القضيّة الفلسطينيّة
وقناة الميادين
حمزة البشتاوي
آب 2024
مع نهايات القرن العشرين واتساع رقعة التبادل المعلوماتيّ والتدفّق الحرّ للمعلومات، كان ظهور الفضائيّات إحدى أبرز الظواهر التكنولوجيّة التي شهدها العالم وساهمت في ظهور مجتمع إعلاميّ عالميّ. هذه الظاهرة وجدت انعكاساتٌ لها بشكل جليّ في المنطقة العربيّة، فمع وصول تقنيّة البث الفضائيّ للعالم العربيّ بداية عقد التسعينيّات من القرن العشرين، شكلت الفضائيّات العربيّة، وفي ظل ثورة الاتصالات الرقميّة التي شهدتها هذه الحقبة، وسيلة هامة لاستخدام وتناول المعلومات خارج نطاق الرقابة الحكوميّة المباشرة والتقليديّة، وليتجاوز هذا التناول كذلك الحدود القطريّة للدولة نحو تفاعل جماهيريّ حرّ ومباشر مع المعلومة غير مرتبط بجغرافيا سياسيّة ما، ليتحقق بذلك ارتفاع ملموس في مستوى المشاهدة الجماهيريّة للقنوات الإعلاميّة الفضائيّة المختلفة من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، كسرت أنماط العمل الإعلاميّ السابق الذي اتسم به الإعلام العربيّ عندما كان مقتصراً على الإعلام الحكوميّ. فإلى جانب التدفق الإعلاميّ الذي لا توقفه أي حواجز، أدّى البثّ التلفزيونيّ الفضائيّ إلى تغيير الممارسات الإعلاميّة وانتشار المعلومات في المنطقة على نحو غير قابل للتراجع أو النقض. وفي الواقع، فإن ظهور شبكات الاتصال التلفزيونيّة التي لا تتهيّب مناقشة التطورات السياسيّة الإقليميّة يسير ببطء، ولكنه يؤثر في المشهد الإعلاميّ العربيّ بكل تأكيد، فدخول الفضائيّات للمنطقة العربيّة وانطلاق البث التلفزيونيّ الفضائيّ بمضمون عربيّ، وبشكل معاصر، كانت له تأثيراته المختلفة التي طالت كافة الجوانب الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة للمجتمعات العربيّة، وباتت التغطية الإعلاميّة لهذه الفضائيّات مؤثراً حيويّاً في طريقة تفكير وحياة الأفراد والجماعات التي تشاهد هذه الفضائيّات لساعات عدة في اليوم الواحد، وأصبح الفرد أكثر اتصالاً وتأثّراً بالفضاء الإعلاميّ الرحب منه بالمحيط الاجتماعيّ المباشر، فقد أصبحت الخيارات المتوافرة للمشاهد العربيّ من فرط كثرتها وتعدّدها وتنوّعها تسبب له ارتباكاً تجعله في وضع غير مريح، واستحوذت على جزء كبير من وقته، وغيّرت أسلوب حياته وأثّرت على نظامه الاجتماعيّ وعلاقته الأسريّة بالمعنى الأوسع، وعلى ارتباطاته.
ومع تطوّر أسلوب عمل هذه الفضائيّات وجنوحها أكثر نحو التخصصيّة وتناول قضايا المنطقة بشكل أكثر شموليّة وعمق، بدأت الفضائيّات تلعب دوراً هاماً في تشكيل الوعي الجماعيّ والفرديّ، وباتت عمليّة تشكل الإدراك منوطة بأسلوب صناعة الرسالة الإعلاميّة الموجّهة للمجتمعات العربيّة. وأضحت الفضائيّات لاعباً هاماً ورئيسيّاً في عمليّة تحديد الأولويّات للمجتمعات العربيّة، ورسم السياسات للأجندات المختلفة وتحديداً الأجندات السياسيّة، وعليه لم يعُد الإعلام في عصر الفضائيّات مجرد وسيلة للترفيه والإعلان التجاريّ، بل أضحى ذا وظيفة أكثر عمقاً وتأثيراً وخطراً. فالإعلام يقوم بتشكيل الفهم والإدراك، لدرجة أن الإعلام في هذا العصر يجعلنا نفكر ونعالج الموضوعات والقضايا وفقاً لمنظور معيّن يتمّ وضعه بأسلوب أو بآخر من خلال صنّاع الرسالة الإعلاميّة، بل لا نغالي إذا قلنا إن الإعلام يحدّد الأولويّات في برنامج عمل المجتمع السياسيّ أو الأجندة السياسيّة في المجتمع، كما أنه يلعب دوراً هاماً في ترتيب البدائل من حيث الأهميّة وفي إعلاء قيمة بديل على حساب البدائل الأخرى.
ونجحت قناة الميادين منذ انطلاقتها بوضع قضيّة فلسطين كأولويّة أولى في عملها بأسلوب وشكل معاصرين وبهامش واسع من الحريّة والقدرة على التعبير عن الرأي وتناول وجهات النظر المختلفة مع الحفاظ على مركزيّة القضيّة الفلسطينيّة في الإعلام بدلاً من الذهاب نحو قضايا هامشيّة وخلافيّة في المنطقة.
أهميّة البحث:
تمسّ الحاجة لدور إعلاميّ مؤثر على صعيد القضيّة الفلسطينيّة يسلّط الضوء على الخطاب الفلسطينيّ، كما يبدو من مستوى الأداء والتعاطي الإعلاميّ الذي تمارسه قناة الميادين وتأثيره في دعم القضيّة الفلسطينيّة ونصرتها وفق الخطاب الذي تحمله القناة، وقدرتها على تلبية تلك الحاجة الوطنيّة والتحرريّة الفلسطينيّة.
منهجيّة البحث:
تم اعتماد المنهج الوصفيّ الذي يُعتبر من أنسب المناهج ملاءمة لهذا البحث، بتوصيف تفاصيل الحالة موضوع البحث في ما يعني علاقة قناة الميادين مع القضية الفلسطينية ودورها، ودقائق تلك العلاقة بما اطلع عليه الباحث من أبحاث مقالات وتحاليل منشورة ومصادر ومراجع متخصصة ومفيدة لبحثه.
وقرن المنهج الوصفيّ بمنهج تحليل المضمون لا سيّما أن هذا البحث يظهر تأثير الإعلام على القضيّة الفلسطينيّة، متخذاً من قناة الميادين نموذجاً، وبالاعتماد على مجموعة من المواد المنشورة، خاصة على موقع قناة الميادين، ورصد برامجها السياسيّة والحواريّة، وتحليل مضمون خطاب القناة الإعلاميّ والاستدلال على مضامينه المرتبطة بالقضيّة الفلسطينيّة.
إشكاليّة البحث:
مع عدم وجود دراسات سابقة مشابهة، فالمساحة الواسعة التي توفرها قناة الميادين للقضيّة الفلسطينيّة، تشكل صعوبة في تحديد مدى تأثيرها الحاصل على صعيد الشكل والمضمون في الواقع العربيّ والدوليّ، فما مدى تأثيرها على الرأي العام في الواقع العربيّ والدوليّ؟ ومدى تأثيرها الفعليّ على صنّاع القرار والرأي لرسم صورة حقيقيّة عن القضيّة الفلسطينيّة، كما تقدّمها القناة كمادة مرسلة تحظى باهتمام العدو والصديق؟ وإلى مدى نجحت قناة الميادين وفي تأدية رسالتها؟
الفصل الأول
الإعلام العربيّ بنظرة تاريخيّة:
ظهرت الصحافة في وقت مبكر من تاريخ البشريّة، كضرورة ملازمة لحياة كل مجتمع، باعتبارها أحد مظاهر التعبير عن الرأي ونشاط الفكر في إطار دورة حياة المجتمع وتفاعله. فقد اتفق معظم المؤرخين في تعريفهم للصحافة، على أنها: “فن تأريخ اللحظة”. ولا شك في أن الدور الذي تقوم به الصحافة يأخذ الشكل المؤثر للوعي الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ والروحيّ، بالإضافة إلى أنها الأوسع انتشاراً إلى جانب وسائل الإعلام الأخرى: مرئيّة ومسموعة. وكما عرفها البعض بأنها السلطة الرابعة أو صاحبة الجلالة… الخ.
أما على صعيد تعريف الإعلام بالمعنى الشموليّ للمصطلح: فهو كل ما له علاقة بإنتاج الخبر والمعلومات التي تخصّ المجتمعات البشريّة، سواء أكان ذلك عبر الصوت أم الصورة (مرئيّ ومسموع) أو عبر وكالات الأنباء ووسائل الاتصال الحديثة.
لقد أصبحت الصحافة إلى جانب الإعلام صرحاً حضاريّاً مهماً، وحقاً أساسيّاً من حقوق الإنسان. ورغم ذلك فما زالت تندرج ضمن التعريف التقليديّ. إلا أنّ ثمّة جهوداً وأفكاراً تعطي اليوم تعريفاً مغايراً يتفق ومفاهيم الحداثة والتطوّر السريع، الذي رافق المسيرة الإعلاميّة والصحافيّة، بحيث يتوافق تعريفها مع قفزات التقنيّة التي يشهدها اليوم الإعلام العربيّ، الذي أصبح فاعلاً ومؤثراً سياسيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً، دون الوصول إلى تعريف مشترك للإعلام العربيّ القديم والحديث.
القناة الفضائيّة كوسيلة إخباريّة:
ركّزت أغلب البحوث والدراسات في مجال الإعلام، ولا سيّما المرئيّ منه، على أهميّة الوسائل المرئيّة بشكل عام والفضائيّة بشكل خاص، كمصدر من مصادر الأخبار. نتيجة لاعتماد المتلقّين على هذه الوسيلة بالدرجة الأولى في تلقّي الأنباء خاصة في الأحداث الهامة والكبيرة.
وقد كشفت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأميركيّة أن أغلبيّة الجماهير من مواطني أميركا (نسبة 83 في المئة) تحرص على أن تستقي الأخبار من التلفزيون… في حين أن نسبة أقل من ذلك بكثير (42 في المئة) قالت إنها تستقي المعلومات من الصحف المطبوعة ونسبة 19 في المئة تستقي أخبارها من الراديو المسموع. بينما توجد نسبة 15 في المئة تتابع الأخبار من خلال الهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعيّ على شبكة الإنترنت ([1]).
وعلى ذلك يمكن القول إن الفضائيّات اليوم ما زالت في مقدّمة وسائل الاتصال الجماهيريّ ([2])، ومن أبرزها عربيّاً اليوم قناة الميادين بوصفها تسعى لأن تكون الأقوى والأقدر على نقل الأحداث والمعلومات لحظة وقوعها، والأكثر إقناعاً وتأثيرأ على المتلقين، لكونها جمعت كافة سمات التلفزيون الذي يتمتّع بخاصيّتي الصوت والصورة. إضافة إلى الفوريّة التي تقدّم المواد الإخباريّة في زمن ومكان حدوثها نفسه بصورة لا يمكن أن تصل إليها وسائل الإعلام الأخرى، كما تقدّم لنا المشاهد متكاملة للأحداث في صورة واقعيّة من داخل فلسطين وخارجها.
هذا علاوة على أن الفضائيّات بشكل عام أضافت إلى الصورة المرئيّة عناصر الحوار والمشاركة والتعمّق والتركيز على التفاصيل من قبل الجمهور ومن مختلف بقاع العالم. وهذه بالطبع ليست إلا بعض المزايا التي جعلت من القنوات الفضائيّة في مقدّمة وسائل الإعلام.
ولأهميّة الفضائيّات في تحقيق التواصل بين دول العالم سعت الدول إلى إقامة محطات فضائيّة خاصة ومتخصّصة. فباتت تمثل إحدى أهم دعائم السيادة الوطنيّة للدول واللسان الناطق باسمها بالإضافة إلى تمثيلها لشخصيّة الدولة وأداة من الأدوات القادرة على نقل التراث والحضارة، والتعبير عنها وطرح الآراء والأفكار، وانطلقت أيضاً محطات فضائيّة خاصة مستقلة، ومنها قناة الميادين.
والقناة الفضائيّة تُعدّ الأفضل من بين كل وسائل الاتصال الجماهيريّ بوصفها تجمع كل مقوّمات العمل الصحافيّ (المقروء والمسموع والمرئيّ) في قالب واحد يتمتع بالسرعة والشمول والمصداقيّة ومساحة الانتشار الكبيرة عبر الأقمار الاصطناعيّة وأعداد المشاهدين المتزايدة، فأخبار القناة الفضائيّة تتمتع بالفوريّة في نقل الخبر (تشاطرها في ذلك الإذاعة). فهي تنقل الأخبار بشكل فوريّ من أي مكان في العالم. بل وحتى من الفضاء الخارجيّ كما يحدث في حالة نقل الصور التي تلتقطها المركبات والمسابير الفضائيّة لبعض الكواكب أو الأقمار. وتنفرد في كل ذلك بالصورة التي تتمتّع بخاصيّة مخاطبة حاسة البصر وهي الحاسة التي يعتمد عليها الإنسان في حصوله على أغلب المعلومات التي يختزنها في ذاكرته طوال حياته. فالتعلّم بشكل عام يعتمد على حاسة البصر، وتعطى هذه الحاسة أهميّة في تعلم الخبرات واكتسابها تصل من 72-83% كنسبة في تعلّم واكتساب الخبرات والمهارات والمعارف ([3]). وينبع إيمان المختصّين والخبراء بهذا الأسلوب في تلقي المعلومات من اعتمادهم على الفرضيّة التي ترى “أن الفرد يدرك الأشياء التي يراها إدراكاً أفضل وأوضح مما لو قرأ أو سمع شخصاً يتحدّث عنها”. ولذلك ظهرت تسميات في هذا المجال مثل التعليم البصريّ، والتعليم السمعيّ. والتعليم البصريّ والسمعيّ. وتعتمد هذه التسمية على افتراض يقول بـ “أن الفرد يحصل على أكبر قدر من خبراته عن طريق حاستي السمع والبصر”.
واستفادت قناة الميادين في هذا المجال من أحدث التقنيات كي تلعب دوراً كبيراً على صعيد القضيّة الفلسطينيّة مع التركيز على المعاناة والحقوق الفلسطينيّة خاصة في ما يتعلق بالأحداث اليوميّة ومارست عملها كوسيلة إخباريّة لوضع العالم بأسره في أجواء القضيّة الفلسطينيّة وعدالتها ومعاناة الحروب والنكبة واللجوء.
انطلقت شبكة الميادين في الحادي عشر من حزيران من العام 2014 واتخذت من العاصمة اللبنانيّة بيروت مقراً لها، وظهرت كنموذج جديد للإعلام في العالم العربيّ، حيث مثّلت القناة صوتاً للقضيّة الفلسطينيّة مستخدمة أحدث تقنيّات البث والتغطية والإخراج والتحرير مع تقديم المواد الإخباريّة بأسلوب جديد ومعاصر شكلاً ومضموناً وتجاوزت المفهوم القُطريّ لتغطية الحدث الإخباريّ لتتخذ طابعاً أكثر شموليّة. وقامت بتناول القضيّة الفلسطينيّة بالتحليل والنقاش بشكل مفصّل وشموليّ وأصبحت مصدراً إخباريّاً هاماً لشعوب المنطقة والتي باتت تتابع القناة على اعتبار أنها عين المواطن العربيّ على الأحداث، بخاصة أن القناة لم تكتفِ بتغطية الأحداث فقط، بل تعدّى الأمر ذلك نحو أخذ هذه الأحداث بالتحليل والنقاش، وفتح الباب أمام النخب السياسيّة والثقافيّة لتعبّر عن آرائها ووجهات نظرها عبر سلسلة من البرامج الحواريّة المفتوحة وعلى الهواء مباشرة ونشرات الأخبار التي كانت تُبثّ على مدار الساعة ناقلة الحدث لحظة وقوعه. بهذا أصبحت “الميادين” نافذة إعلاميّة ومساحة للتعبير. وهذا دفع الحكومات والأنظمة السياسيّة لمتابعة القناة كما تفعل الشعوب.
وتبرز مكانة قناة الميادين من خلال الثقة الجماهيريّة وقوة المتابعة التي استطاعت أن تحققها قناةُ الميادين لنفسها، حيث لم تقتصر على عامة الجمهور فحسب، بل إن قادة الرأي والنخب السياسيّة والاجتماعيّة والأكاديميّة والثقافيّة، كانت شريحة حيويّة من حالة المتابعة.
ويُعتبر الأسلوب الذي انتهجته “الميادين” والذي حقّق لها مكانة مهمة على مستوى الجمهور ككل وقادة الرأي والنخب المختلفة، وذلك بفعل بيئة عمل آمنة توفّرها إدارة القناة للعمل بحريّة بعيداً عن أي قيود أو عراقيل قد تقف أمامها.
وعطفاً على ما سبق، فإن مكانة قناة الميادين من حيث مستوى المشاهدة الجماهيريّة الضخمة، وقدرتها على التأثير في الرأي العام وتوجيهه، أو حتى صناعته، وجذبها لقادة الرأي والنخب المختلفة، وتناولها للقضيّة الفلسطينيّة جعلها تقع ضمن تصنيف جديد للإعلام، تصنيف يختلف عن التصنيفات القديمة والكلاسيكيّة. فـ”الميادين” أتت في مرحلة يتّسم الإعلام فيها عالميّاً وتحديداً الفضائيّات بقدرات وسمات مختلفة على مستوى الأداء والأسلوب والشكل وطبيعة التأثير، وكانت “الميادين” القناة الأكثر تعبيراً عن القضيّة الفلسطينيّة بين الفضائيّات الأخرى في العالم العربيّ، وهو ما جعلها تحتلّ مكانة خاصة ومتقدّمة في حيّز المشاهدة الجماهيريّة الواسعة.
واستطاعت قناة الميادين أن تثبت وجودها وروايتها في مجال تسليط الضوء على القضيّة الفلسطينيّة وأن تشكّل قوة إعلاميّة في هذا الاتجاه، وحقّقت العديد من أهدافها التي سطّرتها فأحدثت نقلة في الإعلام العربيّ ومن بين أهم إنجازاتها يمكن ذكر ما يلي:
1- الارتقاء بالمستوى المهنيّ، خاصة في مجال نشرات الأخبار والتقارير والأحداث السياسيّة والفكريّة بشكل موضوعيّ ومتّزن وملتزم بثوابت قضيّة فلسطين والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينيّ في الصورة واللغة والمصطلحات.
2- استقطبت الجمهور العربيّ في القارات الخمس، لأن الجمهور العربيّ ميّال إلى متابعة الفضائيّات العربيّة بسبب اللغة والثقافة المشتركة، لذا فإنّ الخيارات المطروحة عربيّاً أمامه تتيح له مجالات الاختيار ترفيهيّاً وثقافيّاً وأيديولوجيّاً من قنواته العربيّة العديدة، ولكن “الميادين” ساهمت في توفير المعرفة للجمهور في عموم قضايا المنطقة، وهذا العامل أعانها على تكوين جسر بينها وبين المتلقّي، كما أنّها تنوّع في برامجها خاصة في ما يتعلق بالقضيّة الفلسطينيّة.
3- كسّرت الكثير من القيود بجرأتها وفرضت نفسها كمصدر للخبر من خلال تجربتها وأدائها، وأحدثت تغييراً مهماً في ما يتعلق مع القضيّة الفلسطينيّة وركّزت على وحدة الفكر من خلال تشابه الفكر والتراث والعادات، بين شعوب المنطقة وأفسحت المجال أمام الجماهير للإدلاء بآرائها.
4- لعبت دوراً في التأثير على اللغة من حيث طريقة استعمالها، ومن حيث تزويد الجمهور العربيّ بمصطلحات جديدة تدخل في القاموس الإعلاميّ والسياسيّ.
5- أوجدت نوعاً من المعرفة المتبادلة بين الدول والشعوب، وبواسطتها أمكن الإلمام بمعلومات أكثر ثراءً وغزارة عن الدول والشعوب من خلال الصورة الحيّة التي تنقلها، كما لعبت دوراً فعّالاً في نشر الوعي السياسيّ وتوعية النشء توعية ثقافيّة نحو حقوقه وواجباته.
6- تركت بصماتها الواضحة على نوعيّة المادة المعروضة، وعلى طريقة تقديمها، واستطاعت بذلك أن تمتلك لغة تعبيريّة خاصة بها، تشمل نوعيّة المادة وكيفيّة معالجتها وعناصر التجسيد الفنيّ المستخدم في تقديمها وحققت ذلك بسرعة، وتمكّنت من توطيد نفسها كأوسع وأهم وسيلة إعلاميّة للجمهور.
7- ساهمت في توفير معلومات عن القضيّة الفلسطينيّة وتاريخ الصراع مع الاحتلال.
8- ويلاحظ التزام قناة الميادين بالموضوعيّة، وهي من أهم شروط التغطية الإخباريّة الجيّدة وإحدى أهم القيم المهنيّة للعاملين في الصحافة الإخباريّة وتستخدم مفردة الموضوعيّة كثيراً في تعريف معنى الإعلام ومعنى الخبر، وعدّها البعض في المرتبة الثانية على قائمة أهم قضايا الإعلام في العالم بعد حريّة الصحافة. كما أنّها تمثل أحد أهم المعايير العالميّة في تصنيف وسائل الإعلام الجيّدة. والموضوعيّة التي عبّرت القناة عن التزامها بها وبالقضيّة الفلسطينيّة تتسم بالسعي من أجل أهداف عديدة منها فصل الرأي عن الحقيقة احتراماً لحق الجمهور في أن يعرف الحقائق ([4]).
9- طوّرت قناة الميادين المعالجة الخبريّة التلفزيونيّة وتوفير الإمكانيّات من تجهيزات تقنيّة حديثة ومراسلين جيّدين لدخول عالم المنافسة والاقتراب من الجمهور عبر اعتماد طرائق علميّة لتحديد الجمهور المتلقّي ولمعرفة درجة تفاعله مع المادة الإخباريّة المقدّمة.
مع العلم أن هناك صعوبة في أن تتحقّق الصفات الرئيسة للأخبار والتي من أبرزها الدقة والصدق والموضوعيّة بشكل مطلق، حيث لكل قناة تلفزيونيّة خطها السياسيّ وجمهورها المستهدف ومواقفها من القضايا المطروحة ويؤثر كل ذلك أيضاً على قرار بثّ الخبر من عدمه وعلى طريقة تناوله وعلى التفاصيل التي يجب التركيز عليها دون غيرها، وإن أي خبر تلفزيونيّ لا يمكن أن يجد له مكاناً ضمن أخبار النشرات التلفزيونيّة ما لم يحترم أبرز مقوّمات الخبر التلفزيونيّ وفي مقدّمتها الجِدّة والآنيّة والسرعة في بثّ الخبر. وهذه نقاط أثبتت قناة الميادين تميّزها بها، خاصة من خلال تغطية معركة طوفان الأقصى والحرب على غزة.
تحضر القضيّة الفلسطينيّة على شاشة قناة الميادين، التي تتميّز منذ انطلاقتها بالكثير من التغطيات والريادة في مجال تغطية الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة، من خلال الأخبار الموثوقة والرؤية الثقافيّة المستندة إلى الهدف والهوية وتعريف القناة لنفسها وشعارها “الواقع كما هو” وتلتزم به لنقل الحقيقة والرأي في عالم مأزوم.
وكانت قناة الميادين قد خرجت للضوء في لحظة سياسيّة حرجة في تاريخ المنطقة لتكون على سويّة التحدّي، مقدّمة إعلاماً جديداً ملتزماً بالقضايا الوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة، ضمن قالب من المهنيّة الصحافيّة الموضوعيّة المحترفة.
وبمشهديّة متقنة تنقل “الميادين” الواقع كما هو من الميدان، رغم كل الآلام والصعوبات والتحدّيات، وذلك انطلاقاً من التزام القناة بالقضيّة الفلسطينيّة فإنّها تبدع في تقديم إعلام جديد ملتزم بمهنيّة عالية، أساسه إضافة إلى الموضوعيّة، التوازن والتلاقي، في مساحة حوار وتفاعل يخدم الإنسان.
كما تميّزت قناة الميادين، خاصة على صعيد القضيّة الفلسطينيّة بصورتها الواقعيّة التي لا تحتمل الشك أو التزوير، واحتوت على باقة متنوّعة من البرامج الحواريّة السياسيّة والثقافيّة والفكريّة، بهدف مخاطبة العقل العربيّ بلغة العقل، ومدّ جسور الحوار والمعرفة، مستفيدة من تقنيّات الإعلام الحديث والبديل، لتشبيكه مع الإعلام المرئيّ، ليكون الخطاب ملائماً لجميع الأعمار والثقافات، وملتزماً ببوصلة وحيدة تشير إلى تحرير الأرض والإنسان.
وعملت قناة الميادين على إعادة إبراز القضيّة الفلسطينيّة، كأولويّة في القضايا العربيّة، بعيداً عن تقصير الإعلام العربيّ وتآمر الإعلام الغربيّ.
وعملت القناة على إعادة الاعتبار للقضيّة الفلسطينيّة، في البعد الإنسانيّ والوطنيّ والقوميّ والتاريخيّ، وتحمّلت بذلك مسؤوليّة توجيه البوصلة، إلى الطريق الصحيح، معتبرة القضيّة الفلسطينيّة هي البوصلة، التي يجب تسليط الضوء عليها في كل ما تنتجه، من مواد إعلاميّة على مستوى نقل الأحداث والبرامج والتقارير والتحقيقات، والأفلام الوثائقيّة.
وقد وقفت قناة الميادين على السكّة الصحيحة للمسار العربيّ السليم كي تلقي الضوء على الجزء المبتور من الحكاية، الجزء الإنسانيّ الأصدق الذي يقول إن لنا أرضاً محتلة، فلسطين لنا، والتاريخ يشهد أن “إسرائيل” متعطّشة دائماً للدماء، تتلذّذ بالتنكيل بالفلسطينيّين وتعذيبهم، لكن ليس هذا كل ما في الأمر، فهناك مَن يصبّ الزيت على الجرح الفلسطينيّ الذي يتّقد ناراً هو أن بعض “العرب” يذهب للتطبيع مع الكيان الصهيونيّ، ويفتح معابر تواصل بينه وبين الإسرائيليّ، يبنيها على جثامين آلاف الفلسطينيّين الذين يُقتلون كل يوم مرّتين. مرّة برصاصة يُطلقها إسرائيليّ من الأمام، والأخرى بخنجر يُسدّده بعضُ العرب من الخلف. لذا، فإن واجب الإعلام اليوم تسليط الضوء على القضيّة المركزيّة الجامعة، وإعادة توجيه البوصلة نحو الأرض التي أبت أن تستسلم رغم كل ما حولها ومَن حولها من خذلان وغفلة وتفكّك.
وعملت القناة كصوت لفلسطين بأسلوبها الذي يعتمد على دراسة الواقع والحقائق. وهذا يفترض استنهاض الطاقات الإعلاميّة والتركيز على نقل الوقائع والتفاصيل المتعلقة بما يتعرّض له الشعب الفلسطينيّ من عدوان صهيونيّ وحرب إبادة هي الأطول والأعنف والأشرس، في ما مضى من حروب، والتزمت القناة بشعارها إعلام الواقع، وحرصت على تقديم الصورة الكاملة والمعلومة الدقيقة، وعلى نقل الواقع كما هو، بلغة صحافيّة محترفة، تلتزم المهنيّة والتوازن وبرؤية إعلاميّة حديثة.
ولم تسمح القناة لنفسها بأن تكون إطاراً لأيّ تمييز عنصريّ وتفرقة عرقيّة وتقسيم دينيّ وتحريض طائفيّ ومذهبي لأن قناة الميادين “ترى في القضيّة الفلسطينيّة عنوان تحرّر وطنيّ، وحضورها مركزيّ في القناة، وتتعاطى مع الفلسطينيّين كشعب واحد، وككل متكامل في الداخل، بمن فيهم فلسطينيّو 48”.
وتعرّضت قناة الميادين منذ انطلاقتها إلى الكثير من الاعتداءات والمضايقات ومحاولات إسكات الصوت والاستهداف الماديّ والجسديّ لكونها صرخة وصوت فلسطين في الفضاء العربيّ والإقليميّ والدوليّ، وترفض أي هيمنة خارجيّة، وتؤيّد حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وخاصة الاحتلال الإسرائيليّ لفلسطين، بإعلام مهنيّ مسؤول ونزيه ينتصر بالضرورة للحق وأصحابه، ولذلك تمّ استهداف القناة بقرار أمنيّ وعسكريّ صادر عن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيليّ الذي اعتبر قناة الميادين تضرّ بـ(أمن “إسرائيل”) وأصدر مرسوماً بإغلاق مكاتبها ومصادرة معدّات البثّ الخاصة بها، وحظر عملها في داخل فلسطين المحتلة، كقناة ومواقع إلكترونيّة، ومنصّات بلغاتها العربيّة والإسبانيّة والإنكليزيّة، وقد اعتبر بعض الإسرائيليّين هذا القرار، إنجازاً على صعيد الأمن القوميّ الإسرائيليّ، وضربة معنويّة تستهدف صورة الحق والصمود الفلسطينيّ خاصة في قطاع غزة.
ولكنّ “الميادين” لم تتراجع وبقيت تعمل بشجاعة بغضّ النظر عن رسائل الترهيب والاستهداف المباشر باغتيال فرح عمر وربيع معماريّ في محاولة لإيقاف التغطية والتأثير على رسالة وأداء القناة التي لم تخَفْ يوماً، لأنَ خيارها هو أن تكون “الحاضنة” لفلسطين القضيّة؛ والمدافعة عن شعب فلسطين الكرامة، والعاشقة مقدّسات فلسطين المسيحيّة والإسلاميّة ولم تنافق يوماً، لأنّها مع الإنسان في كل مكان، وتدعم “مقاومة شعوب العالم ضد أيّ احتلال” وفي مقدّمها الشعب الفلسطينيّ المظلوم المُعتدى عليه في كل ثانية منذ أكثر من سبعة عقود بعد قيام كيان الاحتلال الغاصب على أرضه التاريخيّة.
واستمرّت “الميادين” تعمل بضميرٍ مهنيّ، وحرفيّة صحافيّة، كشبكةٍ إعلاميّة تنقلُ “الواقع كما هو”، بانتماءٍ وطنيّ وأفق أمميّ تنشد السلام الحقيقيّ لا المغشوش. تعانقُ التسامح الحضاريّ الجوهريّ لا الشكليّ، تعاند من أجل كفاح إعلاميّ ملتزم قاطع، لا لارتزاق وزيفٍ صحافيّ خانع. ولم تتراجع أبداً عن خياراتها في دعم الشعب الفلسطينيّ كله ومقاومة الشعب الفلسطينيّ كلّها.
وأثبتت “الميادين” أنّها ليست بناءً، ولا جُدراناً، ولا مكاتب، ولا كاميرات. إنّها في العُمق فكرةٌ، رؤية، ثقافة، خيارٌ، مشروعٌ إعلاميّ عربيّ أمميٌ إنسانيّ متكامل اسمّه “الميادين”.
ومن أبرز الردود التي أطلقت على الاعتداءات الإسرائيليّة قول رئيس مجلس إدارة القناة الأستاذ غسان بن جدو إن “زيتونتنا رمز فلسطين هذه، لن يقتلعها أحدٌ، حتى لو أسكتونا أو غيّبونا عن الحياة والميدان أو الفضاء، لأنها الأصل، ونحن الفرع، نحن “الميادين”، ثابتون، متجذْرون، اليوم، راسخون، باقون” ([5]).
وقبل “الميادين” وغيرها من الفضائيّات كان الفضاء الإعلاميّ العربيّ قد شهد لسنوات طويلة سيطرة مطلقة للأنظمة والحكومات العربيّة وإعلامها. فأحكمت هذه الأنظمة قبضتها على كل ما يُكتب ويُقال ويُبثّ من أخبار وبرامج سياسيّة، وقامت بتوجيهها لضمان استقرارها واستمرارها، وأصبحت الصحافة والتلفاز والمذياع العربيّ لا يخرج عن إطار النهج السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ لهذه الأنظمة والحكومات، فعاشت أجهزة الإعلام العربيّة سنوات من التهليل والتطبيل والدعاية الموجّهة لخدمة الأنظمة العربيّة وحكوماتها.
ووسط هذه السيطرة الرسميّة المطبقة على الإعلام العربيّ بدأت ظاهرة جديدة بالبروز في الفضاء الإعلاميّ العربيّ هي ظاهرة الفضائيّات العربيّة. فأثار انتشار هذه الظاهرة الكثير من التفاؤل بانكسار القيود الرسميّة المفروضة على الإعلام الرسميّ، وبتخفيف أو إنهاء قيود الخطاب الإعلاميّ الحكوميّ، وانفتاح العالم العربيّ على مختلف الآراء والتوجّهات السياسيّة والفكريّة والاجتماعيّة والدينيّة، وهي التوجّهات والآراء التي ظلّت محرّمة في الإعلام العربيّ الرسميّ.
وإذا كانت ظاهرة بروز الفضائيّات العربيّة ظاهرة عامة كبيرة، بدليل وجود العشرات بل المئات من الفضائيّات العربيّة المختلفة الشكل والمضمون والهدف، ومنها ما هو عام ومتخصّص سياسيّ وثقافيّ واقتصاديّ ورياضيّ ودينيّ وغيرها، إلا أن هذه الظاهرة تجسّدت بشكل كبير جداً في قناة الميادين والتي برزت بطرحها أمام المشاهد العربيّ بكل صراحة وجرأة ومصداقيّة.
وبعد مرور سنوات على إنشاء قناة “الميادين” وانطلاقتها، أصبحت حديث الملايين من المشاهدين العرب، خاصة أن معظمَهم مؤيّد لسياسة وتغطية وبرامج القناة. وهذا يدلّ على الحجم المتعاظم لشعبيّتها والحضور القويّ الذي باتت تتمتع به في الدول العربيّة كلّها وفي مختلف أنحاء العالم.
يُذكَر أيضاً أن عقد التسعينيّات من القرن العشرين قد شهد تطوّراً لافتاً في القنوات الفضائيّة العربيّة، حيث أسست وانطلقت العشرات من الفضائيّات المتنوّعة في الفضاء الإعلاميّ العربيّ، معظمها كان فضائيّات منوّعة تبثّ برامج إخباريّة واقتصاديّة وثقافيّة وترفيهيّة ورياضيّة وغيرها، كما ظهرت قنوات متخصّصة بالرياضة والاقتصاد والدين ([6])، أما التطوّر الأهم على صعيد القضيّة الفلسطينيّة كان انطلاق قناة الميادين الفضائيّة كقناة إخباريّة ملتزمة بقول الحقيقة كل الحقيقة المتعلّقة بقضيّة فلسطين.
وتُعَدّ “الميادين” اليوم شبكة متكاملة ومتنوّعة تقدّم الخدمات المتنوّعة منها الإخباريّ والوثائقيّ والبحثيّ، وفي مجالات عديدة مثل الأخبار والمواد الوثائقيّة والرياضة. وتقديم التحليلات السياسيّة والبرامج الحواريّة والفقرات الاقتصاديّة والرياضيّة وقراءات في الصحافة، وخدمة النقل المباشر للأحداث حول العالم من تظاهرات ومؤتمرات وندوات وخطابات وغيرها من الأحداث الهامة.
ولوحظ أن الميادين والقائمين عليها اهتمّوا منذ اللحظة الأولى لإنشائها بأن تكون قناة متميّزة في كل شيء، وحرصوا أن تكون على مستوًى عالٍ من المهنيّة والعمل، من خلال اختيار كفاءات إعلاميّة وفنيّة ماهرة وخبيرة، والحرص على تلقّي الملتحقين بالقناة على التدريبات المناسبة التي تؤهلهم للعمل في القناة.
بذلك ولدت قناة الميادين الفضائيّة وانطلقت في فضاء الإعلام العربيّ. ونجحت القناة خلال فترة قصيرة نسبيّاً من عمرها ومن تاريخ ولادتها ونشأتها في تحقيق إنجازات إعلاميّة لافتة عربيّاً وإقليمياً ودولياً، حيث نبعت هذه الإنجازات بالأساس من تغطيتها لعدد من الملفات والقضايا الشائكة والساخنة في المنطقة والعالم، إلا أن مكانتها ازدادت وتعزّزت من خلال تغطيتها للقضيّة الفلسطينيّة.
الفصل الثاني
إنّ التصنيف الجديد للإعلام يُقسم الفضائيّات العربيّة – ووسائل الإعلام عموماً – إلى ثلاثة أقسام هي:
1) فضائيّات خاضعة بشكل علنيّ ومطلق للسلطة الحاكمة، وتنطق بلسان حالها، وتعبّر عن وجهة نظرها، وتغفل وجهات النظر الأخرى، وتتجاوز في بثّها حدودها القطريّة تقنياً، ولكن في مضمون بثها تقتصر على تناول القضايا المتعلّقة بشؤون القطر الذي تنتمي له، وتعتبر ذات خطاب معلن وواضح الأهداف. وهي تعتمد بشكل جزئي وضئيل على العامل التجاريّ لتمويل نفسها، فيما تعتمد بشكل كبير على الدولة لتمويلها.
2) فضائيّات خاضعة بشكل ضمنيّ للسلطة، ولكنها أكثر مرونة واهتماماً في تناولها للقضايا العربيّة بشكل عام، فهي تتجاوز حدودها القطريّة في بثها وطبيعة المواد التي تتناولها، لكن دون المسّ بطبيعة العلاقات السياسيّة والمصلحيّة للسلطة التي تتبع لها، أو صورتها ودورها في المنطقة. فهي تتناول القضايا العربيّة العامة وغير الخلافيّة، وتتناول وجهات النظر الأخرى بشكل سطحيّ، فيما تركز على إنجازات النظام الحاكم أو الجهة التي تتبع لها، وتروّج لسياساتها بطريقة سلسة وغير فجّة([7]). وتعتمد هذه الفضائيّات على العامل التجاريّ لتمويل نفسها بشكل كبير، لكن في الوقت ذاته تعتمد على التمويل الحكوميّ أو الجهة السياسيّة التي تتبع لها.
3) فضائيّات تتجاوز القُطريّة في سياساتها وأهدافها وذات طابع شموليّ في تغطيتها، تتناول القضايا العربيّة بشكل مفصل ([8])، وتتبع أسلوب الشموليّة لطبيعة المواد التي تتناولها في التغطية، وهي فضائيّات ذات خطاب معلن الأهداف والرؤية، وتوفير بيئة عمل ملائمة وآمنة لإدارة نشاطها، فيما لا يشكل العامل التجاريّ سوى جزء ضئيل من تمويلها. من الأمثلة على هذه الفضائيّات: قناة الميادين.
إنّ التباين والاختلاف في أسلوب الفضائيّات وشكل تغطيتها وطبيعة علاقتها بالسلطة – وفقاً للتصنيف الجديد – لا شك في أنّه أعطى الرأي العام قوة كبيرة في الوقت الحالي، إذ أن تعدّد المنابر واختلاف أسلوب التغطية وفقاً لسياسات كل فضائيّة وأهدافها، أعطى فرصة أكبر للرأي العام بأن يعبّر عن نفسه ويؤثر في مسار الأحداث، فما لا يمكن أن يُقال عبر فضائيّة ما في بلد معين، يمكن أن يقوله معارض من خلال فضائيّة أخرى في بلد مختلف، ولكن قناة الميادين كانت أكثر فضائيّة حرصاً على الموضوعيّة وعدم الانزلاق إلى ما وصلت إليه بعض الفضائيّات التي أدّى أسلوبها إلى زيادة حدة الصراع والتنافس على كسب الرأي العام ومحاولة توجيهه عبر الوسيط بما يخدم مصالح وأجندات كل سلطة على حدا. لكن في المحصلة لا شك في أن الجمهور إلى حد ما يعتبر رهينة للفضائيّات بالرغم من قدرته على المفاضلة والاختيار بين الفضائيّات المختلفة التي يتابعها، إذ إن هذه المفاضلة والاختياريّة أعطت الفضائيّات التي استطاعت إقناع الجمهور وجذبه فرصة أكبر من غيرها لرسم التصوّرات التي تريدها في ذهن هذا الجمهور وتوجيهه بما يخدم خطابها وأهدافها، في الوقت الذي اعتبر فيه هذا الجمهور أنه يعبّر عن رأيه ويمارس قناعاته وتأثيره؛ وعليه نستنتج أن الشارع العربيّ قد واجه حتميّة الوسيط، إذ لم تكن الشعوب العربيّة مخيّرة في اختيار وسائط نقل المعلومة بل فرضت عليها، ومارست هذه الوسائط تأثيرها على الشعوب العربيّة لأقصى درجة في سبيل صناعة رأيها وتوجيهها. وهنا يمكن إدراك قوة قناة الميادين في صناعة الرأي العام بحكم أنها القناة الأكثر مشاهدة على المستوى الفلسطينيّ الشعبيّ ومستوى النخب في العالم العربيّ والأكثر تأثيراً على صعيد القضيّة الفلسطينيّة.
ونستنتج مما سبق أن معظم الفضائيّات العربيّة ليست مجالاً مفتوحاً وحراً كما يبدو ظاهرياً، بل هي وسائط نقل تخضع لشروط وقوانين. وهذه القوانين قد صيغت بما يتلاءم مع سمات المرحلة، وشغف الجمهور في الحصول على المعلومة، والتفاعل مع الأحداث والتأثير فيها، ولعل أكبر الأمثلة التي ينطبق عليها ذلك، هي الفضائيّات التي توفر الإمكانيّات الماليّة الهائلة التي تسهّل عملية إنشاء وتمويل فضائيّات معاصرة تستخدم أحدث تقنيّات البث وتستقطب صفوة الكادر الإعلاميّ المؤهل والكفوء، إلى جانب انفتاح هذه الدول على العالم ووجود عدد كبير من الجاليات العربيّة والأجنبيّة فيها. واختارت قناة الميادين بيروت مقرّاً لها دون أن تكون خاضعة للقيود والشروط التي تفرضها الدولة المستضيفة.
ولا تخضع الحريّة الممنوحة لقناة الميادين لسقف معين، يختلف من منطقة لأخرى حسب طبيعة السلطة السياسيّة الحاكمة وسياساتها، وهو ما يفسّر اختلاف مدى تغطيتها لشؤون القضيّة الفلسطينيّة والمنطقة العربيّة، ويفسّر كذلك السبب في اتباع أساليب مختلفة في التغطية التي تعمل على كسب الرأي العام وتوجيهه باحترام وتقدير.
وإذا كانت بعض الفضائيّات العربيّة تتسم بازدواجيّة العلاقة مع طرفين متناقضين، الجمهور من ناحية، والسلطة من ناحية أخرى، في سياق يعتبر فيه كل طرف بأنه صاحب الشرعيّة في العلاقة مع الوسيلة الإعلاميّة. فالفضائيّات يجب أن تعبّر عن طموحات وصوت الشعوب العربيّة التي تتّسم بعدم التصالح مع أنظمتها الحاكمة والشغفة بالتطورات المتلاحقة للأحداث السياسيّة في المنطقة وتحديداً القضيّة الفلسطينيّة. هذه الشعوب ساعية لإيصال صوتها في ظل ثورة المعلومات التي أحدثها التطوّر التكنولوجيّ.
وفي هذا المجال الذي باتت الفضائيّات تعمل على تشكيله يجب أن يُعطى الجمهور شعوراً بأنه يمتلك كافة المعلومات التي يريدها، وأنه يوصل صوته، ويؤثر بالأحداث ويشارك في صناعتها.
وعلى هذا النحو استطاعت قناة الميادين الجمع في علاقتها بين الجمهور والنخب السياسيّة والثقافيّة من خلال تشكيلها للرأي العام استناداً على قوة تأثيرها، إذ إن “وسائل الإعلام قوة مؤثرة سياسيّاً وتتركّز قوتها في قدرتها على تشكيل رؤيتنا للعالم الذي يُحيط بنا وفي تشكيل تفكيرنا عن هذا العالم، فوسائل الإعلام ذات تأثير هام في تشكيل الاتجاهات، بمعنى ماذا نحبّ؟ وماذا نكره؟ وماذا نعارض؟ ومن هنا كان اهتمام علماء الاتصال الجماهيريّ حول دور وسائل الإعلام في وضع برنامج العمل السياسيّ للمجتمع لأنها قادرة على جعل الناس تفكر في قضايا معيّنة أو مسائل معيّنة وبطريقة محدّدة.
صناعة قادة الرأي كوسيلة لصناعة الرأي العام:
إنّ عمليّة تكوين وصناعة الفضائيّات للرأي العام في سبيل ضمان استمراريّة علاقتها المزدوجة مع السلطة والجمهور، ما كانت تستطيع الفضائيّات تحقيقها لولا إدراكها أهميّة قادة الرأي في توجيه الجمهور وبناء التصوّرات لديه. فعلاقة الفضائيّات بالجمهور وقوة تأثيرها به ليست مباشرة بالمعنى المجرّد، بل هي بحاجة لوسيط يسهّل هذه العلاقة ويجعلها أكثر متانة وتأثيراً، وخير وسيط في هذه الحالة هم قادة الرأي، حيث إن لقادة الرأي في أي جمهور دوراً فعالاً في تأييد مضمون الرسالة الإعلاميّة أو رفضها أو محاربتها مثل قادة الأحزاب ووجهاء القرى ورجال السياسة المحليّين…([9])، فإذا كان هناك خلل في الدور الإعلاميّ للفضائيّة العربيّة فإنها تستطيع بواسطة الخبراء الإعلاميّين القائمين عليها أن تعمل على تكرار الرسالة الإعلاميّة مع تعديلات مناسبة لإقناع قادة الرأي ثم إقناع قادة الجمهور والجمهور نفسه من أجل تحريك مشاعر معيّنة أو قلب أخطار أو آراء معيّنة.
من هنا عملت الفضائيّات على إعطاء حيّز واسع لقادة الرأي بهدف تمتين محتوى الرسالة الإعلاميّة التي تودّ بثُّها في أذهان الجمهور، بل تطوّرت عمليّة تفاعل الفضائيّات مع قادة الرأي إلى حدٍّ باتت فيه الفضائيّات تُقيَّم من حيث قوتها وجودة أدائها بعدد قادة الرأي الذين يظهرون على شاشتها ومستواهم، وبات قادة الرأي هؤلاء يعبّرون عن صوت الرأي العام من داخل الوسيلة الإعلاميّة وعلى الملأ. مستوى التفاعل هذا بين الفضائيّات وقادة الرأي أعطى الفضائيّات قوة إضافيّة في سعيها لصناعة الرأي العام، إذ بات أيُّ تحرُّكٍ سياسيّ أو اجتماعيّ غير ذي قيمة وفاقداً للتأثير إن لم تقم الفضائيّات ووسائل الإعلام عموماً بتغطيته وإبراز الفاعلين فيه. وهو الأمر الذي أعطى الفضائيّات الفرصة لأن تصنع نجوماً وقادة رأي على حساب غيرهم، أو أن تقوّي طرفاً على حساب طرف آخر، وبالتالي صناعة الرأي العام، فهي تختار الأحداث التي تودُّ تغطيتها، وتختار مَن يعبّر عن الجماهير ويتحدّث بصوتها، وتحدّد الأشخاص للتعبير عن وجهات النظر المختلفة، وتُحدّد مَن يمكنه التحدّث في مجمل القضايا وفي أيّ وقت كان، ومن يتحدّث في قضيّة معينة وفي وقت معيّن، ومَن لا يمكنه التحدّث مطلقاً فيفقد تأثيره ([10]).
لذا أصبح قادة الرأي أكثر حاجة للفضائيّات لا العكس وفقاً لهذه الحقيقة، فقد زاد من قوة وسائل الإعلام أن السياسيّين قد وجدوا أنفسهم مُجبَرين على تشكيل وسائلهم وتصوّراتهم السياسيّة بما يتناسب ووسائل الإعلام المعاصرة، الأمر الذي كان له تأثيره في المدركات والتصوّرات الجماهيريّة وفي العمليّة السياسيّة ومن ثم لكل الفاعلين السياسيّين يوجد الآن شرط مسبق للدخول الناجح في العمل السياسيّ وصنع القرار السياسيّ وهو فهم كيف تعمل وسائل الإعلام وآليّة العلاقات العامة السياسيّة المتخصّصة.
في المحصّلة بات على قادة الرأي أن يتكيّفوا مع سياسات الفضائيّات بشكل أو بآخر لضمان مساحة للظهور على شاشاتها، وأصبح قادة الرأي على هذا النحو أدوات بيد الفضائيّات في عمليّة تشكيلها للرأي العام، فهي تمارس تأثيرها على قادة الرأي ومن ثم تصطفي مَن تريد منهم وفقاً لقربهم من سياساتها، وتحيّد أو تُضعف مَن يختلف معها، فتوصل رسالتها الإعلاميّة في نهاية المطاف بما يخدم عملية صناعة الرأي العام الذي تريده.
وإذا كان الحديث عن الإعلام ودوره في قضيّة القدس خصوصاً، والقضيّة الفلسطينيّة عموماً، فإننا نتحدّث عملياً عن المقولة السياسيّة الرسميّة، فلا يمكن للإعلام أن يسبق السياسة، ولا يمكن للإعلاميّ أو الوسيلة الإعلاميّة الرسميّة أن تقفز على السقوف السياسيّة أو تتجاوزها أو تناقضها.
- الإعلام الرسميّ: فالإعلام الرسميّ بكل أنواعه وأدواته ومصطلحاته، هو ترجمة أو تفسير أو تبرير أو تغطية أو شرعنة للخطاب السياسيّ، وبالتالي، إذا حصرنا كلامَنا على الإعلام الرسميّ العربيّ ودوره في التعبئة أو التحريض أو الردّ أو الفضح – كما يحلو للبعض أن يسمّيه – أو إنتاج مقولة إعلاميّة تشكل رداً حضارياً ومقاوماً، فإن أمام هذا الإعلام من المعوّقات ما يكفي، حتى يفشل في هذه المهمة تماماً، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن ثمّة استقطاباً حقيقيّاً في المواقف السياسيّة من القضيّة الفلسطينيّة، وهو ليس استقطاباً سياسيّاً فقط، ولكنه استقطابٌ أيديولوجيٌّ أيضاً. هذا الاستقطاب يؤدّي إلى مواقف متباينة ومتعارضة بل ومتخاصمة، الأمر الذي ينعكس سلباً على دور إعلاميّ منسّق وموحّد وذي رسالة واحدة. إن هذا الاستقطاب يخلق إعلاماً مضللاً وتضليليّاً وواهماً ومتوهّماً ومشوّهاً، لأن الرواية الإعلاميّة تقدّم بطريقة انتقائيّة جداً، الأمر الذي ينعكس ليس فقط في اللغة المستخدَمة وإنّما في تكوين الرؤية والرواية أيضاً.
ثانياً: الإعلام الرسميّ المرتبط أو الخادم عمليّاً للمقولة السياسيّة، يقع ضحيّة العلاقة المختلفة مع “إسرائيل” ذاتها، فنحن في عصر أو زمن تمايزت فيه العلاقة مع “إسرائيل”، فكيف للإعلام الرسميّ أن يتوحّد في الكلام عن مثل هذا النظام المقلق والمستفزّ، وما هي حدود التحريض، وما هي حدود الموقف السياسيّ، وما هي سقوف الاعتراض؟ فلا يمكن للإعلام العربيّ الرسميّ، أن يتفق حتى على الحد الأدنى، من الرواية الإعلاميّة الواحدة. في ما يتعلق بـ”إسرائيل”، يجب الاعتراف هنا أن اتفاقات السلام التي وقعت مع “إسرائيل”، حتى اللحظة، لم تستوفِ كامل شروطها، أي الانسحاب من الأرض المحتلة، وإنهاء الاحتلال تماماً، حتى يمكن لنا كعرب أن نتفق على لغة واحدة، تجاه هذا الكيان الذي يحتلّ أراضينا.
ثالثاً: لا يمكن للإعلام الرسميّ، أن يتّخذ مواقف سياسيّة محدّدة، هي غائبة أصلاً، بمعنى أنه لا يمكن للإعلام أن يخترع لغته بغياب الموقف السياسيّ الحقيقيّ. بصراحة أكثر، لا يمكن للإعلام الرسميّ أن يتخذ مواقف محدّدة من الصراع العربيّ الإسرائيليّ، دون أن يُسند بمواقف وخطاب سياسيّ واضح وجاد وحازم، وأعود إلى جملتي الأولى، فالإعلام الرسميّ لا يمكن له أن يقفز عن الخطاب السياسيّ، وإذا كان هذا الخطاب مفككاً ومتردّداً ومهزوماً، فإن الإعلام سيكون كذلك أيضاً.
رابعاً: يقع الإعلام الرسميّ في دائرة الاستهداف الدوليّ، من حيث خشيته من تهمة الدعوة إلى الإرهاب والأصوليّة والجمود وعدم الانفتاح وعدم الليبراليّة، إلى آخر هذه التهم الباطلة. والإعلام الرسميّ وقع تماماً في المصيدة، بحيث أخذ يدافع عن نفسه لينفي عنه هذه التهمة، وبدلاً من تحويل قضيّة الاحتلال وتهويد القدس قضيّة عالميّة، فإن نفي تهمة الإرهاب أصبحت هي القضيّة. وهذا، عادةً، تصرُّف الضعفاء، الذين يقعون دائماً في دائرة التبرير، بدلاً من إنتاج المقولة الذاتيّة، التي تمتلك من القوة والامتلاء، بحيث تدافع عن نفسِها بنفسِها، وبدلاً من أن نكون أصحاب الحق، تحوّلنا متهمين، لدرجة أن هناك مَن يريد أن “ينقّي” مناهجنا من بعض النصوص. لنتصوّر أن نطلب تفتيش مناهج التدريس في “إسرائيل” أو في بعض مدارس الولايات المتحدة؟ لنتصوّر ذلك وحسب!
و”إن القناة السابعة التي يمتلكها المستوطنون تبثّ عادة أشدّ مواد العنصريّة والتحريض، أما مناهج المستوطنات التعاونيّة الصهيونيّة “اليشيفوت” فحدّث ولا حرج! ولكن لا أحد يستطيع الكلام، وإن تكلم فلا يُسمع له. ولنتصوّر الصفاقة والوقاحة التي يتميّز بها بعض قادة “إسرائيل””([11])، الذين يطالبون بوقف التحريض ويعتبرون قناة الميادين خطراً كبيراً، في الوقت الذي يُطرَد فيه الناسُ من بيوتهم أو يُقتلون أو تُصادَر أراضيهم وتُشنّ حرب إبادة جماعيّة على قطاع غزة. وهذا ما يجب أن نحوّله قضيّة عالميّة، رغم كل الإمكانات، المسألة إعلاميّة، وسياسيّة أيضاً.
خامساً: الإعلام الرسميّ العربيّ له حساباته الداخليّة أيضاً، فهو حذر من أن تتحوّل هذه القضيّة لورقة داخليّة يستغلها الخصوم أو المعارضة أو القوى السياسيّة الداخليّة. وبالتالي فإن التوجّس والحذر والاستخدام النقيّ المطهّر للخطاب الإعلاميّ تجاه القدس والقضيّة الفلسطينيّة، يأخذ بعين الاعتبار تلك الحسابات، التي تُجيز هذا التناول أو هذه المعالجة الإعلاميّة التي يُسمّيها البعض بالضعيفة.
سادساً: فإن عالمنا العربيّ يعيش احتلالات مختلفة، منها ما هو مباشر تماماً، ومنها ما هو مقنّع، ومنها ما هو بالاستدعاء، للدلالة على عودة منطقتنا العربيّة إلى الهيمنة الأميركيّة – الصهيونيّة، وإشغالنا بالشأن المحليّ تماماً، فقراً وتخلّفاً وحروباً إثنيّة وطائفيّة، وبالتالي فإن الحديث عن القضيّة الفلسطينيّة، لن يكون بالضرورة شأناً أول أو قضيّة أولى. وإذا تجرّأنا على الحديث عن الاستلاب والتغريب، فإن القضيّة الفلسطينيّة تتحوّل قضيّة ثانويّة في الإعلام العربيّ. وليس من المستغرَب أن تكون دولة عربيّة كبيرة، لا تضع أخبار القضيّة الفلسطينيّة على صدر منابرها الأولى ولا الثانية، بل في التاسعة والعاشرة. وللدقة، فإن دولاً صغيرة وكبيرة تفعل ذلك، وهو عمل لا براءة فيه ولا سذاجة. المشكلة هنا، أن “إسرائيل” لا تحتلّ أرضنا فقط، ولا تهدّدنا فقط، ولكنها تهدّد الجميع بلا استثناء، والأدلة أقوى وأوضح من الإشارة إليها.
لهذه الأسباب الستة لا يمكن للإعلام العربيّ الرسميّ أن يجتمع على رواية واحدة أو معالجة واحدة لقضيّة القدس، أو القضيّة الفلسطينيّة بوجه عام. فهذا الإعلام يختلف في التسميات والمصطلحات والتوجّهات والأيديولوجيات والحسابات والرؤى والأهداف.
هذا هو حال الإعلام الرسميّ العربيّ، المعروف ماذا كانت نتائجه، وماذا حقق!!
- الإعلام التجاريّ العربيّ: أما بالنسبة للإعلام التجاريّ العربيّ، فهو إلى حدٍ كبير يتميّز بالمتعويّة والاستهلاكيّة والربحيّة، وليس من الخطأ القول إنه يحمل أيضاً خطاباً علمانيّاً حداثويّاً، وتيرته أسرع وأعمق من البنية العربيّة، اقتصاداً وثقافةً وعقيدةً. وليس من الخطأ القول إن هذا الإعلام التجاريّ يبدو لوهلة ما، وكأن لا علاقة له بالجمهور، الذي يتوجّه إليه، أو حتى المنطقة التي يتفاعل فيها. إن هذا الإعلام الذي كان نتيجة عمليّات العلْمنة والحداثة وخصخصة السوق وانفتاح الأنظمة وتخفيف قبضتها على الإعلام، لأسباب لا داعيَ لذكرها الآن، يتصرّف وكأنه يريد استغلال الفرصة التجاريّة أكثر من أي اهتمام آخر. فلم يستطع الإعلام التجاريّ إطلاقاً، أن يعبّر عن هموم شعوب العرب أو قلقها، أو المخاطر والتحدّيات التي تمرّ فيها. أكثر من ذلك، يبدو هذا الكلام وكأنه غائب أو مغيّب حتى في أكثر لحظات الأمة العربيّة والإسلاميّة توتراً، فمن العيب أن تتعرّض غزة للذبح والإبادة والتدمير، ثم نرى هذا الإعلام غارقاً إلى أذنيه في عالم الترفيه، الذي يبدو كاذباً تماماً، في مجتمع تتجاوز نسبة الأميّة فيه 60%. لم يُبْدِ هذا الإعلام اهتماماً بالقضيّة الفلسطينيّة إلى حدٍ كبير، وهو غير معنيّ بها، وهو أيضاً غير معنيّ بقضيّة البطالة أو الأميّة ولا أي شيء آخر، بل هو يوهم الجمهور أنه على اتصال بالعالم والحداثة والتقدّم، من خلال أكثر مظاهر تلك الأمور سطحيّة وتفاهة. ولستُ هنا ضد الترفيه، ولكن ضد أن يتحوّل هذا الترفيه بديلاً أو ذريعة أو واجهة أو تغريراً أو تضليلاً، وهو ما يحصل فعلاً للأسف.
- الإعلام المؤدلج: أما الإعلام في نوعه الثالث، فهو الإعلام المؤدلج، صاحب الرؤية والرواية التي تصدر عن قناعات وأنساق فكريّة كاملة متكاملة، فإنّ هذا النوع من الإعلام وإن كان منشغلاً بالقضيّة الفلسطينيّة ضمن انشغالات أخرى أيضاً، فإنّه إعلام سهل الاستهداف والعزل، من خلال اتهامه أو محاربته، أو حتى منعه من الانتشار. فتهم الإرهاب والتشدّد وعدم الواقعيّة والتحريض والعبث بأمن البلاد والعباد جاهزة، لمحاصرة هذا النوع من الإعلام، الذي قد يكون من الصواب أن نقول إنه يدّعي امتلاك الحقيقة النهائيّة، أو اختطافه للرؤية والأسلوب.
- الإعلام الخارجيّ باللغة العربيّة: وبالنسبة للإعلام في نوعه الرابع، فهو الإعلام الذي يُوَجَّه إلينا باللغة العربيّة، من قبل أعدائنا أو خصومنا أو الدول الطامعة، أو الطامحة، فحتى الصين تفتح علينا قنواتها، وهناك روسيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا، وليس أولاً ولا أخيراً “إسرائيل”. لنتأمّل معاً المعنى والهدف من كل هذه القنوات، التي تغسل أدمغتنا وأدمغة ناشئتنا، ما الذي تريده منّا هذه الدول ومِن بعدِها القنوات؟ وما هي الرواية الإعلاميّة الخاصة بفلسطين والقدس، التي يمكن لمثل هؤلاء أن يرسموها أمامنا؟! وهل سماؤنا فارغة من قنواتنا العربيّة والإسلاميّة حتى تمتلئ بمثل هذه القنوات؟ وماذا ستقول ألمانيا بشأن القدس وهي التي لا تتردّد في إقامة علاقات أمنيّة وتجاريّة مع “إسرائيل”، وهي أيضاً التي تريد أن تستثمر في بترول العرب ومعادنهم؟ وما الذي ستقوله فرنسا التي تدعم “إسرائيل” في كل المحافل الدوليّة؟ أليس هذا مدعاة للوقوف طويلاً أمام هذه الظاهرة؟
إنّ هذا الإعلام الخطير الذي يُوَجَّه إلينا، هو إعلام مدمّر بكل معنى الكلمة، فــ”إسرائيل” في هذا الإعلام ليست محتلة! ومثل هذا الإعلام يفعل فعل جيوش احتلال عسكريّة أو أكثر.
لهذا كله، لم نستطع أن نسوّق قضيتنا، ولم نستطع أن نُقنِع العالم حتى بدموعِنا، لأن العالم مصالح وليس مجرد محاججة عقليّة أو إعلاميّة. ولأن الإعلام العالميّ له أجندات تختلف عن أجنداتنا، ولأن مَن يملك ويموّل ويسيطر على الإعلام، لا يمكنه أن يقبل الإضاءة على قضايانا أو نصرتها ودعمها. ونعتقد بسذاجة أنه إذا شرحنا قضيتنا للعالم الغربيّ سيفهمنا! هذا فهم ساذج تماماً، فالغربيّ، له مصالح وأهداف ورؤيا، بالتأكيد سيتأثّر باستشهاد طفل أو نسف بيت، ولكنه في نهاية الأمر، يدعم “إسرائيل” لأنها تحقّق مصالحه. في الحروب هناك ضحايا، هكذا يقول الفكر الاستعماريّ الذي ذبح الملايين، ومن السذاجة الاعتقاد والقول إن الإعلام مهما كان فعّالاً سيؤثر على الجمهور، إلا إذا انتظرنا ألفَ سنة، أما العمل الحقيقيّ والصحيح، فهو الحديث إلى هذا العالم بلغة المصالح، عندئذٍ، سنرى، وبأقلّ من ثانية واحدة، أن إعلام العالم كله اختلف وأصبح يتحدّث عن معاناة الفلسطينيّين وضرورة إنهائها، وسيكتشف العالم فجأة أن “إسرائيل” عنصريّة.
يبقى القول إن ثمّة إعلاماً عربيّاً، يسيء بشكل ذكيّ وحرفيّ إلى قضايانا الكبرى، الوطنيّة والعقائديّة، بما يقوم به من مهمات، مثل أن:
أ- يقوم بتصوير وتقديم الصراع العربيّ الإسرائيليّ على أنه صراع وجهات نظر وحدود وليس صراع وجود.
ب- يسوّق الاحتلال الإسرائيليّ باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الواقع الذي يجب أن نتعايش معه.
جـ- يقدّم ويعمّم المصطلحات التي تكرّس المواقف، التي تدفع المتلقي العربيّ للقبول بالاحتلال، وبإدانة المقاومة، واعتبارها رجساً يلوّث حياتنا.
د- يُعرّض المقدّسات إلى النقاش السطحيّ، ويجعلها مبتذلة لوجهات النظر التي تتناولها باستخفاف ومجانيّة.
إن الإعلام العربيّ بحاجة إلى المزيد من التفكيك والنقاش والحفر حوله، لتبيان كلّ مكوّناته وتداعيات فعله.
والإعلام هو ترجمة حقيقيّة لموازين القوة والضعف، وإن الصحافيّ، وبالتالي روايته الصحافيّة تنبع من موقفه في العالم أيضاً.
وإن لغة الصحافيّ هي جزء من طموحه الشخصيّ والجمعيّ، وهنا لا تكفي الحقيقة ولا الموضوعيّة، مهما كان ذلك صادماً أو جارحاً.
و”الميادين” تمثّلت بالمهنيّة وبالموضوعيّة، ورفضت الحياد، فالصحافة في نهاية الأمر التزام وانتماء إلى الزمان والمكان والإنسان؛ انحياز للحق مهما كان ضعيفاً، وانحياز للإنسان مهما كان مهمّشاً ومهشّماً ومغيّباً.
وللإعلاميّين على هذه الأرض، من الضروري أن يعوا أنها تقع عليهم مسؤولية القول كما ينبغي، ويقع عليهم واجب السرد، سرداً فلسطينيّاً نهضويّاً ينحاز للإنسان والخير والعدل، لتتمايز الرواية الفلسطينيّة – على ضعفها أو عدم وصولها – عن رواية المحتلّ والظالم والشرير.
العالم مجرد حَبكة، والإعلام القويّ المسيطر يستطيع أن يَحبِك روايته جيداً، ويجد لها ذرائعها الأخلاقيّة ومبرّراتها الإنسانيّة، ويستطيع أن يقدّمها بطريقة باهرة ومثيرة ومغرية ومُغْوية، وهي بسبب انتشارها وقوّة حضورها قادرة على التأثير والتغيير.
ولا يمكن لخبرنا أو سردنا أو صورتنا أن يصل دون قوة الحضور والتأثير أيضاً.
هل نقول:
إن إعلامنا عاجز لأنه جزء من جهد جماعيّ عاجز؟!
إن رواية الضعيف عادة لا يصدّقها أحد؟!
وهل نقول إن حقوقنا ضائعة بسبب أن إعلامنا عاجز، أم أن اللحظة التاريخيّة العربيّة خاصة على مستوى الإعلام والقضيّة الفلسطينيّة كلها عاجزة؟!
هذه أسئلة ما زالت مطروحة وما زالت قناة “الميادين” تقدّم الصورة المضادة للعجز والاستسلام.
بالنظر إلى أهميّة الرأي العام العالميّ للقضيّة الفلسطينيّة. فإن ترك الساحة العالميّة للدعاية الصهيونيّة وتكريس واقع الإعلام العربيّ الموجّه للجمهور العربيّ مع أهميّته، وعدم إحداث اختراقات لمنظومة الإعلام العالميّ والعمل على تشكيل لوبي إعلاميّ عربيّ قويّ، يؤشر ذلك على التوجّهات الغربيّة والتحوّلات الغربية تجاه القضيّة. فالرأي العام العالميّ بحاجة إلى حركة حثيثة لتكثيف الإنتاج الإعلاميّ الخاص بالقضيّة الفلسطينيّة من برامج وأفلام تسجيليّة ودراميّة ونشرها بمختلف اللغات؛ بحيث تصوّر الواقع الفلسطينيّ، وتكشف الصورة الحقيقيّة للاحتلال وممارساته وجرائمه. ونشر هذه البرامج في الغرب من خلال ما أتيح من وسائل إعلام وشبكات تواصل ومواقع إلكترونيّة وعبر فضائيّات بلغات أجنبيّة يجب العمل على إيجادها لتسهيل مخاطبة هذا الغرب ورأيه العام.
وكشفت الحرب على غزة تحوّلاً واضحاً في الإعلام العربيّ تجاه القضيّة الفلسطينيّة، فقد اتجه الإعلام العربيّ في شأن الحرب والقضيّة في أربعة اتجاهات:
- الأول: داعم وحافظ على مواقفه الداعمة لقضيّة فلسطين وشعبها الذي يُعتدى عليه ويُحارب بأعتى الأسلحة ويُعمَل فيه قتلاً وتشريداً، وهذا الموقف يمثله الإعلام العربيّ الحر الذي ما زال يحتفظ بمهنيّته وانتمائه لقضايا أمته.
- الثاني: نقيض قضيّة فلسطين في الإعلام العربيّ فوقف موقفاً معادياً لها، وركّز خطابه على مهاجمة الفلسطينيّين وغزة وأهلها ومقاومتها، وبالأساس يقع على عاتق الإعلام العربيّ دور مهم في توضيح الصورة وبيان حقيقة الصراع مع الاحتلال. فالرأي العام العالميّ بحاجة إلى توضيح لحقيقة المقاومة الفلسطينيّة، لتتسنّى له معرفة حقيقتها، ودور الإعلام العربيّ هو بيان أنها ليست مقاومة عنيفة وإرهابيّة، كما يحاول بعض وسائل الإعلام الغربيّ تصويرها، وبذلك يكون للإعلام العربيّ حضور داعم للقضيّة الفلسطينيّة.
- الثالث: مدافع عن الاحتلال فأصبح خطاً دفاعيّاً عنه ويروّج له ويلمّع صورته ويجمّلها، وقد علت تلك الأصوات التي حرّض فيها إعلاميّون بارزون «إسرائيل” على غزة.
- الرابع: اتجاه وقف على الحياد وكأن فلسطين وقضيّتها ليستا ضمن أولويّاته. فتناولت بعض وسائل الإعلام أخبار الحرب كأخبار عاديّة ضمن نشراتها دون الاهتمام بها وإبرازها وإعطائها أولويّة في التغطية، فضعفت التعبئة للرأي العام العربيّ بصورة كبيرة عمّا كانت عليه في السابق. ما انعكس على حجم التفاعل مع القضيّة والحرب. فالمسيرات والاحتجاجات التضامنيّة شهدت انتكاسة واضحة وانخفاضاً كبيراً عمّا كانت عليه في السابق. الأمر الذي يُعطي مؤشراً خطيراً عن الدور الذي لعبه الإعلام العربيّ في توجيه وتعبئة الرأي العام. هذا فضلاً عن الصراعات الداخليّة في بعض الدول العربيّة، والتي أثّرت على التفاعل العربيّ، وتقاسمت في بعض الأحيان البثّ الإعلاميّ مع ما يجري في فلسطين.
إن الإعلام باعتباره جزءاً أساساً من خطاب الأمة. له دور مهم وحيويّ في المواجهة في كل حدث يخصّ القضيّة الفلسطينيّة، إذ أن الإعلام بات سلاحاً قوياً يمكن أن يساهم في تحصيل الحقوق، والرأي العام العالميّ بات مهماً في لعب دور مؤثر لمصلحة القضيّة الفلسطينيّة، وتحويل الدعم المعنويّ والمساندة السياسيّة من وجهتها للاحتلال «الإسرائيليّ» إلى دعم الشعب الفلسطينيّ وقضيّته ومساندته. وما يدلّ على هذا قوافل الإغاثة التي ينظّمها غربيّون متعاطفون مع أبناء فلسطين المحاصرين في قطاع غزة ومسيرات التضامن وانتفاضة طلاب الجامعات في أميركا وأوروبا وغيرها من التحرّكات السابقة، التي هزّت العالم إبان الحروب على غزة في السنوات الأخيرة. فضلاً عن المتضامنين الأجانب الذين يشاركون في المسيرات الأسبوعيّة ضد جدار الفصل العنصريّ ومصادرة الأراضي في الضفة الغربيّة، بالإضافة إلى موقف الدول الغربيّة في لجنة حقوق الإنسان عندما صوّتت وبشكل غير مسبوق على تقرير «غولدستون» الذي أقرّ ولأول مرة بالحق الفلسطينيّ وغطرسة الاحتلال أثناء الحرب على غزة عام 2009 ([12]).
وهذه المسألة رفعت ثقة الجمهور بالمقاومة وفقاً لعدة استطلاعات رأي جرت سواء في الأراضي الفلسطينيّة أو العربيّة وحتى العالميّة.
كما أن المقاومة الفلسطينيّة لم تعُد تعتمد على الإعلام العربيّ لمخاطبة الرأي العام العربيّ، إنّما دخلت معترك الإعلام الفضائيّ والاجتماعيّ. فأضحى من السهولة مخاطبة الشارع العربيّ من خلال هذه الوسائل، وإن كانت بسيطة وذات مقوّمات محدودة من الناحية التقنيّة والكفاءات البشريّة، إلا أنها شكلت اختراقاً مهماً وذا مصداقيّة حتى لدى الجمهور «الإسرائيليّ»، في خضم الضعف العربيّ العام في التفاعل مع الحدث الفلسطينيّ لا سيّما الإعلام الرسميّ، علاوة عن الحديث عن لعب الإعلام الفضائيّ والاجتماعيّ دوراً دوليّاً لحشد الرأي العام العالميّ لتأثيره في الرأي العام المحليّ والإقليميّ، لذا فإن الرأي العام العالميّ يعتمد على الجهود الذاتيّة الفلسطينيّة والمهنيّة التي تتعامل بها وسائل الإعلام الغربيّة، ومساعدة الإعلام الحرّ العربيّ والعالميّ والمتعاطفين مع القضيّة أياً كانوا.
على الطرف المقابل، ساهم صمود الشعب الفلسطينيّ وإنجازات المقاومة الفلسطينيّة بإبراز القضيّة الفلسطينيّة كقضيّة أولى لدى الرأي العام، وفي ذلك كان لقناة الميادين الدور البارز على مدار التغطية المستمرّة للمواقف والأحداث.
وطرحت عمليّة طوفان الأقصى علامات استفهام، وأخرى للتعجّب حول الإعلام العربيّ في أكثر من اتجاه. مع قضيّة طالما وصفت بكونها قضيّة الأمّة والأولى في تاريخنا المعاصر. ويستدعي المنطق أن يكون الإعلام العربيّ على قلب رجل واحد، فينحّي انحيازاته وأجنداته جانباً ليقوم بدوره في تغطية المستجدّات الميدانيّة والسياسيّة، والذهاب بعيداً في فتح مساحات النقاش بين العرب، وبينهم وبين غيرهم، سعياً نحو فهم أعمق لما يجري، وطلباً لوعي متقدّم بما يدور حوله من استحقاقات إقليميّة ودوليّة، ذات أبعاد تاريخيّة وحضاريّة لخدمة مصالح أمة عريقة وحماية واقعها ومصيرها من التفكك والهلاك.
ذاك هو المفترض، لكن الواقع يُخبرنا بمشهد مختلف، ذلك أن الشاشات والمواقع العربيّة، وإن بدت للوهلة الأولى متقاربة في تغطيتها مستجدّات الصراع الإسرائيليّ العربيّ، فإن نظرة فاحصة تكشف أمامنا أبعاداً تتضمنها ثنايا العناوين، وبين سطور المقالات والتقارير سواء أكانت مرئيّة أم مسموعة أو مكتوبة.
ومع بداية “طوفان الأقصى” (كما سمّتها حماس) في السابع من أكتوبر عام 2023 زاد حضور القضيّة الفلسطينيّة على قناة الميادين وتعزّز دورها في الذاكرة المجتمعيّة من جديد في ما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة خصوصاً وبالصراع العربيّ الإسرائيليّ عموماً. وأثبتت قناة الميادين دورها ومكانتها وتأثيرها في العالم، على المستوى الجماهيريّ والإعلاميّ.
وتُجمِع النظريّات الإعلاميّة الحديثة، ولا سيما تلك التي تناقش طبيعة الإعلام ودوره بعد العولمة ومع دخولنا عصر الإعلام الرقميّ، على أن الإعلام هو مَن يُسهِم بالقسط الأكبر في صناعة الرأي العام العالميّ، ولا سيّما في النزاعات والحروب([13]).
يرى عددٌ من الباحثين أن “صحافة الحرب” في عصرنا الحالي تعتمد بشكل كبير على ما يُعرَف بالإثارة في كتابة الخبر أو نقله (المصطلح في اللغة الإنجليزية sensationalism) إن كان عبر الشيطنة أو عبر التعظيم بهدف اللعب على عواطف الناس، ومن ثم التأثير على خياراتهم وقراراتهم وآرائهم، من خلال عرض الصور والمشاهد التي تُبَثّ على مدار الساعة على شاشات التلفزيون كما في الفضاء الرقميّ في سياق تاريخيّ وسياسيّ معين، حسب “البروباغندا” التي تخدم الأجندة الإعلاميّة التي تعمل من خلالها القناة.([14])
لم تكن “الميادين” بحاجة إلى كل ذلك في تغطيتها الحرب الحاليّة على غزة، ولكي نكون مُنصفين أكثر، فهي كسرت هذا “العرف” الخاطئ السائد في الإعلام الذي وقع فيه معظم الوسائل الإعلاميّة الغربية وأغلبيّة الوسائل الإعلاميّة العربيّة. عرفت القناة كيف تستقطب كل الفئات لإيصال الرواية الفلسطينيّة والحقيقة إلى العالم بشأن ما يحدث في غزة، وهو مسار بدأته منذ تأسيسها.
أما شرحُ التغطية المباشرة وتدعيمها بالبيانات، أي بالأرقام والصور بقالب يلفت الانتباه ويشدّ المشاهد، فهو الميزة الثانية التي يجب الوقوف عندها في تحليل عمل القناة، وهو يلعب دوراً مهماً في استقطاب الجمهور من خلفيّات سياسيّة وثقافيّة مختلفة ومتناقضة.
وكان لافتاً أيضاً اعتماد القناة بشكل واضح على عدد من المحللين السياسيّين المختصّين بالشأن الإسرائيليّ على مدار التغطية المفتوحة. وأثبتت القناة أنها تحترف التقاط اللحظة في الحدث والخبر والوسيلة. ولأنّها تعلم جيداً أن العصر والكلمة اليوم للشباب، فهي عمدت في التغطية الحاليّة إلى فتح المجال لوجوه شبابيّة كثيرة وجديدة لم نعهدها من قبل على الشاشة التقليديّة والرقميّة، إن كان في التغطية المباشرة من الميدان أو في إجراء المقابلات وفي تقديم المحتوى عن القضيّة الفلسطينيّة بقالب شبابيّ ورشيق على المنصّات الرقميّة بلغات مختلفة. أيضاً، لم تغفل القناة الأهميّة، أو اللحظة التاريخيّة للتحرّكات الطالبيّة في الولايات المتحدة الأميركيّة وفي أوروبا.
الرأي العام والقضيّة الفلسطينيّة:
يُعرَف الرأي العام بأنه الرأي السائد بين أغلبيّة الشعب الواعية في فترة معيّنة نحو قضيّة معينة أو أكثر يحتدم حولها الجدل والنقاش، وتمسّ مصالح هذه الأغلبيّة أو قيمها الإنسانيّة مساً مباشراً، ويُعرَف أيضاً بأنه معتقدات وآراء الناس أو الرأي الغالب أو الاعتقاد السائد لدى غالبيّة من الناس، تجاه أمر ما أو ظاهرة أو موضوع أو قضيّة من القضايا الجدليّة الخلافيّة، قد تكون سياسيّة أو اقتصاديّة أو اجتماعيّة أو ثقافيّة أو أي قضيّة أخرى، قد تكون ذات طابع محليّ أو وطنيّ أو إقليميّ أو دوليّ، وتكون ذات أهميّة لدى معظم أفراد المجتمع ويثور حولها الجدل. وتكون لهذا الإجماع قوة وتأثير. من ذلك فإن الحديث عن الرأي العام سواء العربيّ أو الدولي تجاه القضيّة الفلسطينيّة، يعني توجّهات المجتمعات العربيّة أو الأجنبية وآراءها وما يسود لدى غالبيّتها تجاه القضيّة الفلسطينيّة والحق الفلسطينيّ ومواكبتها الصراع مع الاحتلال، بحيث تحرّك قوى معينة هذا الرأي العام أو تصنعه لمناصرة القضيّة، ويشكل هذا الرأي العام حراكاً ينعكس على طبيعة التعاطي مع القضيّة في المجتمع والضغط على القرار السياسيّ لإنصافها والضغط على دولة الاحتلال.
يلعب الإعلام دوراً مهماً في خلق الرأي العام وتغذيته بالمعرفة اللازمة تجاه القضيّة المطروحة في الرأي العام، فضلاً عن إثارته للتفاعل معها. فامتلاك وسائل الإعلام التي تتبنّى القضيّة يخلق بيئة تواصليّة بين الأفراد في المجتمع المستهدف. ما يعود على القضيّة بالنفع، فأي قضيّة تبقى حبيسة أروقة محدودة ولا تتوفر فيها وسائل اتصال لطرحها على الجمهور ليتفاعل معها، لا يتّسم التقدم فيها ولا تحقيق الآثار التي يحققها التفاعل مع قضيّة جعلت للإعلام حيّزاً في نشرها وجمع الجمهور حولها.
كما هو معروف في تطوّرات قضيّة الرأي العام، فهي تبدأ بقضيّة أو رأي أو توجّه لدى شريحة من الجمهور، بحيث تثير شعور هذا الجمهور. الذي يُبدي اهتماماً فيها، فتحظى بمساحة لديه من المناقشة وإبداء الرأي فيها، ثم يُبرز قادة يحملون همَّ هذه القضيّة في البيئات المستهدفة، ويستخدمون مختلف وسائل الإعلام لضمّ أناس جدد لتبني المواقف من القضيّة، وهم عادة ما يكونون من فئة الحياد التي ليس لها موقف سلبيّ مُسبق من توجّهات القضيّة. فيما تسعى في الوقت ذاته لنقل المعارضين لمسار القضيّة من مواقفهم إلى الحياد، ليسهل استهدافهم وضمّهم لجمهور القضيّة. بعد هذه المرحلة يتكوَّن ما يُعرَف بالرأي العام المتنوّر لدى الجمهور الذي يُعبّر عن موقفه تجاه القضيّة. والذي بدوره ينجح في التأثير في السياسة المتبناة في الدولة أو المجتمع الدولي تجاه القضيّة، وصولاً إلى إنهاء الأسباب التي تسبّبت في هذه القضيّة واجتثاثها ليتلاشى الرأي العام حينها نظراً للوصول للحل.
خاتمة:
القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّة للتحرّر الوطنيّ، وتحتاج إلى إعلام تحرّريّ وإنسانيّ، وكلما كان هذا الإعلام سقفه على سقف المهنيّة والاحترافيّة في حشد الرأي العام والاستفادة من الوسائل والأساليب في سبيل إيصال هذه القضيّة صوتاً وصورة، كلمة وموقفاً. وهذا يعني أن الاستفادة من علوم الاتصال لا سيما في ما يتعلق بالرأي العام والعلاقات العامة والإعلام له أهميّة كبيرة في تحقيق الأثر بشكله وصورته. ويشهد لقناة الميادين دورها الكبير والمستمرّ تجاه عدالة القضيّة الفلسطينيّة.
ويُملي الواجب الوطنيّ والقوميّ والمهنيّ، وفق المنهج العلميّ، اقتراح التوصيات الآتية لإيجاد استراتيجيّة إعلاميّة تواكب منهجيّة “لميادين” وتعزّزها وتعمّمها على وسائل إعلامنا الفلسطينيّ والمشرقيّ والعربيّ، ليكون لدينا “جماعة ضغط” إعلاميّة (لوبي إعلاميّ) فاعلة:
- بما أن الإعلام يقوم على العلم، والعلم منطلقه الكشف عن الحقيقة ونشرها، فإنّ الحياد في الإعلام هو خيانة للحقيقة، وأيّ تزييف لها بأيّ أسلوب أو ماكياج إعلاميّ هو اغتيال لروح العلم والإعلام. وفي قضيّة فلسطين الحقيقة ساطعة، وأيّ ابتسار أو تزييف لها هو خيانة للحق واغتيال للإعلام.
- في قضيّة فلسطين، الانتماء أساس ومنطلق، والالتزم بنصرة حق الشعب الفلسطينيّ واجب إعلاميّ، وأوجب الواجب على إعلاميّي فلسطين والمشرق، أن يكونوا المثل والمثال عربيّاً وعالميّاً.
- تمسّ الحاجة لميثاق شرف إعلاميّ، يشكّل الحد الأدنى لمهنيّة العمل الإعلاميّ ووجدانه الوطنيّ تلتزم به وسائل الإعلام، ويُعدّ الخروج عنه جريمة تندرج ضمن موجبات القانون الذي يلزم كل مواطن بحماية معنويّات الأمة ووحدتها والحرص على أمنها القوميّ.
- انكباب مراكز الأبحاث في دول جبهة المقاومة وحلفائها على وضع تعريف للإرهاب يكون ملزماً لكل المؤسسات المعنيّة، قانونيّة وسياسيّة وإعلاميّة وتربويّة، بما يلزم التحرّر من المركزية الغربيّة الأورو – أميركيّة الرسميّة خصوصاً، الخادمة للمشروع الصهيونيّ الإمبرياليّ.
- وجوب التشبيك الأمميّ والدوليّ مع مؤسسات المقاطعة، وتفعيل خطة موحّدة شاملة ومفتوحة على التطوير باستمرار، حسب مقتضيات المواجهة.
- إنشاء لائحة سوداء بخاصة للمؤسسات الإعلاميّة، واستطراداً للمؤسسات الاقتصاديّة، التي تخدم المشروع الصهيونيّ وتدعم الاحتلال وتبرّره وتسوّغه، وفضحها وتعميم جرائمها محلياً وعربيّاً ودولياً وعالمياً.
- تشكيل لوبي من خبراء القانون العرب والمتطوّعين أممياً، للادعاء على الدول والجهات والمؤسّسات التي تُمعن في ارتكاب الجرائم بحق شعبنا في فلسطين ولبنان والعراق وسورية واليمن وإيران.. وفي كل بلد يشكّل ضحيّة للصهيونيّة المجرمة والإمبرياليّة المتوحّشة.
- وجوب العمل والدعوة إلى تسريع منظمة شانغهاي ومنظمة بريكس إنشاء مؤسسات إعلاميّة ومؤسسات قانونيّة دوليّة، تواكب المكانة العالميّة لها، إلى جانب مكانتها الاقتصاديّة والنقديّة وثقلها السياسيّ الجيواستراتيجيّ المفتوح على التوسّع.
المصادر والمراجع:
الكتب:
– التهامي مختار، الرأي العام والدعاية، القاهرة، دار المعاني.
– بنهلال محمد، الإعلام وتشكيل الرأي العام وصناعة القيم، تحرير وتقديم عبد الإله بلقزيز، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2013.
– بورديو بيير، الرمز والسلطة، ترجمة بنعيد العالي عبد السلام، دار توبقال، الدار الببضاء.
– حمدي قنديل، الشبكة الفضائيّة وقضايا الاتصال في الوطن العربيّ، دار الولاء، القاهرة.
– عطوان فارس، الفضائيّات العربيّة ودورها الإعلاميّ، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، 2009.
– محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، القاهرة، عالم الكتب.
– المتوكل طه، الإعلام والقضية الفلسطينيّة، مقال في مجلة القدس، العدد 342.
– الدكتور عبد الناصر بن احمد بن عبدالله العبري، صحافة الحروب.. تأثير برنامج الصحفي المرابط على اخلاقيات العمل الصحفي، مقال في المجلة الدولية لنشر البحوث والدراسات، الإصدار التاسع عشر 2021.
– تقرير غولدستون يكشف زيف الإعلام المتحامل، مقال في صحيفة الخليج، منشور في عدد يوم 23 أكتوبر 2009.
– رحيمة الطيب عيساني، الفضائيّات العربيّة، الإيجابيّات والسلبيّات، مجلة الحكيم، العدد 74، 2008.
– محمد شومان، عولمة الإعلام ومستقبل النظام الإعلاميّ العربيّ، مجلة عالم الفكر، العدد الثاني.
– محمد أبو عامود، التحوّل في العلاقة بين الإعلام والسياسة وتطوير الإعلام العربيّ، مجلة شؤون عربيّة، العدد 112، 2002.
– حسين سمير، الرأي العام والأسس والجوانب المنهجية، مجلة عالم التقنيّات، القاهرة.
مواقع إلكترونية:
– موقع قناة الميادين almayaden.net
الفهرس
– المقدمة |
– أهميّة البحث |
– منهجيّة البحث |
– إشكاليّة البحث |
الفصل الأول |
– الإعلام العربيّ في نظرة تاريخيّة |
– القناة الفضائيّة كوسيلة إخباريّة |
– فلسطين في عين “الميادين” |
– الموضوعيّة |
– مكانة قناة الميادين |
الفصل الثاني |
– التصنيف الجديد للإعلام |
– صناعة الرأي العام |
– صناعة قادة الرأي كوسيلة لصناعة الرأي العام |
– الإعلام والحرب على غزة |
– الرأي العام والقضيّة الفلسطينيّة |
– خاتمة |
– المصادر والمراجع |
[1] – عطوان فارس، الفضائيات العربية ودورها الإعلاميّ، دار أسامة للنشر والتوزيع، ص 57.
[2] – محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، القاهرة، عالم الكتب، 1997، ص 19.
[3] – محمد شومان، عولمة ومستقبل النظام الإعلاميّ العربيّ، مجلة عالم الفكر، المجلد 28، العدد الثاني، أكتوبر 1999، ص 151.
[4] – حمدي قنديل، الشبكة الفضائية العربيّة وقضايا الاتصال في الوطن العربيّ، دار الولاء، القاهرة، 1999، ص 22.
[5] – موقع الميادين.نت، للمزيد نعي رئيس مجلس إدارة القناة غسان بن جدو، للشهيدين فرح عمر وربيع معماري، الرابط: https://www.almayadeen.net/news/politics/%D8%A8%D9%86-%D8%AC%D8%AF%D9%88-%D9%8A%D9%86%D8%B9%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%81%D8%B1%D8%AD-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D9%88%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A–%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D8%B3
[6] – عطوان فارس، الفضائيّات العربيّة ودورها الإعلاميّ، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، 2009، ص 35.
[7] – بورديو بيير، الرمز والسلطة، ترجمة بنعيد العالي عبد السلام، دار توبقال، الدار الببضاء، ص 55.
[8] – محمد أبو عامود، التحوّل في العلاقة بين الإعلام والسياسة وتطوير الإعلام العربيّ، مجلة شؤون عربيّة 4 112، شتاء 2002، ص 92.
[9] – التهامي مختار، الرأي العام والدعاية، القاهرة، دار المعاني، ص 16.
[10] – بنهلال، محمد، الإعلام وتشكيل الرأي العام وصناعة القيم، تحرير وتقديم عبد الإله بلقزيز ، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2013، ص .37.
[11] – المتوكل طه، الإعلام والقضية الفلسطينيّة، مقال في مجلة القدس، العدد 342، ص 89.
[12] – تقرير غولدستون يكشف زيف الإعلام المتحامل، مقال في صحيفة الخليج، منشور في عدد يوم 23 أكتوبر 2009.
[13] – الدكتور عبد الناصر بن احمد بن عبدالله العبري، صحافة الحروب.. تأثير برنامج الصحفي المرابط على اخلاقيات العمل الصحفي، مقال في المجلة الدولية لنشر البحوث والدراسات، الإصدار التاسع عشر 2021.
[14] – حسين سمير، الرأي العام والأسس والجوانب المنهجيّة، القاهرة، عالم الكتب، 1997، ص 29.