بفارق كبير عن منافسيه، ظفر عبد المجيد تبون بعهدة رئاسية ثانية رئيسا للجزائر إذ حصل على 94,65% من الأصوات، أي خمسة ملايين و320 ألف صوت من أصل خمسة ملايين و630 ألف صوت مسجل في عملية الاقتراع التي جرت السبت، وفق ما أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات مساء الأحد.
منذ توليه الحكم، سعى الرئيس المعاد انتخابه البالغ من العمر 78 عاما إلى تغيير صورته كأحد وجوه النظام إلى رئيس بوجه أبوي بالنسبة لكثيرين، لكن سجله في مجال الحريات يتعرض لانتقادات كثيرة.
مسؤوليات حكومية
تبون، وهو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، يصطحب في عدد كبير من تحركاته ونشاطاته قائد الأركان الفريق أول سعيد شنقريحة، ويعتبر أن الجيش الذي دعم سقوط نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة “هو العمود الفقري للدولة”.
ولد تبون في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1945 بمنطقة المشرية شبه الصحراوية، وسط غرب البلاد، من أب فقيه ومناضل سياسي من أجل الاستقلال، ما اضطره للهروب من مضايقات الشرطة الاستعمارية نحو سيدي بلعباس على بعد 200 كلم.
تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1965، وشغل منصب والٍ (محافظ) مرات عدّة خلال الثمانينات، وهو يعتمد في تسيير البلد أكثر على خبرته الطويلة في مختلف مراكز السلطة ومعرفته الجيدة بأجهزتها.
وشغل لفترة وجيزة منصب وزير منتدب للجماعات المحلية في عام 1991 في ظل رئاسة الشاذلي بن جديد، قبل أن يختفي عن الساحة السياسية.
تدبير مرحلة الحراك
يعد تبون أول رئيس جزائري من خارج صفوف جيش التحرير الوطني الذي قاد حرب الاستقلال ضد المستعمر الفرنسي (1954-1962). انتخب رئيسا للمرة الأولى في كانون الأول/ديسمبر 2019، في اقتراع سجل نسبة مقاطعة كبيرة ووسط الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام بعد أن نجح في إسقاط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
حاول تبون، استيعاب انتقادات المتظاهرين في التحركات المؤيدة للديموقراطية، مؤكدا أنه يسير على خطى “الحراك المبارك”، شاكرا الشعب على إنقاذ البلاد من الانهيار الذي كانت ستمثله ولاية خامسة لبوتفليقة الذي توفي في أيلول/سبتمبر 2021.
أصدر في بداية ولايته عفوا عن عشرات من سجناء الرأي. لكن حملة القمع تزايدت بعد ذلك فساهمت، مع جائحة كوفيد-19، في انحسار التجمعات والحراك اعتبارا من ربيع 2020. وانتهى الحراك مع سجن أبرز وجوهه.
بعد خمس سنوات على رأس البلاد، يصف مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف الجزائري حسني عبيدي حكم تبون بأنه “يعاني عجزا في الديموقراطية”، معتبرا أن هذا مؤشر ضعف للمستقبل.
واتهمت منظمة العفو الدولية مؤخرا السلطات بمواصلة “قمع حقوق الإنسان” التي تراجعت بشدة “من خلال حل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغلق وسائل الإعلام المستقلة”.
كما أدانت المنظمة غير الحكومية “الاعتقالات التعسفية” التي طالت نشطاء سياسيين، ما يدل على سلوك “نهج عدم التسامح نهائيا مع بروز آراء معارضة”.
“مركز للسلطة الحقيقية”
من دون التطرق إلى وضع حقوق الإنسان، ركز تبون على التحسن الاجتماعي والاقتصادي الذي حصل خلال حكمه ودوره في انتعاش “ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا” بعد “عقد من حكم العصابة”، في إشارة إلى بوتفليقة ومحيطه.
وبالاعتماد على المداخيل غير المتوقعة في الميزانية بسبب ارتفاع أسعار الغاز منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، وعد الرئيس المنتهية ولايته برفع الرواتب ومعاشات التقاعد ومنح البطالة، في مواجهة مطالب الطبقة الوسطى بتحسين قدرتها الشرائية.
لدى وصوله إلى السلطة، وصف متظاهرون جزائريون تبون بأنه “رئيس مزور جاء به العسكر”. لكن مع مرور السنوات استطاع أن يكسب قلوب كثيرين ويغير صورته.
حاول التقرب من الشعب. وعبر عن افتخاره خلال مقابلة نشرت في أواخر آذار/مارس بلقب يطلق عليه وهو “عمّي تبون”.
أكد أن علاقته بالشباب “علاقة أبوية”. لكن انتخابات السبت لم تعكس حضورا شبابيا واسعا أمام مراكز الاقتراع، على عكس المتقدمين الذين عبروا عن “ثقتهم فيه لتحسين وضع البلد”.
واعتبر عبيدي أن تبون سيتمكن خلال ولايته الثانية من “تجاوز ضعف المشاركة الشعبية لكن بشرط إعادة النظر في أسلوب حكمه والقيام بتغييرات في حكومته”.
ورأى أن “الرئاسة (في عهد تبون) تحولت من مؤسسة وهمية إلى مركز للسلطة الحقيقية”، بعد الاضطراب الذي أصابها منذ ان أصيب بوتفليقة بجلطة دماغية في 2013 أقعدته على كرسي متحرك وسببت له صعوبة في الكلام.
وتخلى الرئيس التاسع للجزائر، الأب لثلاثة أولاد وبنتين، عن التدخين بعد إصابته بفيروس كورونا في تشرين الأول/أكتوبر 2020 ونقله للعلاج في مستشفى بألمانيا.
فرانس24 / أ ف ب