مأمون ملاعب
يعتبر اليهود أنفسهم شعباً، وبالأحرى سلالة ترجع إلى يعقوب تحديداً من إبراهيم وأولاده الاثني عشر الذين يشكلون الأسباط. ويعتمدون أسفار التوراة على أنها تاريخ. وقد سار العالم كله على هذا المنوال لفترة طويلة من الزمن حتى ترسّخت القصص التاريخيّة في أذهان الناس وكأنها حقاىق إلى أن بدأ التنقيب الفعلي في أرض فلسطين بحثاً عن “إسرائيل” التاريخية أو دولة يهوذا. قام بالبحث العديد من الاركيولوجيين اليهود والأوروبيين والأميركيين وكانت الصدمة لهم كبيرة جداً حين لم يعثروا على شيء. خرج داوود كما سليمان من الحقيقة التاريخيّة وذابا في الخرافة وقد اعترف المنقبون بهذه الحقيقة المرّة عليهم وكتبوا عنها. أبعد من ذلك فإن السبي الآشوري وبعده الكلداني مثبتان تاريخياً بشكل يعاكس كل ما جاء في التوراة، وأن يهودا والسامرة كانت تحويان شعباً بصفات كنعانية وعبادة كنعانية بحسب المعابد المكتشفة. في هذا الصدد يمكن مراجعة كتب فراس السواح: آرام دمشق و”إسرائيل” وهيكل أورشليم. في هذا الموضوع لا بدّ أن نشير إلى محاولة كمال الصليبي البحث عن (اسرائيل التاريخية) في شبه الجزيرة العربية لأنه لم يقبل أن تكون حكايا الكتاب المقدس خرافات. افترضها حقيقة وذهب يبحث عن وجودها التاريخيّ في جغرافيا أخرى، علماً أن الوعد المزعوم لإبراهيم يتضمن بوضوح ارض كنعان. الوجود التاريخي الأول لليهود في فلسطين كان مع قورش ضمن الدولة الفارسية واستمروا حتى العهد الرومانيّ وعندها بنوا هيكلاً صغيراً لا يقارن بالمعابد الكنعانية، ولذلك لم يبقَ والادق لم يجدوه.
طُرد اليهود أو تمّ اقتلاعهم على أيدي الرومان وتشتيتهم عام 70 للميلاد وتوزعوا في أنحاء الإمبراطورية في الشتات، كما يعتبرون بعض الناس دخل إلى اليهودية وبعضهم خرج. والأهم هو التزاوج بين اليهود وغيرهم من الأديان. من يعتبرون أنفسهم انهم الشعب اليهودي اليوم هو خليط من الأبيض الأشقر إلى الأسمر إلى الأسود. وهم خليط متنافر متخاصم تجمعهم عقدة الدين. يظهر الأمر بوضوح في الاختلافات الكبيرة فيما بينهم اليوم. اختلافات بشكل طبقيّ أو بحسب أماكن القدوم، أوروبا الغربية أو الشرقية أو من الدول العربية والأفريقية، لكنهم يتفقون في العداوة لنا أصحاب الأرض سواء اعتبرونا عرباً أم كنعانيين. يتفقون على ملكية الأرض بوعد من بهوه ويختلفون بالسياسة مع العالم عموماً ومعنا خصوصاً أي بكيفية الاستمرار والبقاء والتوسع والطمأنينة وقد تصل خلافاتهم في ظل الرهبة من الفشل أو السقوط وضياع المشروع إلى حرب في ما بينهم وما مقتل إسحاق رابين إلا صورة واضحة عن عمق الخلاف. كان من البديهي أن يتحكم المتشددون دينياً بالسلطة لأنهم في خلفيتهم وباطنهم رؤية وحيدة يسعون إليها في دولة اليهود على أرضهم الموعودة.
في الحرب الجارية اليوم يكاد التجمع اليهودي يتمزّق لانهم تحت الضغط بخطر الاقتلاع. نراهم بكل فرقهم السياسية يتفقون على ضرورة القضاء ليس على حماس أو حزب الله فقط بل على كل ما هو ليس يهودياً في فلسطين أو في محيطها. اليهود حالة شاذة في الإنسانية خليط متنافر يدّعي أنه شعب، متنكرين لصفة الطبيعة الإنسانية التي تربط اي شعب بوطن، أما الادعاء بوطن مسلوب يبقى ضمن الحالة الشاذة اليهودية، كما أسلفنا هو دين أقرب إلى وثنية ديانات القبائل في الأطوار الأولى من التاريخ لكنه يعيش في القرن الحادي والعشرين.
في الخلاصة: اليهودية ليست ديناً للإنسانية واليهود لا يشكلون قومية أو سلالة ووجودهم على أرض فلسطين قام عنوة بفعل قوة الاستعمار والتواطؤ بين دول الاستعمار والصهيونية العالمية. واستمر وجودهم بفضل دعم قوى الاستعمار الغربي واللوبيات اليهودية صاحبة النفوذ في مراكز القرار حتى في تلك الدول ونفوذها في المؤسسات الدوليّة.
لا يمكن استعادة حقنا الطبيعي التاريخي إلا بالقوة عبر دحر هذا العدو وإزالة الاغتصاب عن أرضنا. بهذا المفهوم حربنا مع اليهود وجودية. أرضنا لا تقبل ضدين فإما نحن أو هم. والمنطق الطبيعي التاريخي وإرادتنا وإدراكنا وقوتنا يؤكد حتمية انتصارنا.