عدّلت وكالة التصنيف الائتماني “موديز”، في تقريرها الأخير عن سلطنة عُمان، نظرتها المستقبلية للسلطنة من “مستقرة” إلى “إيجابية”، وهو ما يُعَدّ مؤشراً على التزام حكومة سلطنة عُمان استراتيجية إدارة الدين العام، ما أدى إلى تقليل مخاطر الديون الخارجية، وتعزيز قوة المركز المالي للدولة، وتحقيق نتائج إيجابية ومستويات مستقرة في الاحتياطيات الأجنبية.
ولفتت الوكالة العالمية، في تقرير صادر في 30 أغسطس/آب الماضي، إلى أن الإجراءات التي اتخذتها حكومة سلطنة عُمان عززت قدرتها على مواجهة الصدمات، مثل: تقلبات أسعار الطاقة، وارتفاع نسب الفائدة وغيرهما من المتغيرات.
لكن “موديز” نبهت في الوقت ذاته إلى عدد من المخاطر المالية والاقتصادية والنقدية التي تحيط بالتصنيف الائتماني لعمان، من بينها تذبذب أسعار النفط والغاز العالمية المتأثرة بآفاق النمو الاقتصادي العالمي التي يمكن أن تؤثر في قدرة السلطنة على تحسين مؤشراتها.
تحسن التصنيف والإنفاق والإيرادات
تعليقاً على هذا التحسن، يعزو الخبير الاقتصادي العماني، محمد الوردي، تعديل وكالة موديز نظرتها المستقبلية لتصنيف السلطنة الائتماني إلى عدة أسباب، أبرزها مواصلة السلطنة سياسة ضبط الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية، حسب إفادته لـ “العربي الجديد”.
ويوضح الوردي أن هذه السياسة أدت إلى استمرار تحقيق فوائض مالية في موازنة السلطنة، حيث سجلت موازنة الدولة في نهاية الربع الثاني من العام الجاري 2024 فائضاً مالياً قدره 391 مليون ريال عماني.
كذلك واصلت السلطنة خفض الدين العام، الذي بلغ ذروته في بداية عام 2022 بقيمة 21 مليار ريال عماني، مشكلاً نحو 67% من الناتج المحلي، بينما انخفض في نهاية النصف الأول من عام 2024 ليصل إلى 14.4 مليار ريال عماني، مشكلاً نحو 34% من الناتج المحلي، بحسب الوردي.
ويشير الخبير الاقتصادي العماني إلى أن الاحتياطيات الأجنبية للسلطنة، سواء لدى جهاز الاستثمار العماني أو البنك المركزي، تواصل نموها، مؤكداً أن هذا النمو يؤدي إلى تقليل أخطار الديون الخارجية ويعمل على حماية السلطنة من أي صدمات اقتصادية مستقبلية.
وفي ما يتعلق بتأثير هذا التحسن بالاستثمارات الأجنبية في السلطنة، يرى الوردي أن تحسن التصنيف الائتماني سيعزز الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد ويثبت نجاعة خططها الاقتصادية، مشيراً إلى أن هذه العوامل من شأنها أن تشكل عناصر مهمة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
ووفق المعطيات التي يقدمها الوردي، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السلطنة ارتفعت بالفعل منذ عام 2020 بنسبة 66% لتصل في بداية عام 2024 إلى حوالى 25 مليار ريال عماني.
ويخلص الوردي إلى أن تحسن التصنيف الائتماني للسلطنة سيؤدي إلى تقليل التكلفة المالية على الائتمان الخارجي والداخلي، ما يسهل تمويل ديون السلطنة والمشاريع التنموية والاستثمارية، سواء للشركات الحكومية أو الخاصة، ومن شأن ذلك أن يسهم حتماً في تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي وتعزيز التنويع الاقتصادي، وخلق المزيد من فرص العمل في السلطنة.
فوائض مالية
يؤكد الخبير الاقتصادي العماني، خلفان الطوقي، في تصريحات لـ “العربي الجديد”، أن نظرة موديز المستقبلية لسلطنة عمان تشهد تحولاً إيجابياً بسبب التحسن الملحوظ في الوضع المالي والاستثماري للبلاد.
فالسلطنة نجحت في تحقيق فوائض مالية وخفض مصاريفها، ملتزمة الاستشارات المقدمة من الوكالات الدولية والبنك الدولي منذ عام 2020، حسب الطوقي، مشيراً إلى أن وكالات التصنيف الائتماني الأخرى، مثل فيتش وستاندرد آند بورز، عدلت أيضاً نظرتها المستقبلية للسلطنة عدة مرات منذ ذلك الحين.
ويضيف الطوقي أن حكومة السلطنة حافظت، رغم التحديات العالمية، على استقرارها وواصلت تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، التي شملت عدة مسارات، منها تحقيق فوائض مالية، وزيادة الدخل من الأنشطة غير النفطية، وخفض المصاريف الحكومية.
وتضمنت خطة الإصلاح إعادة هيكلة العديد من الجهات الحكومية، وتقليص الهيكل التنظيمي، وإلغاء بعض الجهات ودمج أخرى، حسب الطوقي، الذي يشير إلى التزام السلطنة خطط الدين العام، حيث أنشأت وحدة مختصة لإدارته، تضمن عدم الاستدانة إلا لمبررات مقنعة وواقعية وإنتاجية.
وفي هذا الإطار، تجاوزت عمان توقعات خطة الإصلاح، حيث سددت بعض الديون قبل موعد استحقاقها، واستبدلت ديوناً أخرى بأخرى ذات فوائد أقل بعد تحسن تصنيفها الائتماني، ومن هذا المنطلق يرى الطوقي أن التحدي القادم للسلطنة يتمثل بالانتقال من النظرة الإيجابية إلى كونها جاذبة للاستثمارات.
ويلفت الطوقي إلى أن جاذبية الاستثمارات تعتمد بنسبة كبيرة على تقييمات الوكالات الدولية المعروفة، حيث تستند الشركات العالمية والصناديق الاستثمارية والأفراد إلى هذه التقييمات في قرارات نقل رؤوس الأموال.