أظهرت بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي توقعات بدينامية “متسارعة” من المرتقب أن يعيشها الاقتصاد المغربي قبل حلول موعد تنظيم “مونديال 2030″، خاصة مع التأكيدات الرسمية ببداية الاستعدادات فعلياً في عدد من قطاعات البنية التحتية وأنشطة السياحة والخدمات.
ورسمت المؤسسة المالية الدولية، ومقرها واشنطن، ضمن أحدَث توقعاتها، “منحى متصاعدا” لنمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للمغرب، ليصل إلى 200 مليار دولار بحلول 2029؛ وهو ما يعادل “نسبة زيادة 39 في المائة عن العام الماضي”.
سنوات حاسمة
تعليقا على هذه الأرقام ودلالاتها، فضلا عن إمكانية تحقيقها، أكد رشيد ساري، خبير اقتصادي، أن “المغرب يعرف دينامية كبيرة غير خافية، ابتدأت من اليوم، في أفق تنظيم كأس العالم لكرة القدم سنة 2030″، متابعا بأن “انتقال الناتج الداخلي الخام من 144 مليار دولار إلى 200 مليار دولار احتُسِب بالأسعار الحالية؛ أي دون اللجوء إلى الطريقة الاكتوارية (أي تحيين المعطيات) في الاحتساب وفرضيات الاستشراف”.
وأضاف ساري، في إفادات تحليلية بسطها لهسبريس، أن “اعتماد طريقة تحيين المعطيات (اكتوارياً) ربما يجعلنا نصل إلى حوالي 220 مليار دولار”، مُرجعاً دواعي إمكانيات هذا التخطي إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها بحسبه “تقوية البنيات التحتية الأساسية، واستقبال المغرب مجموعة من الاستثمارات متعددة القطاعات والأنشطة، خاصة منها ذات الرأسمال الأجنبي”.
وشدد الخبير ذاته على “انتعاش مرتقب لأنشطة القطاع السياحي بشكل كبير في المغرب”، وزاد شارحا: “إذا كان القطاع السياحي يساهم بحوالي 10 في المائة في الناتج الداخلي الخام فإنه حسب التوقعات ومعطيات استشرافية يمكن لاقتصاد المغرب أن يصل إلى 12 في المائة عند متم سنة 2026 قبل أن تكون سنة 2030 وما بعدها سنوات حاسمة قد تضمن إمكانية بلوغ نسبة مساهمة بين 20 و30 في المائة لأنشطة السياحة وحدها”.
واستدل ساري على هذه “الفرضية المتفائلة” بقوله إن “البنيات التحتية التي تم فعليا الشروع في تَقويتها من الآن وإلى غاية سنة 2029 تدفع بالضرورة إلى تحسين مناخ الأعمال بشكل كبير ومتسارع، وكذا إلى انتعاش أنشطة مجموعة من المقاولات والدينامية الاستثمارية، خاصة تلك التي تعمل في قطاعات تقليدية، كالأشغال العمومية والبناء والسياحة، ولكن أيضا لقطاعات متعددة الخدمات وأنشطتها”.
وضمن قراءته الاستشرافية أكد المحلل ذاته أن “أفق 2029 سيكون شاهدا على بداية ظهور مِهن جديدة”، مردفا: “سنُصبح دولة لا تعتمد فقط على المداخيل الضريبية بقدر ما سيكون هناك إبداع في خلق ثروة من خلال الطرق المبتكرة للتمويل التي ستصير أكثر تدفقاً”، وفق تعبيره، وخلص إلى أن المغرب وعبر زيادة ناتجه الإجمالي المحلي قد يصير ضمن مصاف “دولة مُنتِجة”.
الصناعة والسياحة
على إيقاع التفاؤل نفسه، وتأكيد معطيات صندوق النقد، سار المحلل الاقتصادي يوسف الناصري إلى القول إن “ارتفاع الناتج الداخلي الخام الذي توقعه خبراء صندوق النقد الدولي لا يخرج عن إطار الحركية الديناميكية التي يعرفها الاقتصاد المغربي، خاصة من حيث المشاريع الكبرى المهيكِلة للبنيات التحتية، التي تدفع إلى نشاط بالنسبة للمقاولات الكبرى التي تعمل في مجال البناء والطرق والقناطر والموانئ… كما أنها تُشغّل أكبر عدد ممكن من اليد العاملة”.
وعزا الناصري، في تصريح لجريدة هسبريس، زيادة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة ليقارب 200 مليار دولار إلى “جني ثمار حركية الصناعة التي تتطور بشكل متسارع، خاصة صناعتي السيارات والطائرات وفروعهما”، وقال: “من المرتقب أن تزيد مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام المغربي من حوالي 20 في المائة إلى حدود 35 في المائة خلال السنوات الست القادمة”.
غيْر أن المحلل الاقتصادي نفسه، المتخصص في مجال المقاولات والتنمية الترابية، استدرك بالقول إنها “توقعات جيدة يجب ألا تُغفل عدم تضرر الاقتصاد بموجات الجفاف الذي يؤثر على دينامية الأنشطة الفلاحية، بحكم أنها مازالت ركيزة أساسية للاقتصاد المغربي”.
وتابع الخبير ذاته بأن “إعادة توسيع 6 مطارات على الصعيد الوطني، ونشر شبكة الجيل الخامس من الاتصالات وشبكة الإنترنت (5G)، مشاريع كبرى بطبيعتها معلن عنها مؤخرا، ومن المعلوم أنها تحتاج استثمارات جد ضخمة”.