المجاني 24 ساعة في اليوم في جميع أيام الأسبوع, وأول محفظة تقدم خطا مجانيا مخصصا للمرأة لتعزيز خصوصية المرأة في المجتمع اليمني المحافظ، كما أنها المحفظة الأولى في تقديم خدمات ارسال واستلام حوالات الشبكات المحلية عبر تطبيق جوالي.
استثمرت “وي كاش” في بناء بنية تحتية قوية تعتمد على أحدث التقنيات، مع التركيز على توفير تجربة مستخدم متميزة. كما عملت على إقامة شراكات استراتيجية مع مختلف المؤسسات المالية وغيرها من الأنشطة التجارية، مما ساهم في توسيع نطاق خدماتها وزيادة موثوقيتها لدى العملاء؛ حيث قامت الشركة بالتوقيع مع اغلب البنوك العاملة في اليمن لتقديم خدمة جوالي كوكيل رئيسي للخدمة بالإضافة الى العديد من مؤسسات التمويل الأصغر بالإضافة للانظمام الى عضوية شبكة اليمن للتمويل الأصغر.. وكذا الربط مع معظم التطبيقات الخدمية ومواقع التجارة الالكترونية المحلية والمؤسسات الخيرية عبر توفير تجربة دفع سهلة وآمنة لطرفي العملية.
كما ان جوالي اول محفظة قامت بالربط مع المقسم الوطني والذي يتيح للعملاء امكانية التحويل بين حساباتهم البنكية وإلى المحافظ الأخرى.
خلال أقل من عامين، تجاوز عدد مشتركي محفظة “جوالي” حاجز المليون مستخدم، لتصبح بذلك المحفظة الإلكترونية الأولى التي تصل الى هذا الانجاز في فترة قياسية كما انها تعتبر المحفظة الاولى التي قدمت خدمات التحويل اللحظي عبر أكبر ثلاث شبكات تحويل في اليمن واضافة باقي شبكات التحويل العاملة في اليمن.. كما وسعت المحفظة شبكة وكلائها لتشمل أكثر من 3,000 وكيل، واكثر من 18000 نقطة بيع مما سهل وصول خدماتها إلى مختلف المناطق والشرائح الاجتماعية.
وقدمت “جوالي” خدمات مالية مبتكرة تلبي الاحتياجات المتزايدة للمستخدمين، معززة بتكنولوجيا متقدمة وسهلة الاستخدام ، وتمكنت “جوالي” من جذب أكثر من مليون مشترك في أقل من عامين.
لم يقتصر تأثير “جوالي” على الجانب المالي فقط، بل امتد ليشمل نشر الوعي الرقمي وتعزيز الثقافة المالية في المجتمع اليمني. من خلال تبني برامج توعوية وجهود في التثقيف المالي، وعقد شراكات مع قطاع التعليم والجامعات، ورعاية عدد من الفعاليات مثل المعارض والمؤتمرات والاحتفالات الطلابية.
ساهم “جوالي” في تحسين فهم الناس لأهمية الخدمات المالية الإلكترونية وزيادة الثقة فيها فهذه الجهود حفزت استخدام الخدمات المالية الإلكترونية بشكل أوسع، مما كان له أثر إيجابي على تطوير القطاع المصرفي اليمني ودعم التنمية الاقتصادية المستدامة في البلاد.
ماذا عن وصول الخدمات المالية الالكترونية للنساء؟
نتيجة للتركيبة المحافظة للمجتمع اليمني، تعزف الكثير من النساء عن الدخول في أي خدمات مالية تطلب منها معلوماتها الشخصية وصورتها الشخصية، ونتيجة لذلك وسعيا منا لتمكين المرأة من الحصول على الخدمات المالية المختلفة وبخصوصية عالية قامت محفظة جوالي بالعمل على توفير هذه الخصوصية عبر كادر نسائي متخصص ابتداء من فرق التسجيل الميداني الى الخط المجاني المخصص لخدمة العميلات (الجوهرة) وانتهاء بفرق العمل الداخلية في الشركة من وحدة امتثال ومالية وعمليات وغيرها.
تسعى “جوالي” إلى الاستمرار في تطوير خدماتها وتوسيع قاعدة مستخدميها، مع التركيز على تلبية احتياجات السوق المحلية وتعزيز الشمول المالي من خلال توفير حلول مالية مبتكرة وسهلة الوصول الى مختلف فئات المجتمع، من خلال هذة الجهود التي ترتكز على العميل بالدرجة الاولى تأمل “جوالي” في أن تساهم بشكل أكبر في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة. لأن المحور الذي تدور حوله هو العميل.
المدير التنفيذي WeCash*
موقع سيجاب التابع للبنك الدولي