بعد عشرية اتسمت بتطبيق سياسات الهيئات المالية الدولية الدائنة وعلى راسها صندوق النقد الدولي، اختارت السلط الوطنية التخلي عن هذا التمشي والتعويل على الموارد الذاتية للدولة بما مكن تونس من الخروج تدريجيا من دوامة التداين وتحسين توازنات القطاع الخارجي وتطوير سعر صرف الدينار اما اهم العملات الاجنبية.
ويعتبر النموذج النظري لصندوق النقد الدولي أن أحد العوامل التي تسبب عدم التوازن في ميزان المدفوعات هو سعر الصرف المبالغ في قيمته، مما يؤدي عمومًا إلى الدعوة إلى تخفيض قيمة العملة.
غير ان المرصد التونسي للاقتصاد يرى في تقرير جديد أصدره حول تأثير تطبيق سياسات صندوق النقد على سعر الصرف ان هذه المقاربة هي غير مستقيمة مبينا أن التأثير الأول المفترض لتخفيض قيمة العملة هو زيادة أسعار المنتجات المستوردة، وبالتالي تقليل الطلب عليها وذلك بالتوازي مع انخفاض أسعار المنتجات القابلة للتصدير، بما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.
إلا أن صادرات الدول التي تخفض في أسعار عملاتها استجابة لإملاءات صندوق النقد غالباً ما تكون عبارة عن صادرات من مواد خام يتم تحديد سعرها في الأسواق الدولية (بدون مكاسب إضافية) وتكون الواردات في اغلب الحالات كذلك من الضروريات الأساسية التي ينتهي بها الأمر، بسبب انخفاض قيمة العملة، إلى تكلفة أكثر للدولة والمواطنين، وفقا للتقرير.
ويلاحظ المرصد، من هذه الزاوية، أن طريقة فرض هذا الإجراء تطورت مع مرور الوقت حسب الدول. وكانت السلطات النقدية هي التي تحدد أسعار الصرف بشكل عام خلال المرحلة الأولى من التعديلات الهيكلي، الأمر الذي يتطلب بشكل مباشر تخفيض قيمة سعر الصرف.
ومع ذلك، قام صندوق النقد الدولي بملائمة مقاربته من خلال دفع البلدان إلى التحرك نحو أسعار الصرف الثابتة في سوق العملات بين البنوك معللا ذلك بأن سعر الصرف مبالغ فيه بسبب التدخل الكبير من قبل البنك المركزي.
ولم يعد هذا الإجراء واضحا بالقدر الكافي، وينطوي على طلب تطوير دور البنوك المركزية نحو قدر أكبر من الاستقلالية.
وفيما يتعلق بتونس، أوضح المرصد في تقريره أن الدينار شهد انخفاضا في قيمته خلال السنوات الأولى من الثمانينات، ثم بدا في الاستقرار نسبيا بحلول عام 1986.
ويأتي هذا الاستقرار نتيجة لوضعيتين متعارضتين: تخفيض قيمة الدينار الذي تم فرضه كجزء من إصلاحات صندوق النقد الدولي من ناحية وانخفاض قيمة الدولار الذي فرضته مجموعة السبع من ناحية اخرى.
منذ منتصف التسعينيات، تحول نظام سعر الصرف التونسي الى نظام سعر صرف عائم موجه، يتم تحديده في سوق الصرف الأجنبي بين البنوك بموجب قانون العرض والطلب، ولكنه مدعوم بتدخلات البنك المركزي للحفاظ على هدف معين في سعر الصرف.
لكن في ظل هذا النظام، يكشف التقرير أن سعر الصرف بدأ في الاتجاه التنازلي منذ عام 2008، وقد تسببت الاتفاقات المالية في 2013 و2016 مع صندوق النقد الدولي في الدفع نحو “استقلالية البنك المركزي” وبالتالي عدم تدخله في تعديل سوق النقد الأجنبي، وكان لذلك نتيجة مباشرة تمثلت في الانخفاض المفاجئ لقيمة الدينار الذي فقد ما يقرب من 50% من قيمته مقابل الدولار خلال 3 سنوات.
الأخبار