أعلن مجلس الوزراء المصري، الأحد، توقيع الصندوق السيادي 4 اتفاقيات في مجال الأمونيا الخضراء مع عدد من المطورين الأوروبيين، بتكلفة استثمارية تصل إلى نحو 33 مليار دولار، ما يثير التساؤلات بشأن تلك الاتفاقيات، وما إن كانت ستعيد التوازن للاقتصاد المصري الذي لا تزال مشكلاته تراوح مكانها رغم الصفقات الاقتصادية الأخيرة وعلى رأسها اتفاقية “رأس الحكمة”.
قلل الخبير الاقتصادي وائل النحاس من شأن الإعلان عن توقيع اتفاقيات، وقال “ما يهمنا هو تنفيذ هذه المشاريع على أرض الواقع أو الأموال النقدية التي تضخ للدولة. فكم من عدد المرات التي سمعنا عن مثل هذه الاتفاقيات منذ 2016 ولم ينفذ منها أي شيء، توقيعها لا يعني أنها ستنفذ”.
وتابع النحاس في حديث مع موقع “الحرة” قوله: “سمعنا عن في مؤتمر المناخ في شرم الشيخ في 2022 عن مثل هذه الاتفاقيات وبرقم أكبر بكثير يبلغ 200 مليار دولار، لم ينفذ تقريبا منها أي شيء حتى الآن”.
إنتاج الأمونيا يحتاج للكهرباء
وتساء النحاس عن أنه “إذا كانت مصر لا تستطيع أن توفر الكهرباء للبيوت بل وحتى الشركات، فكيف ستوفرها لإنتاج الأمونيا الخضراء”.
يتم إنتاج الأمونيا الخضراء عن طريق تفاعل الهيدروجين والنتروجين معا عند درجات حرارة مرتفعة وضغط عال، في ما يعرف بعملية “هابر-بوش”(Haber-Bosch) ، وفقا لموقع “ساينس دايركت”.
وعلى عكس “الأمونيا البنية”، التي يتم تصنيعها باستخدام الوقود الأحفوري أو الغاز الطبيعي كمادة وسيطة، فإن المواد الخام للأمونيا الخضراء هي الهيدروجين الذي يتم الحصول عليه من خلال التحليل الكهربائي للماء.
وتعمل الأمونيا الخضراء، التي تنتج عن تفاعل النيتروجين مع الهيدروجين الأخضر الناتج عن التحليل الكهربائي من مصادر الطاقة المتجددة، على تقليل انبعاثات غازات الدفيئة المنبثقة من الأسمدة الضرورية للتنمية الزراعية، في وقت تواجه فيه كثير من البلدان، بما في ذلك أوروبا، تحديات كبيرة في مجال الأمن الغذائي، وفقا لوكالة “فرانس برس”.
وتستخدم الأمونيا الخضراء في إنتاج الأسمدة المحايدة الكربون، وإزالة الكربون من سلسلة القيمة الغذائية، ولديها أيضا إمكانات كوقود شحن محايد مناخيا في المستقبل، وفقا لـ”شركة يارا” النرويجية لتصنيع الأسمدة النيتروجينية.
وعلى غرار الوقود الأحفوري، تعتبر الأمونيا حاملة للطاقة الكيميائية ووقودا محتملا، ويمكن استغلالها في توليد الكهرباء، وإنتاج وقود نظيف للشاحنات وسفن الشحن لمسافات طويلة، وسماد غير ملوث للبيئة.
وتتمتع الأمونيا بميزة عدم إطلاق أي انبعاثات كربونية إذا تم استخدامها كوقود، ويمكن تعزيز “أوراق اعتمادها الخضراء” بشكل أكبر إذا تم استخدام الطاقة المستدامة لتشغيل إنتاج الأمونيا.
والأمونيا هي ثاني أكثر السلع الكيميائية إنتاجا على مستوى العالم، حيث يبلغ حجم إنتاجها السنوي أكثر من 180 مليون طن، ويتم تداول ما يقرب من 20 مليون طن سنويا.
“السماء لا تمطر ذهبا”
الإعلان عن هذه الاتفاقيات في توقيت يزداد فيه الحديث عن توقعات باتساع رقعة الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان يثير استغراب النحاس أيضا، معتبرا أنها قد تخضع لمعايير دولية وتنازلات سياسية من مصر لتنفيذ هذه الاتفاقيات في المستقبل والتي قد تتغير في أي لحظة.
ويوضح أن “مصر كانت تنهار اقتصاديا قبل السابع من أكتوبر ولم تكن هناك دولة ولا مؤسسة اقتصادية تريد أن تساعدنا، وكانت تصريحات صندوق النقد الدولي كلها كانت في اتجاه أن مصر تنهار، لكن كل شيء تغير بعد السابع من أكتوبر حيث أصبح لمصر أهمية استراتيجية وبدأ الكل يسعى لمساندتنا”.
ويضيف: “كل المواقع العالمية تتحدث عن طبول الحرب وتوسعها في المنطقة، فهل يعقل أن هناك أي مستثمر جاد سيأتي لتنفيذ استثمارات بجوار طبول الحرب، هذا أدعى لهروب الاستثمارات وليس جذبها حتى أننا نرى أن جانبا من الاستثمارات العربية بدأ في التخارج في الفترة الأخيرة”، مضيفا “مع العلم أن من وقع الاتفاقيات اليوم دول وشركات مدعومة من دول غربية”.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين السبت إن شركات أوروبية ستوقع صفقات استثمار من المحتمل أن تتجاوز قيمتها 40 مليار يورو (42.85 مليار دولار) مع مصر في قطاعات منها الهيدروجين وإنشاءات إدارة المياه والكيماويات والشحن والطيران.
ويأتي إعلان فون دير لاين خلال مؤتمر استثماري بدأت فعالياته السبت بأكثر من 20 اتفاق أو مذكرة تفاهم مع مصر عقب حزمة تمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 7.4 مليار يورو والاتفاق في مارس على ترفيع العلاقات مع القاهرة، في مسعى لجعل اقتصادها أكثر استقرارا والحد من تدفقات المهاجرين إلى أوروبا.
وقال السيسي إن المؤتمر يأتي في “وقت شديد الدقة” في ضوء أزمات دولية وإقليمية متعاقبة قال إنها تتطلب التنسيق بين أوروبا ومصر.
ويقول مسؤولون أوروبيون إنهم يريدون مساعدة مصر التي تعاني من صدمات متكررة، منها تبعات الحرب في أوكرانيا وجائحة كوفيد-19، لتصبح أقوى من خلال تعزيز الاستثمارات والقطاع الخاص.
من جانبه يقول النحاس: ” أرى أن الأسابيع القادمة حساسة للغاية، وربما تكون بداية للحرب العالمية الثالثة، فهل ستتطلب من مصر اتخاذ موقف سياسي معين أو استراتيجي أو عسكري محدد”.
وأضاف: “إذا حصلت حرب في لبنان فهل ستضطر مصر للسماح لسفن حربية بالمرور من قناة السويس أو استخدام بعض القواعد العسكرية لضرب إيران، فمصر ليست درة التاج التي يتنافس عليها المستثمرون، والسماء لا تمطر ذهبا”.
وتلقت مصر تمويلا أجنبيا ضخما وتعهدات كثيرة هذا العام من الإمارات وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكذلك الاتحاد الأوروبي.
وخفف التمويل أزمة مستمرة منذ وقت طويل في النقد الأجنبي في وقت تحاول فيه مصر التعامل مع تأثير الحرب في قطاع غزة المجاور وفي السودان على حدودها الجنوبية.
ما هي الجدوى الاقتصادية؟
يشير النحاس إلى أن هذه الاتفاقيات تنص على حصول مصر على قروض موجهة بقيمة تسعة مليارات دولار لإنفاقها على شركات أجنبية.
ويوضح “على سبيل المثال، مصر في بعض هذه الاتفاقيات تقترض من البنوك الألمانية لشركات ألمانية، ما الذي ستستفيده مصر إذا؟ ستمنحنا الشركة إيجارا للمنطقة الحرة وستوظف بعض المصريين فقط، لكن الدولة المصرية هي التي ستأخذ القرض وملزمة بأنها تنفقه على الشركة الألمانية لتنفيذ استثمارها في مصر، وفي النهاية هي التي ستصدر وليس الدولة المصرية”.
وأشارت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد في بيان الأحد أنه وفقاً لاتفاق الأطراف في برنامج الصناعة المستدامة الخضراء (GSI)، يتم توفير التمويل للشركات الصناعية العامة والخاصة في مصر للاستثمار في مجالات مكافحة التلوث وإزالة الكربون وكفاءة الطاقة والموارد.
يؤكد النحاس أن “فكرة الحصول على قروض من أجل جلب شركات معينة ليس عيبا”، لكنه يتساءل “ألم يكن من الأجدى أن ننفقها على ما يفيد مصالحنا، على سبيل المثال، لدينا مشكلة جديدة تتمثل في التصحر وندرة المياه، فكان من الأولى أن نجذب شركات متخصصة لتعظيم الحصيلة الزراعية في ظل ندرة المياه والأجواء المناخية الجديدة التي تتمتع بها مصر”.
ويضيف: “الأولى من كل ذلك، أن تحصل مصر على القرض وأن تقوم هي بإنشاء المصنع بنفسها وإنتاج الأدوات وتصديرها مثلما تفعل الصين. يجب أن تبحث مصر عن مصالحها لا أن تنفذ مصالح دول أخرى لأننا نحتاج للأموال”.
ويتساءل: “هل أوروبا لا تستطيع أن تنتج الأمونيا الخضراء في دولها بما فيها من أنهار وبحار ومحيطات.. إذا أجبنا بلا فنحن نضحك على أنفسنا، كما أنه كيف سنستغل الكهرباء لنولّد بها أمونيا، والمصانع تغلق أبوابها بسبب نقص الغاز وانقطاع الكهرباء، وهل مصر درست الآثار السلبية للأمونيا”.
ويشير إلى أن الدراسات خلصت إلى أن هناك أضرارا بيئية على الحياة البحرية جراء إنتاج الأمونيا الخضراء”.
ويضيف “نحن صدرنا هيدروجين أخضر بـ80 مليون دولار.. لكننا رأينا كيف أن ذلك أثر بزيادة الرطوبة وأصبح الجو لدينا مثل دول الخليج، تحدثوا عن الطاقة الشمسية، لكننا رأينا كيف أن الخلايا الشمية تولد حرارة حولها ولذلك تكون لها أماكن مخصصة لعمل محطات للطاقة الشمسية، وكيف أن إنشاء كباري وطرق جديدة بالأسفلت كيف أدى إلى زيادة درجات الحرارة في مصر”.
“الاقتصاد لا يزال في مرحلة الإنقاذ”
وعلى افتراض أن هذه الاتفاقيات ستنفذ، يثار التساؤل عما إذا كانت هذه الأموال، وإن كان بعضها على هيئة قروض، يمكنها أن تعيد التوازن للاقتصاد المصري الذي لا تزال مشكلاته تراوح مكانها رغم الصفقات الاقتصادية الأخيرة وعلى رأسها اتفاقية “رأس الحكمة”، أكد النحاس أن “الاقتصاد المصري لا يزال في حالة الإنقاذ ولا يمكن أن نقول إنه مستقر”.
وقال: “نحن تحولنا من مرحلة إصلاح الاقتصاد في 2016 إلى إنقاذه بعد أن كنا ننهار بعد أزمة بداية 2023 قبل أن تأتي صفقة رأس الحكمة وتتدخل المؤسسات الدولية”.
وحصلت مصر منذ فبراير الماضي على أموال صفقة رأس الحكمة البالغة 35 مليار دولار، في شكل 24 مليار دولار تدفقات نقدية على دفعات، و11 مليار كانت في شكل ودائع في البنك المركزي تنازلت عنهم دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقال النحاس: “لا أحد يعلم بالضبط كيف تم إنفاق هذه الأموال. قيل إن نصف هذا المبلغ دخل في حساب وزارة المالية، لكن أرى أن هناك نتائج إيجابية حدثت من تدفق هذه الأموال لمصر، مثل صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي طويلة الأجل والذي كان يقدر بـ29 مليار دولار بالسالب، من بينها كان 11 مليار دولار ديون على البنك المركزي، اليوم أصبح الفائض لدى القطاع المصرفي 14 مليار دولار بالموجب، وهذه علامة رائعة للغاية، كما لم يحدث تنام للدين الخارجي للدولة المصرية من حينها والذي يبلغ تقريبا 168 مليار دولار، كما ارتفع صافي الاحتياطي النقدي الدولي في البنك المركزي المصري”.
ويرى النحاس أن الميزة الوحيدة من الإعلان عن توقيع الاتفاقيات اليوم أنها تمنح المصريين العاديين بعض التفاؤل وتمنح استقرارا لسوق الصرف، بعد أن كانت هناك إشاعات من جانب البعض بأن الجنيه المصري سيفقد كثيرا من قيمته بعد عيد الأضحى”.
يعتقد النحاس أن من وراء هذه الإشاعات بعض الأشخاص ورجال الأعمال الذين ادخروا دولارات وسيارات وأجهزة ويريدون تحريك الأسواق للحصول على مكاسب كبيرة.
ويشير إلى أن “مستقبل الاقتصاد سيتحدد في نوفمبر المقبل بناء على إن كانت هناك تدفقات للعملة الصعبة ومدى التزامنا بدفع أقساط وفوائد الديون وتنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي وبيع الشركات”.
لكن مع أزمتي الكهرباء المستمرة ونقص الغاز اللتين أدتا إلى توقف بعض المصانع عن العمل وعدم عمل شركات مصدرة بكامل طاقتها، يشكك النحاس في مصير تدفق بعض الإيرادات الدولارية والضرائب للدولة المصرية.
الحرة