بقلم حبيب شلوق
بدأت القصة عندما سافرت إلى البرازيل في أوائل آذار 1997 مواكباً البطريرك مار نصرالله بطرس صفير وبإصرار منه على مواكبته، وهناك بنيت صداقات مع عدد وافر من أبناء الجالية اللبنانية، وفتحت هذه الصداقات التي اعتز بها، الطريق أمام مزيد من الأسفار كانت ثانيها مواكبة رئيس الجمهورية الياس الهراوي في أيلول من العام نفسه، بعد تعهدّ العزيز جبران تويني أمام الأصدقاء في أكثر من ولاية لدى زيارته البرازيل بعد فترة ، بأن أواكب رئيس الجمهورية الياس الهراوي خلال زيارته الرسمية البرازيلية. وحمّلني غابي يومها مجموعة “ألبومات” صور تجمعه بأصدقائه في أكثر من ولاية. والمهم بعد هاتين الرحلتين كانت لي ست رحلات أخرى إحداها لتغطية مؤتمر الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم الذي عقد في سان باولو وانتخب الصديق المرحوم عيد الشدراوي رئيساً لها.
وفي عودة إلى رحلاتي إلى البرازيل (برازيليا، سان باولو، ريو دوجانيرو، فوز دو إيغواسو، فورتاليزا، ريو غراندي دل سول وعاصمتها بورتو الليغري ، ميناس جيرايس وعاصمتها بللو أوريزانتي، باهيا وعاصمتها السلفادور)،واثمرت هذه الرحلات مضاعفة زيارات المغتربين للبنان ثم أصبحت دورية. وقد تكون إحدى الزيارات المهمة زيارة عضو المجلس البلدي في سان باولو ميريام عطية وهي من بلدة سوق الغرب في قضاء عاليه، ومن مواليد سان باولو ولم تزر لبنان مرة، وقد التقيتها و أعضاء في المجلس البلدي مرات عدة، ومنحوني “درع سان باولو”باسم البلدية. ويذكر أن عدد سكان مدينة سان باولو كان آنذاك 7 ملايين نسمة (نحوضعفي عدد سكان لبنان)، وعدد سكان المدينة اليوم 10 ملايين وولاية سان باولو 25 مليوناً. ومن أبرز وجوه المدينة الحاكم السابق للولاية ابن زحلة باولو سليم معلوف، فضلاً عن مئات الأطباء والمهندسين والمحامين ورجال الأعمال والصناعيين والتجار، وبينهم حسيب عطية شقيق سليم جد ميريام وهو صحافي لبناني ذهب إلى سان باولو ووضع قاموساً عربي ــ بورتوغيزي، وبورتوغيزي ــ عربي.
وللعلم أن نحو 10 في المئة من نواب البرازيل من أصل لبناني و4 حكام ولايات من 27 لبنانيو الأصل(نحو 8 ملايين )
توافقت مع ميريام عطية ممثلة 7 ملايين برازيلي في سان باولو، على أن تزور لبنان واستقبلتها مع زوجتي يولا في المطار، ووضعنا لها برنامجاً موسعاً تعاونت مع الصديق جوزف شدياق على تنفيذه 18 ساعة من 24 كل يوم طوال ثلاثة أسابيع، وشمل البرنامج لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ولكن المحطات الأبرز كانت مسقطها سوق الغرب، وبكركي حيث زارت البطريرك صفير “فاتح خط البرازيل ــ لبنان” وقابلته وقبّلت يده وحضرت قداساً في بكركي راكعة في معظمه.
وفي سوق الغرب زرت وميريام كنيسة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس رعية عائلتها، وصعدنا معاً إلى القبة التي تطل على مناطق عدة من عاليه والشوف وبعبدا وبيروت وكم كانت دهشتها عظيمة عندما قرأت لها على جدرانها بالعربية مجموعة أسماء لمساهمين في بناء القبة ومنهم جدها سليم عطية.
كان مشهداً لا يوصف ركعت ميريام وصلّت وبكت… وردّدت بالعربية التي تعرف كلمات قليلة منها:”هيدا جدي … هيدا جدي”.
ومن سوق الغرب إلى السرايا الحكومية، حيث التقينا ميريام وأنا ، رئيس الحكومة في بداية عهد رئيس الجمهورية إميل لحود، الدكتور سليم الحص. وفي هذه الزيارة كان اللقاء ودياً وبشوشاً للغاية، وكان الرئيس الحص قمة في اللياقة ، وبدت ميريام في منتهى الشفافية و”الخوشبوشية”، وتحدثت مع الرئيس الحص بعربية مكسّرة و”من دون كفوف”، وقالت لــه: “هيدي أول مرة بجي عا لبنان، أنا من سوق الغرب… بتعرفا؟” وهز الحص رأسه إيجاباً ، وأضافت “جدي سليم ساهم في بناء كنيستها. وجيت عا لبنان كرمال سيدنا البطريرك صفير هوي قلّنا زوروا وطنكن. وانا زرته قبل يومين وقدّست عندو… إنه بطريرك مهم مش هيك عمي سليم”؟
وابتسم “عمها سليم” طويلاً وهي ابتسمت بعد استيعابها لما قالت واستدركت :”انت على اسم جدي…. حبّيتك عمي سليم”.
و”عمي سليم” كان يتمالك نفسه من الضحك ولما انتهى اللقاء، واكبنا بكل تواضع إلى الباب محملاً ميريام رسالة محبة إلى اللبنانيين في البرازيل وإلى البرازيليين، ولكن ميريام شاءت ونحن على الباب أن ترمي في نهاية زيارتها رسالة متفجرة وهي: “عمي سليم انت رئيس حكومة يعني بتقدر على كل شي ، ليش ما بتشيل السوريين من لبنان هودي قوة إحتلال؟ّ”
والسؤال وقع كالصاعقة على الحص الذي استهضم ميريام التي “حشرته”بسؤالها الأخير.
ولكن القصة مرّت على خير.
رحم الله الرئيس سليم الحص وأطال عمر ميريام عطية.