واصل النظام المالي الوطني إظهار مرونة عالية في مواجهة الأزمات الاقتصادية المتتالية، خصوصا خلال السنة الماضية، حيث كشف النظام عن مؤشرات إيجابية تؤكد هذا الاتجاه، فيما خلص الاجتماع التاسع عشر للجنة التنسيق ومراقبة المخاطر الشمولية (CCSRS)، الذي عقد في الرباط أخيرا، إلى أن البنوك والتأمينات والبورصة استطاعت المحافظة على استقرارها رغم الظرفية الاقتصادية العالمية، التي اتسمت بتشديد السياسة النقدية والتوترات الجيو-سياسية.
وتتماشى مرونة النظام المالي مع دينامية الاقتصاد الوطني، رغم الشكوك الخارجية التي كانت تحوم حول تحسن مستويات النمو بشكل ملحوظ خلال السنة الماضية، إذ بلغت 3.4 في المائة، مقارنة بنسبة 1.5 في المائة المسجلة خلال 2022. كما لوحظ تراجع في عجز الحساب الجاري، حيث انخفض إلى 0.6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
واستفاد قطاع البنوك وقطاع التأمينات من ثمار الجهود المبذولة لاستكمال مطابقة الآلية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع توصيات مجموعة العمل المالي (GAFI)، حيث تم تكريس هذه المطابقة من طرف مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال اجتماعها المنعقد في المنامة في ماي 2024، ما يمنح معاملات الفاعلين في القطاعين المذكورين المزيد من الثقة والمصداقية، خصوصا على المستويين الإقليمي والدولي.
البنوك تتحدى الأزمة
ظل القطاع البنكي يتمتع بأسس قوية، خصوصا على مستوى المردودية، إذ سجلت النتيجة المجمعة للبنوك انتعاشا بنسبة 20.4 في المائة، بعد انكماش بواقع 13 في المائة خلال 2022، بسبب الارتفاع الملموس في نتيجة عمليات السوق.
أما على مستوى الرسملة، فأفرزت المؤسسات الائتمانية، على أساس فردي، معدلات ملاءمة وأموالا ذاتية من الفئة 1 بنسبة 15.5 في المائة و12.9، على التوالي، وهي مستويات تفوق النسب الدنيا التنظيمية المحددة في 12 في المائة و9، فيما بلغت هذه المعدلات، على أساس مجمع، 13.5 في المائة و11.6، على التوالي.
تعليقا على هذه النتائج، أوضح محمد شرايبي، محلل مالي مستشار ببنك للأعمال في الدار البيضاء، أن متانة القطاع البنكي المغربي في مواجهة الأزمات الاقتصادية مرتبطة بالسياسة النقدية الحذرة التي يتبعها، إذ تهدف إلى التحكم في التضخم وضمان الاستقرار المالي، موضحا أهمية الدور الذي تلعبه لجنة التنسيق ومراقبة المخاطر الشمولية في تحصين النظام المالي وتقليل المخاطر المحتملة، مشيرا في السياق ذاته إلى التأثير الإيجابي لقرار مجموعة العمل المالي بإخراج المغرب من القائمة الرمادية، بعد التثبت من امتثال المملكة لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إذ عززت هذه الخطوة ثقة المستثمرين الدوليين والمحليين في البنوك المحلية.
وأضاف شرايبي، في تصريح لهسبريس، أن تصاعد معدلات الاستبناك، من خلال تقديم البنوك مجموعة متنوعة من الخدمات المالية، شمل التمويلات التشاركية والخدمات الرقمية، وكذا التمويلات الصغرى، مؤكدا أن هذا العامل عزز قاعدة الزبائن وساهم في رفع أرباح المؤسسات الائتمانية، مشيرا إلى أهمية الاستثمارات المنجزة في التكنولوجيا المالية (Fintech) والرقمنة، إذ ساهمت في تحسين الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف، إضافة إلى الاستفادة المسجلة من أنظمة تدبير المخاطر، ما ساعد على تقليص احتمالات التعرض للخسائر الكبيرة، مشددا في السياق ذاته على التنوع في محفظة استثمارات البنوك ومساهمتها في توزيع المخاطر وزيادة الاستقرار.
التأمينات تتخطى “الفائدة”
بخصوص قطاع التأمينات، فقد تمكن من الحفاظ على نموه، ولو بوتيرة أبطأ، رغم ارتفاع أسعار الفائدة، إذ بلغ رقم معاملاته 55.9 مليار درهم بنهاية السنة الماضية، مسجلا تطورا طفيفا بنسبة 3.9 في المائة، مدعوما بشكل خاص بفرع التأمين على غير الحياة بنسبة 5.8 في المائة، فيما عرف نمو فرع التأمين على الحياة، الذي تأثر بالخصوص بقسم الادخار، تباطؤا ملموسا إلى 1.8 في المائة، مقابل متوسط 11.9 في المائة المسجل خلال السنوات العشر الأخيرة. أما على مستوى المردودية، فأفرز القطاع نتيجة صافية محاسبية بمبلغ 4.2 مليار درهم، بزيادة نسبتها 6.2 في المائة، لتصل بذلك نسبة مردودية الأموال الذاتية إلى 9.6 في المائة.
واعتبر محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، في تصريح لهسبريس، أن قطاع التأمينات أظهر صلابة في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة، وتمكن من تجاوز هذه العقبة بأقل الخسائر الممكنة، موضحا أن متانة القطاع خلال السنة الماضية ارتبطت بمزيج من الاستقرار الاقتصادي وتطور الإطار التنظيمي وتحسن الابتكار في المنتجات والخدمات، إضافة إلى تبني الشركات التكنولوجيا وإجراءات صارمة لتدبير المخاطر، مشيرا إلى استفادة القطاع أيضا من ارتفاع النمو الاقتصادي، باعتباره محفزا لطلب الأفراد والشركات على منتجات التأمين، من أجل حماية أصولهم ومصالحهم، منبها إلى دور توزان المالية العمومية في استقرار الأسواق المالية وزيادة الثقة في الفاعلين بالسوق.
وتابع الحسني في السياق ذاته بأن شركات التأمينات واصلت خلال السنة الماضية مسارها الاستثماري في الرقمنة وتحديث الخدمات، بما يخفض التكاليف التشغيلية ويعزز القدرة التنافسية في السوق، مشددا على أن تبني حلول رقمية للتواصل مع الزبائن وتقديم الخدمات عبر الإنترنت، عزز الوصول إلى شريحة أكبر من المؤمنين وساهم في زيادة الشمول المالي، فيما كان لمبادرات التثقيف المالي أثر كبير على تعزيز فهم الأفراد أهمية التأمين في حماية أصولهم ومستقبلهم المالي، إذ تراهن الشركات على إنعاش منتوجات التأمين على الحياة، خصوصا الادخار، لغاية تحقيق توازن مالي وتجاري مستدام.
هسبريس