عقدت منصة حرمون وملتقى الفكر المقاوم وندوة حرمون الثقافية ومكتب حرمون للدقيق والنشر والترجمة ملتقى حرمون الإبداعي الثالث بعنوان “تحية ووعداً لفلسطين – غزة” – الثلاثاء في 19 آذار الحالي (2024)، ولبّت الدعوة كوكبة من الشعراء والأدباء من لبنان وفلسطين وسورية والعراق والأردن والسعودية، وعلى رأسهم الأمين العام لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين الصديق الأستاذ الروائي والشاعر مراد السوداني الذي كانت له كلمة افتتاحية للملتقى.
الحلبي
وتحدّث ناشر منصة حرمون ومدير ندوة حرمون الثقافية ومؤسس ملتقى الفكر المقاوم الكاتب الإعلامي هاني سليمان الحلبي في افتتاح الملتقى، وقدّم الأمين العام لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين الصديق الأستاذ الروائي والشاعر مراد السوداني وخصّه بالتحية والتقدير لتلبيته افتتاح الملتقى.
وتوجّه الحلبي إلى الزملاء الشعراء والكتّاب، بقوله “كلكم غالٍ وعزيز، أحييكم جميعاً بأسمائكم وألقابكم وقاماتكم العالية”.
وتابع “مجدداً تجمعنا فلسطين لأنها البوصلة وواسطة العقد ومهجة الروح لكل منا، بلا استثناء، وحسبنا القاعدة الجوهرية أننا فلسطينيون يوم فلسطين ولبنانيون يوم لبنان وشاميون يوم سورية وعراقيون يوم العراق وهكذا مع كل الأخوة الأشقاء تجمعنا الروح الواحدة في التاريخ والحياة والمصير، نقف معاً ونقاتل معاً دفاعاً عن حقنا في الوجود والكرامة ككل الكائنات الحيّة التي تدرك شخصيتها وهويتها”.
واستطرد “نتشرّف في منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية ومكتب حرمون للتدقيق وملتقى الفكر المقاوم باستضافتكم، في سياق نضالنا الفكري والثقافي ليسود الجمال وينتشر الحب، وهذا دأبنا من 15 سنة.. وألتزم بتقييد الوقت مثلكم تماماً لحسن سير الملتقى راجين ان يوفقنا الله إلى أجمل ما نريد ان يكون. ونوصي الأحباء بالالتزام الدقيق بالتوقيت”.
واستدرك بقوله “لكن عندي لكم أمانة تحيّة واعتذار عن المشاركة من المحامي الشاعر اللبناني القائمقام صالح الدسوقي، ومن الشاعرة السورية لينا شكور بسبب المرض، ومن الشاعر اللبناني وجدي عبدالصمد بداعي انطلاقه اليوم بجولة خارج لبنان، ومن الأستاذ الدكتور رضا عامر من الجزائر لظرف خاص طارئ”.
وشكر الحلبي سلفاً كل من تعاون ولبّى وشارك، الأمين العام مراد السوداني والزملاء الشعراء والكتاب كافة والشاعرتين الإعلاميتين الزميلتين غصون زيتون ومارينا سلوم على تولّي تقديم الشعراء بالتناوب، والصديق الحبيب المعطاء عبدالإله الهويدي مديراً تقنياً للملتقى واستضافته في موقع غوغل ميت.
وحول تنظيم الملتقى قال ناشر منصة حرمون إننا نعتمد معيار الترتيب الأبجدي مع 3 استثناءات لأسباب صحيّة. وكلكم من أهل البيت لكم السلام جميعاً. وأرجو الاختصار لجهة توجيه الشكر في بداية المشاركات لأن الوقت المحدد بالكاد يتسع لقبس الجمال الذي به تفيضون”.
السوداني
وبعد أن شكر السوداني ناشر منصة حرمون وملتقى حرمون الثقافي والأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين الدكتور احمد نزال ونخلة فلسطين الشاعر محمود علي السعيد، وحيّا كل الذين لبوا و”كل الذين تنادوا إلى هذه اللحظة وهذه الأمسية بيوم الشعر العالمي وبيوم الثقافة الفلسطينية، محييا هذا التجاور الثقافي المعطاء”. وأكد أن “الثقافة مقاومة وأن من يقاوم ينتصر. وهذه قاعدة حتمية. وفلسطين على مدى مئة وعشرين عاماً لم تبرح بيت العزاء ولا جبل المواجهة ولا التنادي من أجل حق وحقيقة هذه الفلسطين”.
وشدد السوداني على: “أن ما تتعرض له غزة من محو وإبادة برسم الجميع على الشاشات والكاميرات المفتوحة. وهذا يتطلب من المثقفين الفلسطينيين أولاً، في الوطن والشتات، المسؤولية الواجبة لأنهم آخر القلاع، والمثقف أول القتلى وآخر من يموت، لذلك عليهم أن يضطلعوا بالمسؤولية، رفضاً لحالة الانكسار والتطبيع والقبول والرضا إمعاناً في مد المدى للدم الفلسطيني المنازل لكسر الصورة المتوحشة لهذا الضبع الاحتلالي صعداً نحو عمقنا العربي في ضرورة أن ينهض المثقف العربي والشعراء والكتاب والأدباء الذين منحتهم فلسطين كعادتها طيلة سنوات سابقة كل ما من شأنه أن يمد المدى بالعطاء والفعل والاحتضان في بيروت تحديداً لتكون حاضنة للفعل الثقافي العربي بل صعداً إلى الكون وهي تقود أحرار العالم من قلوبهم”.
وأضاف: “ونحن نقول ذلك لأجل حشد المثقفين كجبهة ثقافية تنهض من فلسطين وتؤكد في العالم العربي ثبتها على ثابت هذه الفلسطين صعداً نحو الكون في جمّاع الحرية الواجب بما يليق بفلسطين. وفلسطين هي كلمة السر للعالم. دونها لا سلام في هذه المنطقة إذا لم تنعم هذه المنطقة بالسلام بعد ان قتل أعداء السلام وأعداء السيد المسيح كل سياقات السلام على هذه الأرض”.
واستدرك “لذلك حتى لا أطيل بسطر واحد. نحن على سطر الثقافة والمقاومة لا حياد ولا انحياز. من أجل هذه الفلسطين مكتملة كاملة من حدها المذبوح إلى حدها المجروح مقاومة ثقافية لا يرضى نخيل سمائها بسماء أقل. فلكم كل المحبة والتقدير. من هنا من هذا التراب، كتابنا وأهلنا في غزة الذين يكتبون تحت سطر النار وسط التخلي الكوني لكي يؤكدوا ان الفلسطيني كاتباً ومبدعاً هو مقاتل يكمن خلف قلمه كما يكمن المقاتل خلف بندقيته. معاً من أجل كلمة واحدة موحدة تليق بالثقافة وتليق بالثقافة المقاومة في زمن التخاذل وزمن الرمل، لأن فلسطين هي المعنى الجليل والكبير في الزمان النذل وننتصر وهذه حتمية. فطوبى وطيب لكم. وهذه تلويحة قلب لكل واحد منكم باسمه ورسمه على كل قولة، هي فعل بالنسبة تصوّبونها نحو فلسطين. قضية وثقافة وفعلاً مقاوماً”.
وشارك في الملتقى حرمون الإبداعي الثالث 13 شاعراً هم:
- أ.محمود علي السعيد – فلسطين/سورية
- أ.حازم عجيل المتروكي – العراق.
- أ.مردوك الشامي – سورية/لبنان.
- د. انتصار الدنان – فلسطين.
- أ.أنور الخطيب – فلسطين/لبنان.
- أ.حمزة البشتاوي – فلسطين/لبنان.
- د.خلف الزهراني – السعودية
- أ.صباح عبدالله – لبنان/استراليا.
- أ.علي الجادري – العراق.
- أ. لقاء الصعب – العراق.
- د.محمد توفيق الرفاعي – سورية.
- .ابتسام الحروب – فلسطين/سورية
- وفاء الكردي – الأردن.
محمود علي السعيد
شاعر فلسطيني مقيم في حلب
1
صرخةُ الحمّى
أطلّتْ ملءَ نظرتِها عتابُ
ومرقدُها استبدّ به اضطرابُ
تنادي أين هم أحبابُ قلبي
على مرمى من الخطواتِ غابوا
تُركتْ على المفارق دون صبّ
يقلِّبُ جمرةَ الذكرى مصابُ
أخطُّ وصيتي سطرَ احتراقٍ
فيفضحُ قسوةَ الماضي خطابُ
صباحُ حدائقي أضواءُ شمعٍ
وملعبُ صرخةِ الحمّى ضبابُ
بقيةُ ما يجود به اخضرارٌ
من الأوراق يلفظُه الترابُ
موائد ما تبقى من صغارٍ
وبوحُ القبلة الأولى شرابُ
أيُعقلُ يا خطوطَ العمر تبقى
تقايضُ معبدَ التقوى قبابُ؟
أطيّرُ في الجهاتِ سؤالَ وجدٍ
فيشطبُه على عجلٍ جوابُ
نقلّبُ طرفَ أروقة التمنّي
وعقدُ الشمسِ يفرطه السحابُ
لماذا تُقفلُ الجبهاتُ قسراً
ويُثقل صدرَ كاهلها ارتيابُ
تقولُ: عجائبُ الأيام سبعٌ
أضفْ ما شئتَ فالدنيا عجابُ
شبابُكِ والقواربُ قبضُ ريحٍ
على مضضٍ يجسّدُه الشبابُ
ألا يا غزةَ التاريخِ صبراً
جميلاً إن أضرّ بكِ الصحابُ
عذارى وجنةِ الخلّان فجراً
يؤطّرها على خجل نقابُ
يضخُّ الجمرُ في الطرقاتِ ماءً
على قلقٍ من النجوى سرابُ
وتحت ضرارةِ الطعناتِ أضحتْ
تُبيحُ دمَ المصابيحِ الحرابُ
أطمئنُ نبضَ أوردةِ الصحارى
وقد سمقتْ بطلعتِها الهضابُ
على أفقِ التسامحِ باشتياقٍ
تشيدُ العروةَ الوثقى رقابُ
رجالٌ من عروقِ الصخرِ قوساً
بكلِّ طلاقةِ الأغصانِ جابوا
بطاحَ عواصمِ الوطنِ المفدّى
ومَن قطفَ الحقيقةَ لا يُعابُ
جدارُ الفصل مرهونٌ بقيسٍ
وقد ضاقتْ على الملأِ الثيابُ
أترضى في القِصاصِ يمينُ ليلى
وما ملكتْ يصادرُهُ الخرابُ
تململْ يا سليلَ المجدِ وصلاً
ليصدحَ ملءَ غبطتِهِ الرّبابُ
2
جمرُ الحنين
الليل كأسٌ والنديمُ هلالُ والهمسُ في قلقِ السؤال سؤالُ
أعيتْ نصوصَ الورد لفتةُ مُغرمٍ وبكتْ مزاميرَ الجراح نصالُ
وغزا الصقيعُ الدفءَ في أعشاشهِ ما عادَ في طبقِ الحرامِ حلالُ
وتقطعتْ وَلَهاً مسالكُ غربةٍ سمقتْ على غيماتِها الآمالُ
القاربُ المشتاقُ عرّشَ حوله من فرطِ ما اشتعلَ الهوى شلالُ
أجَّجتِ روحي يا ضفافَ مواجدي وغفا على جمرِ الحنين خيالُ
وتطايرتْ فوقَ السطوحِ براعمٌ لتضجَّ من ألمِ الفراقِ جبالُ
هيهاتِ يا ألقَ الديارِ يعودُ لي أفقٌ ترقرقَ خلفَه الموالُ
نزفتْ على الماضي أراجيحُ الصبا وأضاءَ مصباحَ النجومِ غزالُ
من بعد هجرِ الحلمِ أفرعةَ الندى هل تثلجُ الصيفَ الطعينَ ظلالُ
أخطو إلى المجهولِ خطوةَ مُدنفٍ فيها تتيّمَ بالجنوبِ شمالُ
الصمتُ أبلغُ صرخةٍ توّاقةٍ لمسامعِ التوصيلِ حينَ تُقالُ
أطلقْ جناحَ القوسِ في تسيارهِ صوبَ الحدائقِ فالربيعُ جمالُ
ومُحالُ أن يبقى القرنفلُ يشتكي هجرَ النسائمِ في الصباحِ محالُ
إقبالُكم من شرفتينِ على المدى يا كَمْ يتوقُ إليهما الإقبالُ
وطنَ الأصالة لو تجود بقبلةٍ الصوتُ أورقَ والصدى قتّالُ
والضوءُ طيّرَ من عميق شعورِهِ عبقَ الهواجسِ في الضحى يختالُ
أرشفْ رحيقَ العمرِ من عنقودِه واخلعْ أساك إذا جفاك منالُ
لا تعبأنَّ إذا الحرائقُ أُشعلتْ وهفا إلى شدوِ الرصاصِ رجالُ
واستصرختْ قممَ النسورِ مآذنٌ وسما بأولى القبلتينِ بلالُ
وتبرّجتْ في المقلتينِ جنازةٌ تزكو بزمزمِ طهرِها الأجيالُ
مَنْ لم يذقْ وجعَ الصبابةِ مرةً ويدقُّ صدرَ فؤادِه التجوالُ
يُمسي صريعَ وشايةٍ مجنونةٍ عصفتْ بلقمة عيشِها الأحوالُ
القدسُ في نعشِ السماء منارةٌ إلا إليها لا تشدُّ رحالُ
أنور الخطيب
شاعر فلسطيني مقيم في لبنان
آخرُ الجهات
أيها البحر، يا آخرَ الجهات الآمنة
لتكن دفءَ الناجين من جحيم اليابسة
أيها المنقذُ الرحيم،
أجّل رعونة موجك لغارتينِ فقط
وأمر وحوشَك بادعاء النوم واللامبالاة
عيونُ الغزيين شافعيةُ الرؤى
قلوبهم لازوردية النبض
ومشاعرهم كأطفال القمر
فافتح ذراعيك
كأنك تعانق حوريات الكون
وسطّر صفحة مائك
سيكتب الشعراء الغزيون قصائدَ عاطفيةً للغرق
هنالك حبر كثير سال من أرحام الشهيدات
ومن رؤوس العصافير وكؤوس الورد
ودمى الأطفال
أيها البحر، أيها المجنون الحنون
مارس مدّك مثل تسونامي النار
ولا تبالي
العطاشى ارتووا من الدخان
والجوعى قضموا المطر
والناجون يعومون على شاطئ المجزرة
كظلال القوارب المحاطة بالأحزمة الناسفة
قاموا كشجر مائل بعد ليلة القدر
لم ينفخ أحدٌ في الصور
لكنَّ الأموات الأحياء قاموا
عانقوا أحبَّتهم
ليأخذوهم إلى حفل الزفاف الأخير
لا ترقصْ أيها البحر،
خبِّئهم في مرجانك الأليف
في أصدافك المسحورة
واترك عنك الانشقاق
ليسوا في حاجة لتاريخ دمويِّ جديد
كن هادئاً كعاشقة دفنت زوجَها في غرفة نومها
لن يتحرّشَ بك أحد..
لا أحدَ سيرميك بالحصى
رغم أنَّك عصبيٌ بشهادة الريح
وانتظرْ عشرَ سنين أخرى
ليكبُرَ الشهداءُ المواليد
ويمارسوا السباحة من جديد
الدكتور خلف الزهراني
شاعر وخبير تربوي من السعودية
1
الصغيرة ودميتها
يَامَا تَفَطَّرَ بِيْ الفؤادُ ويَامَا
صَنَعَ الظَّلُومُ مِنَ النَّهارِ ظَلامَا
الخَوفُ أرعبَها فَغَطَّتْ دُميَةً
تَرجو بِها أمْناً لَهَا وسَلاما
نَظراتُها للكُلِّ تُرسِلُ عَبْرةً
وكأنَّها تَستَنْطِقُ الأصنامَا
لا تُكثِري يا طِفلتي مِن لَومِنا
لا تَقْطَعي بِحَديثِكِ الأحلامَا
أَرسلْتِ سَهماً غائراً لِقُلوبنا
بِبَراءةٍ لم تَعرِفِ الأوهامَا
قد كانَ حُلْمُكِ بالسَّعادةِ مُشْرَعاً
فأتى البُغاةُ وحَوَّلوهُ حُطَاما
يا ربُّ خُذْ حَقَّ الصغيرةِ مِنهمو
فلَقَد أشاعوا الفَتْكَ والإجرامَا
وأْذَنْ بِفَجرٍ صادِقٍ لِظَلامِنا
حتى نُفيقَ ونُرجِعَ الأيَّامَا
2
دوران الرَّحَى
وأُخبِرُ ظالماً أنَّ الزمانا
تَدُورُ رَحاهُ عدلاً واتِّزانا
يَعودُ الحَقُّ بَرَّاقَ الثَّنايا
وتُزهِرُ بَعدَ جَدبَتِها رُبانا
لقد عِشنا زماناً في سُباتٍ
فَذُقنا حِينَها ذُلًّا هَوانا
وقد هَرَعَ اليهودُ بكلِّ أرضٍ
إلى الأقصى يُريدونَ الأمانا
وما عَلِموا بأنَّا كلَّ يومٍ
كتابُ اللَّهِ يُعطينا بَيانا
بأنَّ الجُبنَ يَغشَى كُلَّ عِلْجٍ
وأنَّ الخوفَ يَغشاهُم عَيَانا
لقد صَدَحَ الكتابُ بكلِّ صدقٍ
بأنَّ يهودَ لا تَقوَى لِقَانا
وأنَّ المَكرَ والبُهتانَ طبعٌ
بِهِم، وعِداهُمُ للحَقِّ بانا
وأنَّ حقوقَنا سُلبَتْ وضاعتْ
لأنَّ القومَ أعطوهم أمانا
فصبراً يا فلسطينَ المَعالي
فَلَيلُ الظُّلمِ لن يَغشَى ضُحانا
سَنَأْتي نحوَ أقصانا حشوداً
نَدُكَّ البغيَ لا نَخشى عِدانا
مردوك الشامي
شاعر سوريّ مقيم في لبنان
1
نابُ المعنى
إليهم.. إلى ملائكة غزة وهم وحيدون في العراء
وتوغّلـوا في الأرضِ
جرحٌ ها هُنا روحٌ هناكَ
وملّحـوا كلّ البحارِ بدمعهمْ
واستولدوا المعنى من الطـوفانِ
واقتحموا السرابْ
كانوا حروفاً غادرتْ للتوّ جثمانَ الكتابْ
كانوا الولاداتِ العسيرةَ للمدى الغافي
وكانَ الجرحُ بابْ
هم روّضوا الثعبانَ
موسى لم يكنْ عرشـاً سماويَّ الملامحِ
لم يقلْ للريحِ كوني مُهرةً للغيثِ
كي يجري السحابْ
هو لم يكنْ أصلاً بهذي الأرضِ
هذي الأرضُ طاهرةٌ
وسالتْ من عيونِ النجمْ ليستْ من ترابْ
هو أنجبَ الأوغادَ وابتدعَ الجحودَ المســتبدَّ
وأطلقَ الوعدَ الخرافيَّ الخرابْ
هو كانَ أوّلَ من أباحَ الغــدرَ
أوّلَ شـرعةٍ للكيــدِ
وَحْياً من غرابْ
يا كذبةَ التوراةِ هذي القدسُ مهدٌ للمسيحِ
وشـرفةٌ للطهرِ عاليةٌ
وترتيلُ القبــابْ
مسـرى النبوّةِ نحوَ عرشِ النورِ
منعطفُ الطريقِ إلى الحقيقةِ
بذرةُ الريحانِ
سوسنةُ الثوابْ
يا كذبة التوراةِ “خيبرُ” أوّلُ الإفكِ المُبينِ
ولعنةُ الصحراءِ جاثمةٌ على المعنى
وهذا الحرفُ نــابْ
من كرّسَ الغيلانَ في فردوســنا الأبهى
ومن قصَّ الرقابْ
هذي فلســطينُ النبيّــةُ بيتُنــا الأدفا
ومزمــارُ الحفيفِ على الهضــابْ
والمسـجدُ الأقصى ابتداءُ اللهِ فوقَ الأرضِ
مئذنــةُ الفراشــةِ
واحةُ العصــفورِ
ناقوسُ الصــوابْ
واليومَ غـزّةُ طفلةُ المنفى تعودُ إلى الصلاةِ
على التباسِ العشبِ
ترفعُ سورةَ التكبيرِ
والتكفيرُ شــرعةُ كلّ أهل الأرضِ
مخصيّونَ حكـامُ العروبةِ
كلّهمْ رِقُّ البلاطِ
ونســلُ جاريةٍ تعرّتْ كلّها شــبقٌ لتغدو رايةَ الملهى
وســيّدةَ القِحــابْ
واليومَ غـزّةُ تصفعُ السكّـينَ بالجرحِ المبرعمِ
أشـرفُ الأوطانِ غزّةُ تدفعُ الأطفالَ نحـوَ اللهِ
ترفعُ فوق رمحِ الوقتِ عقربةَ السّـؤالِ
وحولها أممٌ شـهودُ الزّورِ
أعرابٌ بلا فعلٍ
تصيحُ الأمُّ فيها: يا ابنتي انطلقي مع الصاروخِ
يا ابني آخرُ الأنفاقِ قلبــي
فادخلِ الأضلاعَ واحفرْ
خلفَ هذا النبضِ شُــباكٌ
وخلفَ المـوتِ يبتدئ الشّـــبابْ
لا تنتظرْ أحداً
فقد باعوكَ في سـوقِ العروبةِ
كلّهمْ بقـرٌ
ونخاســونَ
لا ترجعْ فبيــتُ الأهلِ غابْ
واتبعْ فؤادَكَ للجليلِ
ولوّنِ المنفى بترتيلِ البنفســجِ
واكتبِ الأرحامَ ثانيةً
أخوكَ الأمسَ ودّعنا
وعمُّكَ في التلالِ مقطّعُ الأوصال
جدُّكَ غابَ في يافا قبيلَ الحلمِ
والدكَ الأسيـرُ مغبّشُ الرؤيا
براياتٍ كِذابْ
أسلمتُ قلبـي للصهيلِ
وقلتُ للخيباتِ كوني صهوةَ الشـكوى
وأغلقتُ الكتــابْ
بيروت 11\10\2023
2
العاصفه
كانتْ تصــبُّ الريــحَ
فوق العاصفــهْ
واسـتمطرتْ جـرحَ البلادِ
تمثّلــتْ
عكّـازةَ الرؤيــا
لتبقــى واقفـــهْ
كانَ الطريقُ مســربلاً
بالظــلِّ
مرّتْ خطــوةٌ فُصحــى على حبرِ الطريـقِ
وزقزقَ العصفورُ فوق السّــطرِ:
مرّتْ خاطفــهْ
واســتهطلتْ زمنــاً كفيفَ الوقتِ
هزّتْ نخلتيــنِ على الرمــالِ
فأنجبتْ تفّاحـةُ الفردوسِ أغنيـةً
ومـالَ الوحـيُ مِئذنـةً من الآهاتِ فوق العـازفـهْ
كانت تحـوكُ الخمـرَ شــالاً
للكرومِ
وتعجـنُ الأشواقَ في بئرِ الطحيــنِ
فتنثني خبـزاً شــهيَّ البوحِ في ثغـرِ النواقيسِ الغضـابِ الوارفــهْ
كانتْ تقـودُ المـوتَ نحـو النهـرِ
تصنعُ للشِّـباكِ الجائـعاتِ ضلوعَهـا قُــوتاً
وما كانتْ برغمِ تكالبِ الأشـواكِ يوماً خائفـهْ
عرّافـةُ التيجـانِ تقرأ في الرّمالِ السّـــودِ:
تأتي طفلـةٌ من هامشِ الخلجـانِ حافيةَ الجراحِ
وتنبشُ الواحاتِ مرضعةُ بلا ثديينِ
تبحثُ عن طريقٍ للحريرِ مضرّجـاً بالموتِ
يبداُ من فمِ الراعي ونايٍ ناشـفهْ
ويمرُّ من صندوقةٍ سـوداء يحفرُ للذئابِ طريقهـا المرصودَ
يرسمُ عالماً يشـقى
وآخرَ متخمــاً بقوافلِ الأحـلامِ فوقَ وسـائدِ التقوى ودربٍ سـالفهْ
عرّافة التيجانِ تقرأ في كتابِ الموتِ أنّ الموتَ فرصتُنا لنبقى صرخةً تعلــو
وكانتْ عارفهْ
وعلى الطريقِ إلى كنوز التبـرِ كانتْ غـزةُ الأطفالِ تمتلكُ الجهـاتِ
ومصرُ تدفعُ بالصّـواعِ لطفلةٍ تلهو بتلوينِ الفراشةِ
أقسـمَ الطاغوتُ: هذي الطفلـةُ الـ لمسـتْ جنينَ القمحِ سـارقةٌ
فعاقبهـا الزّنـاةُ وأحرقوا المرعــى وسـاروا في ركــابِ الغولِ
حينَ تقطّعتْ أوصالُهـا
ومضتْ تفتّشُ عن يدٍ تعلو
وعن قدمٍ لتمشي.. زاحفهْ
كانتْ تصبُّ الريحَ في أقداحِ دمعتها وتعلــو كي تُري للهِ لعبتَها البتولَ
وتشتري أمّاً لها، وأباً، سريراً خارجَ الدنيا وبعضَ تواصلِ الأرحامِ
وهمَ العاطفهْ
كانتْ تديرُ بكفّهـا المقطوعِ عقربةَ الزّمــانِ
وأمّةُ الأعرابِ تُنكرها وتفرطُ في انحناءِ الذلَ
كانتْ أمّةً تجثــو
وغزّةُ وحدهـا ماتتْ وظلّــتْ واقفــــهْ.
3
رايات البنفسج
ســتمرُّ أحوالٌ
وتمضي أزمنـــهْ
وتعـودُ تســعى في القفــارِ الأحصنــهْ
وتـدورُ أفــلاكٌ
على وســعِ المــدى
وتصيرُ راياتُ البنفسـجِ ممكنــــــــهْ
من رحمِ هذي الأرضِ
يخرجُ في غــدٍ
طفلٌ يغيّرُ في انزيــاحِ الأمكنــــــهْ
ســيُعيدُ لليخضورِ
قمحَ بهائنــا
وســيمنحُ الحقــلَ المشـاكسَ ســوسنهْ
ويقولُ للأنهــارِ
ماؤكِ من دمــي
ويصيحُ بالأشــجار: كونــي مؤمنـــهْ
وغداً تقومُ عن الصليبِ
جراحُنــا
والطيـرُ يبنــي في الجوارحِ مســـكنهْ
ويعــودُ نحوَ الأرضِ
ســربُ ملائــكٍ
والــربُّ يبنــي في الضمائر موطنــهْ
والناسُ تنضــو
كلَّ وجــهٍ أحمقٍ
والريحُ تغــدو والعواصــفُ دندنـــهْ
وســتحضنُ الناياتُ
كلَّ يتيمـــةٍ
وتصيرُ كـفُّ الثائريــنَ المئــذنـــهْ
وغداً ســننسـى
كلَّ فعـلٍ ناقصٍ
وتطيــحُ ســنبلةُ السّــنا بالمطحنــهْ
وسـتسقطُ الأسـرارُ
تحتَ ظـلالنــا
وتعودُ نبعــاً كــلُّ بـئـــرٍ آســـنـهْ
ســتمرُّ أحـوالٌ
فهـلْ يأتي غــدٌ
والشّـعبُ يكشــفُ أيّ تبـرٍ معــدنهْ
والأرضُ تحبلُ
بالسّــواعدِ والشــذى
لتعــودَ للفكــر المقاومِ ســـلطنهْ
في آخرِ الأزمـانِ
يعلو صوتُنــا
ليطيــحَ صوتُ الحـقّ عهـدَ الشـيطنهْ
حازم عبيد المتروكي
شاعر من العراق
1
إلى الشهداء من أطفال غزة الفقراء
سلاماً أيُّها… الملأُ الحفاةُ
شهادتُكم تُضاءُ بها الحياةُ
بكم دنيا فلسطين ٍ تسامتْ
ودنيا الغيرِ ذلٌ….. يا أباةُ
فأنتم صوتُ مَأذنةٍ تسامى
لتبدأَ بعد صوتِكُمُ الصلاةُ
وأنتم سحنةُ الأرضِ وطينٌ
قديمٌ قـــد تشرّبَهُ الفراتُ
وأنتم مثلَ لحْظاتِ اعترافٍ
وعمرُ الأرضِ يكتبُهُ الطغاةُ
وأنتم حالةُ الطُّهرِ المُزكّى
بتأريخٍ يعيثُ بـــه الزناةُ
وأنتم من كسا الدنيا جمالاً
عجيبٌ كيف يكسوها العراةُ
سلاماً يا دراويشاً سكارى
ومَن عاشوا على نُسكٍ وماتوا
عيونُكمُ شتاءٌ مستديــــــمٌ
وأعينُ غيرِكم صيفٌ فلاةُ ُ
أيا سفرَ المعالي والمعاني
بهِ يحتارُ مـــا يجدُ الرواة ُ
إليكمُ وجهة ُ الوطنِ المدمَّى
كأنَ بكم تجمّعتِ الجهاتُ
ملائكة ُ على وطن ٍ تغنّي
تردّدُ هاهنا ولدتْ حياة
هتافُ دمائِكم أبدا ً يدوّي
بغزةَ سوف يندحرُ الغزاة ُ
2
درةُ الشرقِ
(إلى البصرة الفيحاء)
أنخ ْ ركابَكَ في أرضِ التلاحينِ
فكلّ ما يعني هذي الأرض يعنيني
هذي الرمال رياضٌ ضاعَ زنبقُها
كأنَّ عاماً بها شهرٌ كتشرين
فاحتْ شقائقُ نعمانٍ معانقةً
بنفسجاً مولعاً عشقاً لنسرين
أنّى مشيتَ بها تلقى ابتسامَتَها
خريرَ ماءٍ جرى بين الرياحين
وهاهنا الشعرُ يرقى كلَّ منقبةٍ
راحتْ تُداعبُ أفواهَ المساكين
هنا انتفاضةُ شعرٍ راحَ صاحبُها
يُغيِرُ الشعرَ في بعض الموازين
تلكَ الموازينُ مثل السجنِ مُوصَدة
قد فكّها مُطلِقاً كلَّ المساجين
آهٍ لسيابٍ كم تُشجيني غربتُهُ
في الليلِ تنشرُني في الصبحِ تطويني
حتى تلَبَسَني في كلِّ شاردةٍ
في كلِّ واردةٍ مثلَ الشياطين
آهٍ لبصرتِنا الفيحاء ساكنةً
بخافقِي بين تحريكي وتسكيني
فالجاحظُ الفذّ ُ مَن كانت رسائلُهُ
للآنَ تُزهِرُ بين الرملِ والطينِ
يا درّة الشرقِ يا مَن عزَّ مطلبُها
شابَ الزمانُ وأنتِ بنتَ عشرينِ
يا تربةً عانقتْ أقدامَ سيّدها
إذ كان يعشقُها عشقَ المجانين
للآنِ تحتضنُ الفيحاءُ خطوتَهُ
حقيقةُ الأمرِ في صدقِ البراهين
تؤمُّها الناسُ آلافــــاً مؤلفةً
مرحى لخطوتهِ حبّ الملايين
يا بصرةَ الخيرِ كم تهواكِ قافيتي
مهما استبدَّ زمانٌ عنكِ يُقصيني
بلا عيونِكِ يـــا عشقي ومُلهمتي
ما نفعُ شعري وما جدوى دواويني
هامتْ بعينيكِ أحلامي وأخيلتي
يا من غفتْ بين ظهرانيكِ خمسيني
3
سلام ٌلدار السلام
بغدادُ صبراً حماكِ الواحــدُ الصمد ُ
يا مَـــن لقيتِ الذي لم يَلقِهُ بلد ُ
أين الغزاةُ الأولى ساموك غطرسةً
ها قد بقيت ِ ولــــم يخلدْ لهم أحد ُ
ما بين تيمرَ والمنصورِ أزمنــةٌ
بيضٌ وسود ٌ فذا روعٌ وذا رغدُ
ما بالُ عينيكِ شـــعَّ الحزنُ بينهما
كـأنَ بينهما أمسٌ ذوى وغـد ُ
أينَ المها فوق جسرِ الكرخِ شاردة ٌ
أين العيونُ التي بالحبَّ تتّقــــــد ُ
أين النواسيُّ والندمانُ يجمعُهم
شعرٌ وصهباء ُ قد طافتْ بها خُرُدُ
أيـــــــن الدواوينُ بالسُّمّارِ عامرةٌ
من التبغددِ ما نهوى بها نَجِــــــدُ
أيـــــن الذين لنيلِ العلمِ ما برحوا
من كلِّ حدْبٍ الى مغناك ِ قد وفدوا
حلّوا بساحك يا بغدادُ ذي نخب
لـــــــــم يثن همّتها لاحٍ ومنتقدُ
هم الكثيرون أشواقاً وأخيلة
هم القريبون إن بانوا وإن بَعُدوا
إسرافهم في الهوى طبعٌ ومَنقبةٌ
فاضوا حنيناً إذا ما قيل قد نفدوا
إذ كلما غابوا والتحنانُ أرّقَهم
جاءوا فرادى وفي أحضانكِ اتّحدوا
أيـــــن الجِنانُ التي كانتْ منشّرةً
كم راحَ يصدح ُ جـذلانا ً بها غَرِدُ
يا أم َّ دجلةَ والسحرُ الأنيـــقُ بها
حيث ُالجنائنُ لا خـوفٌ ولا رَصَدُ
فكم تعرّتْ على الشطآنِ عاشقة ٌ
بل كم تكوَّرَ من فرطِ الهوى جَسَد ُ
بيضٌ إذا العينُ عن بُعدٍ تَرَصَدُها
تـرى الضفاف َ عليها بُعثِرَ البَرَد ُ
كأنكِ تحفة ٌ فديـــــــاسُ صوّرها
للحالمين جميعا ً وهــــــــــو يَـتـَئِدُ
ودافَ طينتها باخـــــوسُ منتشيا ً
بالخمر ِحتى غدتْ بالحُسْنِ تحتَشِدُ
من بيت ِ حكمتها علمٌ ومعرفة ٌ
لـــــــــدارِ سابورَ سفرٌ حبْله ُ مَسَدُ
يا أم كلِّ عظيم ٍ مــــــن جهابذةٍ
شابَ الزمانُ وما زالتْ لهمْ تَلِـــــدُ
بغدادُ يـــــــا عشقَ آلافٍ مؤلفةٍ
كلٌّ لــــــــهُ مذهبٌ فيكِ ومعتقدُ
بغدادُ يا لوعةَ الأحرارِ في بلدي
من أيِّ بابٍ إلى عليائكِ أفِـــــــدُ
بغدادُ يا دارةَ المجدِ التي شمختْ
والمبدعـون على أعتابها سجدوا
بغدادُ حاضــــــرةُ الدنيا وزينتُها
وما عــداكِ كصفر ٍ مـــا له ُ عددُ
الدكتورة انتصار خضر الدّنّان
شاعرة فلسطينية مقيمة في لبنان
1
إنّا هنا باقون
اجتمعوا، ليحلوا قضيتنا،
يا للسخرية،
احتسوا القهوة،
وقهقهوا،
وربما شربوا نخبَ دمائنا.
بيوتُنا تقصف،
أرواحُنا تنتَزعُ من صدورنا،
أشلاؤنا تتطايرُ في الفضاء،
أطفالنا ركبوا الهواء أحصنة،
وسافروا، ورحلوا من دون
حقيبة.
صاروا كالطيور يسابقون الريح،
ليلعبوا فوق السحاب
وتحت ضوء الشمس.
هناك لن يُكرّرَ موتُهم،
هناك لن يشربَ أحدٌ نخبَ طفولتهم،
ولن تجتمعَ الأممُ المتّحدة،
وحقوقُ الإنسان، وجامعة الدّول العربيّة،
ليتسامروا، ليضحكوا، وليخرجوا إلينا
ببيان نعيٍ جديد اعتدنا عليه.
اقتلوا ما شئتم،
دمّروا هُويّتَهم،
احفروا في الأرض قبورَهم.
ادفنوهم بلا كفن (معليش)
غيّروا ملامحَهم،
فإنّهم لا يشبهوننا،
نعم، لا نشبهكم،
ولن نشبهكم،
فنحن الماضي، والحاضر، والمستقبل.
شنّوا هجومَكم كيّفما شئتم
قطّعونا، وصُفّوا أشلاءَنا على الأرصفة،
علّقوا أرواحَنا على ألواح التّنك،
وزفّونا، وارقصوا على أوجاعنا
لكنّنا،
سنعيدُ تكوينَ أصابعنا،
نكتبُ على الجدران حكاياتِ أرواحِنا الّتي
صعدتْ إلى السّماء
أنّا هنا باقون،
سيبقى ظلُّنا ينتشر عطرُه
من بين الزّهر والزّيزفون
والزّيتون،
ستظلّ قناديلُنا
تضيءُ فوق قبورنا،
وتغنّي، إنّا باقون.
2
ستنتهي الحرب
ستنتهي الحرب غدًا،
أو بعدَ غد، أو ربما بعد أشهر، بعد سنوات،
وسيداعبُ الموتُ وجوهَ الأطفال
على أطرافِ النّعوش،
وستبكي الأمّهات،
وتنتحبُ الفتيات،
ويعودُ بعضُ الرّجال من المعركة،
حاملين خلفَهم آهاتٍ وأوجاعًا،
وموتًا ودمارًا،
يبحثون عن منازلهم،
سيجدونَها منهارة،
لا صوتَ فيها،
ولا حياة.
ألعابُ أطفالِهم يغزوها الدّم،
وحقائبُهم يغمرُها الدّمع.
لا صوتَ في منازلهم،
يندهُ عليهم من بعيد،
لا أيدٍ تلوّحُ لهم من بعيد،
لا أحدَ ينتظرهم عند الأبواب
يسألُهم عن الألعاب.
سيفترشون التّراب،
ويركعون، يصلّون،
ليرحمَ اللهُ قلوبَهم الحزينة.
يركعون وينشدون أغانيَ صامتةً للأطفال،
للزّوجات، وللبيوت.
يتألّمون كالماء الّذي يحاصرُ السّفينة،
ويبسط الخوف جناحيه فوق المدينة الخائرة.
ستنتهي الحرب،
وستعودُ أنثى الحبّ، لتفتّش عن بقايا الحبّ،
عن المواعيدِ الّتي أكلها الموت،
ستبحثُ عن الزّهور، لتلقيَها فوق النّعش،
لن تجد،
لأن الحرب التهمتِ الورد،
ستكمش حفنة من ترابٍ ملأى بالحزن،
وتلقيها فوق النّعش، فوق الأحلام، والأمل والحبّ،
وتضمّ كفّيها إلى بعضهما،
وتضعهما على وجهها، وتذرف الدّمع.
ستنتهي الحرب،
وسيبحثُ الطّفلُ عن أمّه، عن أبيه، عن بيته،
عن أترابٍ له كان يلعبُ معهم في الحقل،
يذهب إلى الحديقة، ليشتري النّرجس، ويأكل الحلوى،
فيجدُهم باتوا جميعًا رمادًا أصفر، أو ربّما أحمر.
يركض نحو الحديقة،
فيجدُها فارغة إلا من صوت الحرب،
يركضُ نحو الرّماد،
تاركًا خلفَه الحبَّ والحلمَ والأمل،
وأخيرًا، ستنتهي الحرب.
3
وحدَنا
مَن يشتري الموت منّا؟
إنّني أشتمّ رائحة الموت
ورائحة الفزع
تنتشر في حدقات العيون،
ودمع الثكالى،
ووجع الأطفال،
مَن يشتري الوجع منّا؟
الحزنُ يحتلّني،
أحلم بأن أشعل أصابع الليل
أغنية تهدهد أسرّة الأطفال،
أحلم بعودة الندى إلى الدور المكللة بالدموع،
يحتلني الخوف، ولا أحد
يشتري الموت منّا،
لذا، دعونا نمُت وحدنا،
على مهل
أوقفوا نشرات الأخبار، ولا توثقوا صورَنا،
ولا تكتبوا مأساتنا،
ولا تندبونا،
دعونا نمُت وحدنا
كما كنا وما زلنا وحدنا
ودعوا التاريخ يفعل فعله،
ويوثق انتصارنا،
دعونا نمُت على مهل،
لأننا نموت وحدنا،
نجوع، نعطش، نعرى، نؤسر
وحدنا،
وينهشُنا تراب الأرض بأنيابه الخشنة،
دعونا نمُت وحدنا،
يمتصّنا المساء.
ابني بُترتْ ساقُه، والآخر يده،
والثالث فقد جزءاً من أذنه،
لكنه ما زال يسمع صمم العالم
عن وجعه،
دعونا نحلمْ بأن السماء ملكنا،
بعد أن لفظتنا الأرض
وارتوت بدمائنا.
أختي الكبرى استُشهد زوجُها،
وستةٌ من أولادها،
ولم يتبقّ لها غيرُ ولد بترت قدماه
وانعقد لسانه،
ونسي منزله وأمه وأخوانه.
دعونا نمت على مهل،
دعونا نبكي في ما بيننا،
دعونا نسِرْ إلى قضائنا وحدنا،
وبعد أن يسكت صوت القصف صفقوا لخيباتكم الكبرى
ورهاناتكم البلهى،
فنحن السرابُ القادمُ إليكم من كل الأنحاء
ونحن النور والنار،
نحن الورد والماء،
نحن النصر.
ونحن القضاء.
حمزة البشتاوي
شاعر فلسطيني مقيم في لبنان
زينة الغربة للورد والنسيان
على إيقاع تجلّيات رعشته الخفيضة
قال: الغريبُ
منذ خريفٍ مرّ وشتاءَيْن
حجزتُ أنا الحالمُ
ظلاً لظلي…، لنلتقي
في حرّ الصيف، كشهيقٍ راجفٍ ما بين غارتَيْن
وقال في نفسِهِ في غفلة من نفسِهِ
يا نفسُ تعالي
لنبكيَ مع كأسٍ من الشاي البارد وسيجارتَيْن
أنا الغريبُ الحالمُ بالصباحات التي تبدأُ بالبسملة
بالماءِ المعطّرِ بالصنوبرِ وتفاحتَيْن
ضممتُ في صقيعِ الغربةِ جسدي، لجسدي
والضوءُ كان لا يكفّ عن انتشالِ الحبق
إلى حيّزِ المنام
والمخيمُ الطافح يُقلقُ الكبريت
وأنينَ غيابِ الحمام
كان يطوّقُ أعناقَ الورد والصبّار والخوذات
بشعرٍ رطبٍ وشال
ووحدَهُ كان الغريب، يحمل كعادتِه
مظلةً من أغنياتِ غربته
وهو الذي يأخذُ دائماً في حفلةِ النارِ والدخان
كزائرٍ أو ضيف
فلَهُ أن يحميَ حكايته
من الضّجَرِ والحَرّ والغيم
وله أن يحميَها من عبثِ الرواة
وضروراتِ الحبكةِ والسردِ والضَّيْم
وله وَلَهٌ ناضجٌ في الحبّ وقراءةِ الكف
ولعبة النردْ
وله وَلَهٌ لماضٍ يورثه وغدْ
وله في العشقِ عشقٌ ومدْ
وحين كان الغريب الحالم
يحلم بانتصار الحدائق
وعداً صادقاً ووردْ
مرّت قرويّةٌ وزينتُها حمرةُ الخد
فقال لها الغريبُ:
أنا الذي لا يستطيعُ أن يقولَ أحبُّكِ… أحبّكْ
فزوّجيني لضحكة عفويّة ليكتملَ المنام
ويندحرُ كابوسِ الشوك والبردْ
ويحطّ على أسوار الحدائقِ دوري وحمام
وقالَ لها الغريب
مُدّي لي يديكِ كي أتعلّمَ الوصولَ إليكِ،
فإنْ تزوّجْنا نصبح أهلاً
وتضيق الفجوةُ بين دمارَيْن.
فمسحتِ القرويّة قليلاً من غبارِ ساعةِ يدِها
وقالتْ له: مهلاً
في ساعةِ الحربِ يحتلُّ البكاءُ موقعَه.
بالأغنياتِ وفناجينِ القهوة
ومزايا الرّخامْ
وسألها الغريبُ:
هل تموتينَ كما أموتُ كل يوم
من أجل ظلٍّ ورغيفٍ ونشيدْ؟
فقالتْ له:
أموتُ اليوم ومُذْ كان لي
ظلٌّ ورغيفٌ ونشيدْ
والأرضُ والمرأةُ يا غريبْ
يحتفلانِ دوماً بمواسمِ الخصوبةِ والدمْ.
فقال لها: إذاً تعالي الآن
نستبدلْ عشاءَنا الأخيرَ بالياسمين.
وتعالي نشدّ الخيلَ للماءِ علّه يشربْ
فأنا كما يشتهي السّمَرُ الناياتِ وأقربْ،
وأريدُ أنْ أكونَ مثلَكِ طافحًا باللوزِ والليمونِ والرُّمانْ
ولكنني غريبْ
وفي ساعةِ الحربِ
نصبحُ غريبَيْن.
علي محمد شوي الجادري
شاعر عراقي
1
صرخة غزة
أمّةٌ ملعونةٌ قادتها نعاجٌ
والكلبةُ تلوغُ في خيراتهم
تمارسُ الرذيلةَ
يرقصُ القوّادون فيها بنشوةٍ
لحظةَ تهرقُ دماءُ الشيبِ والطفولةِ
وتبقى غزةٌ عصيّةً
تمارسُ أحلامَها
تقاتلُ بفتيانها
وترسمُ الخرائطَ القديمة
من ألف عام ٍونيفٍ تزرعُ الزيتونَ
من الحدودِ إلى الحدودْ
وترسمُ فيها لوحةَ الحبِ
على جدارِ البُراق
هكذا التاريخُ سجَلَ
الرحلةَ الأولى
للنورِ والعرشِ
والمسجدُ الأقصى
يعانقُ السماءِ
بالدماءِ والعقيدة
2
صمتٌ مطبق
جئتكم من أبعدِ نقطة
من خلايا جسدي المجروح
لأقول..
وقوف دقيقة صمت حزنا
على وطني المذبوح
*
شعبي يُقتلُ دون حساب
وفنجان الشيباني يُنذر بالقادم أكثر
أين المهرب لا أدري
قِفْ فكلامُ الشاعرِ أخطر
إبليس يولغ بدمائي
يقطف أزهاراً وحِسان
باعوا الماضي باعوا الحاضر
ونحن سكارى لا ندري
همّنا في حب الأخبار
والنفط يُسرق بالفحوى
فغدٌ أفضل
نغفو قليلا
في الرؤيا
للثورة نخلق أحرار.
صمتٌ مُطبَق
اسمع همسا
نسمع همسا
للكعبة نصنع أستاراً
جاء الصوت بعيداً جدا
هذي فكرة
للمرأة حق التشريع
بقيت شعرة
ونضاهي كل البلدان
وطني
وطني مسروق منذ بزوغ الفجر
من آذار ومن نيسان
نمْ
إياك وأن تصحو
فرجال الدولةِ لا تقبلُ
الهو بعيدا
العب في عمق التاريخ
افعل كل الأشياء
ولا تفعل
قول الحق شهادة زور
اصمت فالصمت سلام
لا تكشفْ كلَّ المستور
بيت الربّ بيت ظلام
يكره دوماً اسم النور
القتل في كل مكانٍ
نحن صنّاع الدستور
وطني
مذبوح من أيام البعد الماضي
ثورة حبّ
من نور الله مسحته
قرص الشمس في جوف البركان
3
ألم ألم ألم
إِنَّ النِّعاجَ اليَومَ في القِمَمِ
وذَا القُرُونِ المَعقُوفَة
يَلبَسُ يومًا جُبَّةً
وَيَوم ثَانٍ فِي العَدَمِ
لا يُعرَفُ مِن دُنْيَاهُ
غَيرَ أ..ه وفَمِ
يَملأُ أَحشاءَهُ مِن حَشَاشِ الأَرضِ
وكالبَعُوضَةِ يَمْتَصُّ دَم
ذاتَ يَومٍ غَيَّرَ مِن هِنْدامِهِ
وارْتَدَى بَدلةً رَسْمِيَّةً
ياقَتُها مِنَ الحَرِيرِ
زَيَّنَها بِلُؤْلُؤٍ
وظنَّها مُزْدَانَةً مِن القِيَمِ
عَافَ أَبوابَ الجنَّةِ المَفتُوحَةَ
وبِمَالِ السُّحْتِ اشْتَرَى سَقَم
الشاعر صالح الدسوقي
شاعر ومحامٍ وقائمقام من لبنان
غزَّةُ المجد
يا غزَّةَ المجد، بل يا فخرَ أُمَّتنا
وفخرَ كلِّ شعوب الأرض إن فَخَروا
صمودُ شعبِك في التَّاريخِ معجزةٌ
وأهلُكِ الصِّيدُ ما ذلُّوا وما هَجَروا
تشبَّثوا بترابِ الأرض فاحتضنت
أغلى أحبَّتها حتَّى بكى الحجرُ
غداةَ.. يطلعُ من أرواحِهم قمرٌ
ومِن ثراها، ومنهم يزهر الشَّجرُ
تجمَّعت أممُ الطُّغيان زاحفةً
بالبَرِّ.. بالبحر.. فوق الشَّمس تنتشرُ
وحلمُ صهيونَ أضغاثٌ يراودُهم
ما غابَ إلًّا وفيه الغدرُ مستترُ
وزلزلوا الأرض، وانهارت بها مدنٌ
وسالَ بحرُ دمٍ في القدس ينهمرُ
وللسَّماء أنينٌ من قذائفهم
فيها جهنَّمُ بالنِّيران تستعرُ
تبغي اقتلاعَ فلسطينٍ برمَّتها
من الجذور فلا تُبقي ولا تَذَرُ
فاستنفرت “أكتوبرُ” الطُّوفان فتيتَها
لا يرهبون الرَّدى أُسْداً إذا نفروا
فثورة الشَّعب بالإيمان إن نشبَتْ
فليس يُرهبُها جِنٌّ ولا بشرُ
عادت فلسطينُ شمساً بعد غربتِها
وعاد مُنكِرُها يرجو ويعتذرُ
يا قدسُ طيفُ “صلاح الدِّين” أٌبصرُهُ
وفي الضَّمائر ما وصَّى به “عمرُ”
الحقُّ يُؤخذُ، لا يُعطى إذا بُذِلَتْ
له الدِّماءُ فلا جبنٌ، ولا خَوَرُ
لا يُحزنَّنَكِ أصنامٌ فما سمعوا
صُراخَ غزَّةَ، والأطفالُ قد نُحروا
والأمًّهاتُ ببحر الموت غارقةٌ
يا لَلنَّذالة مَن غابوا،.. ومَن غدروا!
ما العارُ في أممِ الطُّغيان باغيةً
العارُ في عَرَبِ ماتوا، وما قُبروا
لم يدركوا أنَّ إسرائيلَ إن حكمَتْ
أولى الضَّحايا هُمُو والمُلكُ مندثرُ
لكنَّه الشَّعبُ بالمرصاد ثورتُهُ
تَهدي إلى النَّصر صُبحاً حين تنفجرُ
يا غزَّةَ المجدِ شُقِّي للغزاةِ إذا
عادوا مقابرَهم مهما بدا الخطرُ
ولْترفعي رايةَ التَّحرير خافقةً
فالفجر آتٍ بإذن الله مُنتَظَرُ
الدكتور محمد توفيق الرفاعي
شاعر سوري
1
ستشرق الشمس
أيّها القابعون خلف الجدران
في جحوركم مختبئون
تنتظرونَ شروقَ الشمس
لن تشرقَ الشمس
لا لن تشرق الشمس
ما لم تخرجوا من جحوركم
وتفتحوا النوافذَ لها والأبواب
أسدلتم الستائر وأوصدتم دونها الأبواب
وأنتم في جحوركم خلف الجدران قابعون
واجمون كالبلهاء بلا عقولٍ مستسلمين
بالنعيمِ المفقود تحلمون
أوهمَكم الآخرون
بأن هذا قدرُكم المحتوم
فما عليكم سوى القَبول
فلا نهار لكم
وليلُكم سيطول
فعليكم بالصبر والطاعة
أغمضتم العيون
ونعمتم بنومٍ ملءَ الجفون
أحلامُ يقظة النهار تدغدغكم
كالبلهاء تساقونَ وأنتم تضحكون
بخدمة جلّاديكم قانعون
وبفتاتِ خبز يرونها
منها تملؤون البطون
لا لن تشرق الشمس
لا لن تشرق الشمس
ما دمتم خلف الجدران
في جحوركم قابعين
تنتظرون من يرفع الستائر لكم
ويفتح الأبواب
ولكن هيهات هيهات
سيطول بكم الانتظار
وأنتم تحلمون بذلك المارد الجبار
القادم من البعيد
قاهر الظلام
يحمل لكم قناديلَ الضياء
هلمّوا أنتم أصحابُ القرار
مزّقوا الستائر
حطّموا الأبواب
اخترقوا الجدران
إن لم تشرق الشمس
أضيئوا في عيونكم قناديلَ النهار
فلا بد أنكم منتصرون
والأغلال ستحطمون
وللحرية تنطلقون
ظلامَ الليل بنور الحقيقة تنيرون
2
غزة
غزة الجريحة لا تصرخي
فلا صوت يصل ولا أذن تسمع
تحمّلي الجراح صابرة
فأنت العزة ومن دونك عبيدٌ وأصنام
صلاتنا لأجلك ودعاؤنا
والله يعلم ما نروم ونقصد
دمُ الشهداء عطرٌ تعشقه الأرض
والله يعرفه أنه نورٌ وحق
كبّري غزة وزغردي
وشيّعي الشهيد شامخة
فقد لاح الفجرُ في الأفق
النصرُ من عند الله لك مؤزّر
والله لا يضيعُ عنده العهد
3
كاليجولا يعود من جديد
أُسدلت الستائر السوداء حول المحفل
حُجب النور وعمّ الظلام
دخل الهيكل
وأوقد لهيب الجمر الأسود
كاليجولا استحضر أرواح الطغاة
نيرون هيا قُم
أقم الصلاة لقداستي على المذبح
قدّموا القرابين لي وسبحوا بحمدي
أنا كاليجولا إلهكم شيطانكم الأكبر
نيرون هيّا
شكل جوقة التراتيل الشيطانية
من مسيلمة وأبي جهل وابن سبأ والزبانية
هيا رتلوا وصلوا لأجلي واسجدوا لي
أنا إلهكم إله الشر الأكبر
دوّت قهقهات أصواتها كأنها عجلات العربات
في طريق وعرة
افسحوا الطريق
سبحوا وأنتم لي ساجدون
أنا مخلّصكم مسيحكم الدجال
شيطانكم الأكبر
عُدتُ من جديد
كاليجولا يجلس على عرش نُصب على الجماجم
كاليجولا يرتل التعاويذ على المذبح
يعلن نفسه إله الشر والرذيلة
اسجدوا لي أيها الزبانية
يغطي الشمس بستار أسود
ارفعوا رؤوسكم
اشربوا دماء القرابين المقدسة
ثم زمجر وأرعد وتوعّد
قوموا أيها الزبانية
فأنتم جيشي الذي لا يُقهر
قاتلوا بسيفي وستنتصرون
أقيموا دولة الشر وسوّروها بالجماجم
أبو رغال ارسم لهم خارطة الطريق
نيرون أشعل الحريق
أحرق الكتب والكراريس
أبو جهل لن أوصيك
أطفئ كل نور وأقمع الضياء
ابن سبأ هيّا أوقد نيران الفتن
وازرع الغلّ في الصدور
مسيلمة نادي وقل تعالوا أيها الجاهلون
أفتي لكم ما كنتم تجهلون
وأبيح لكم ما كنتم منه محرومين
كاليجولا إلهكم الأكبر
أباح لكم كل محرم
كاليجولا يصرخ هيا أروني ما أنتم فاعلون
رسمتُ لكم الحدود
وعلى الجماجم عرشي يكون
يتعالى الظلم وتختنق الكلمات
تدوّي صرخة الألم من الصدور
يخترق الصمت القاتل
صدى الزمان
تتهاوى تحت أقدام الجلاد
والشياطين تشرب الأنخاب
فوق أجساد الشهداء
يخرج الشيطان الأكبر مرتدياً عباءة السلام
يحتسي أقداح الدماء
نخب الانتصار
يقيم دولة الطغيان
فوق أعمدة الدخان
تنتفض الجراح تمزق سكون الليل الأسود
يمتشق الحقُ سيفه ويشقّ الظلام
تدوي صرخة الحق
الله أكبر
لن تدوم للظلم دولة
وعلى الظالم تدور الدوائر
ها هو نور الله ينير درب جنده
يعلو التكبير فيضيء شمعة الانتصار
يتهاوى معبد الشيطان تحت أقدام الأحرار
كاليجولا عُد تحت التراب
خالداً في سعير الجحيم
وينهار هيكل الجماجم
فنور الحق عاد من جديد
وفاء علي الكردي
كاتبة وشاعرة ومدربة من الأردن
1
أمّ الشهيد
أنا أمُّ الشهيد ككلِّ الأمهات أنتظرُ عُرسَك يا ولدي
حملتُكَ في أحشائي بشوقٍ لرؤيا شروقِكْ يا فلذةَ كبدي
رعيتُك كالزهرِ بحنوِّ كفّٖ، ترافقُك عيوني بكل دربٍ تسلُكه يا نورَ قلبي ونظري
أعددتُك للوطن فداءً لثرى الأجداد والأمجاد
لتحميَ الكرامةَ ورايتي
لا فرحَ لنا ولا بهجةً طالما صهيونُ للأرض
وللقدسِ مدّنسٌ ومُغتصبٖ
أنت فداءٌ وما متّ، ولكنك للشهادة رُمتَ فنلتَ
يا دمعة الفؤاد يا خيرَ منقلبٖ
زفّتْكَ ملائكةُ السماء في عرسٍ بهيجٍ علتْ أفراحُه العنان وزينةُ الخيلِ وزغاريدُ كل مرتقبِ
للفرحِ تعلو زغاريدُ النساءِ تهنئُني
أنا أمُّ الشهيد
أزفّ ولدي للجنان
عريساً يرفل بالبياضِ
تاجُهُ مرصّعٌ بأحمر الدم الطهور يرتقي
درجاتِ العُلى في الفردوس الأعلى
لتبسم إبراهيم وأحمدٖ يرحّبون
بشهداء الأقصى وللنصر يبشّرون
الأمة قريباً اليومَ أو غدٖ
أنا أم الشهيد أرفع الرأس وللذل لا أنحني.
2
نداءُ الوطن
قالوا هي عروس مقدسيّة
قلتُ هي الكرامةُ العربيّة
قالوا قَبْسٌ من جبل النار
ينير الآفاق
قلتُ هي جبهةُ أبي الأبية
قالوا هي جديلةٌ من مجدل شمس
قلت جديلةُ أمّي الذهبيّة
قالوا عروسُ البحر غادة سمراء
قلت مسقطُ رأس حبيبتي البهيّة
قالوا غزة هاشم خِنجرٌ في خاصرة
العدو
قلتُ بكفّ أبناءِ الثوارِ استوطن
واستيقظَ الحقُ في مهج النشامى والحَميّة
قالوا قضيّة فلسطينية،
قال ابي بل هي
وجعُ كل الإنسانية
قالوا إنها سايكس بيكو وأوسلو
قلت بل هي خيانة
مَن كُبِّلوا بالعار والعنجهيّة
قالوا صفقةُ القرن، فاستبشرَ المؤمنون خيراً
ستجمعُهم الدنيا ببيتِ المقدسِ ليومِ خلاصِ البشريّة
هذا نداءُ الحق نداءُ وطنٍ تستجيبُ له البرية.
3
بقايا الأمس
كنّا وكانْ
فرحٌ وزهرٌ ورمانْ
أملٌ أزهرَ في قلوب الشبيبه
كنا وكانْ
حلمٌ جمعيٌّ يجمعُنا في كل
مكانْ.
هدفُنا الحريّة وصحوةُ الحقيقة
كنّا وكان
زمنُنا يُقال عنه ذهبيُّ المقامْ
لكنه تجويعٌ وقهرٌ وتعتيم إعلامْ
لطمسِ الحقِّ من أجل القضيّه
كنا وكانْ
أشلاءٌ ومعاركُ مع طواحين الهواء
كنا وكان
العمرُ يمضي حتى وصلنا لربيع
أحمرَ قانِ
فقتلَ القضيه
كنا وكان
تراثٌ نتشدّقُ به
ونحن هُنَّا وهانْ
شأننا في أرجاء البسيطه
دَرْكٌ ووحلٌ وحجرُ صوّان
تحوّلتْ قلوبُنا إلى نار
أُوقِدتْ فتجمَّرتْ وأصبحتْ دُخان
ما أشبهَ اليومَ بالأمس
يا طويلَ العمر وبهيَّ المقام
كنا وكان
الغدرُ والخيانةُ في الخفاء
واليوم فضيحةٌ في العلن بلا حياء
آأخبرك يا صديقي
عن بقايا الأمس هي أنا وأنت
بقايا إنسان
تحيّة للوحدة ولحمة الدين والشرف
كان لنا عنوان
هل ما زلنا اخوان؟!
ام أعداءً تسربلتْ بلبوس الحِملان؟!
لا ادري من نحن فكلنا تحت رحمةِ الرحمان
وحكمِ الزمان
كنا وكان
بقايا الأمس حكايا في كتاب
ونحن لا زلنا نترحّم على من عاشوا في غابر
الأزمان.
رحم الله عمراً ورحم الله علياً وباقي الصحب
والخلان
كنا وكان
قلبي دمشقيّ اللحم والدم
مقدسيّ العقيدة والإيمان
وشراييني في الفُرات ودجلة
تسري دمًا يسقي العربان
ودمعي في النيلِ يجري فيه مغتسلٌ
يشفي المرضى ويروي الضمآن
وعيوني تحفظُ صورَ انتصاراتِ الملأ
وجليلي المنصبِ والمقام
أنا العربيُّ في وطني غريبٌ
مُطارَدٌ في كل مكان
تهمةٌ ألصقت بي زوراً. إرهابي أنا
وكنتُ الضحيّة والمشرّدَ مطرودا
من أرضي وليس لي سماءٌ ولا ارضٌ
ولا أوطان
كنا وكان
عجزَ القلمُ ورُبطَ اللسان
ما أكثرَنا اليومَ وغثاؤُنا غطى المكان
يتلاشى سريعاً عاشقاً النسيان..
سلامٌ علينا يا صاحبي
فقد هنّا وكنا وكان.
لقاء الصعب
شاعرة ومربية من العراق
1
عزة أكتوبر
ودوّت صافرة الإنذار
نيران تتبعها نيران
حمم تتطاير وشرار
وأناس باتت تحت ركام منازلها
ما بالك أكتوبر أرعبت العالم
وتصدّرت عناوين الأخبار
طفولة ودّعت أحلامها
عروس زُفّت للجنه
…لا كفن.. لا لحد… لا توديع
كل اللاءات تلاشت
تشرين ما عاد شهرا
صار عمرا، صار دهرا
كيف تحوًلت حطاماً ودمار
لأجلكِ صلَت كل قلوب الأرض
غنت، وانتفضت..
قولي.. كيف يكون العز دونك
يا أم الثوار
ستعود مآذنك تصدح
أجراس كنائسك تفرح
وكراريسُ مدارسك تحكي
للأجيال بطولات سطرها بالفخر الأحرار
2
كلنا غزة
وأسدلوا ستائر الظلام
وهاجر الحمام
مسراك أيها الحبيب ما عاد وطناً
فكلُّ ما فيه حطام
ومَن سينشد النشيد؟؟!
“أصبح عندي الآن بندقية”
وما عادت القدس مدينة الصلاة
فكلنا نيام
فالجياع ملأوا البطون
وتخمة أصابت السمع والعيون
وأدركنا بعد الفوات
بأننا أخوة يوسف
وأن الذئب أكلنا وأكل يوسف والشياه
ونحن عصبة غفلنا حتى عن أنفسنا ما عدنا نطالب بالحياه
أي ركود أصاب همتنا غيرتنا
عزّتنا
كنا أمة عربيّه
أصبحنا اليوم بلا هويه
لك الله فلسطين حماك الواحد القهار
ما بأيدينا غير الدعاء
فلسنا أصحابَ القرار.
3
قوافل الشهادة
قلوبٌ ترقب
قلوبٌ تأتي وأخرى تهرب
وأحلام الصغار ما زالت معلقة على أعتاب مدينتي الجميله
التي كانت ذات يوم جميله
وصناديق تحمل على أكتاف النساء
ومازال ذالك الرجل العجوز ينتظر ولده الغائبَ منذ أعوام
ولن يجرؤ أحد أن يُخبره بأنه
لن يعود
ما ذنب أعمارنا تنتهي من قبل أن تبدأ
وما ذنب أحلامنا تظلّ قيد الانتظار
هم.. يظنون أننا لا نملك شيئا
لكنهم خسروا الرهان
نحن أخذنا معنا الأماني المعلقه
وحفنة تراب من مدينتي
وقطعة قماش نقش عليها
الله أكبر.
4
لعبة الكراسي
كانت لعبة مسليه
نلعبها ونحن صغار
ندور حول الكراسي
وعند سماعنا التصفيق
نسرع راكضين نجلس
على الكراسي
ومَن يظلُّ واقفاً يخرج من اللعبة خاسرا
وكبرنا.. وأدركنا أنها ليست للصغار
بل كنا نتعلّمها ونتدرّب عليها
فحين نكبر ستكون هذه
مشروع العالم الجديد.
..وإطلاق النفير من حرمون
وإذ تشكر منصة حرمون وملتقى الفكر المقاوم وندوة حرمون الثقافية ومكتب حرمون للتدقيق والنشر والترجمة، كل الأدباء والشعراء الأحباء الذين لبّوا الدعوة، منوّهين بدعمهم لإعلاء حق فلسطين وانتمائها القومي والمشرقي العربي، وحق أهلنا في فلسطين وغزة بالحياة والوجود الكريم، نطلق النفير لشعراء أمتنا كافة وأدبائها، لنلتفّ جبهة واحدة منظمة مؤثرة، على مدى العالم العربي وما يعدوه، بتكثيف الملتقيات والندوات والأمسيات وتنظيم العرائض الحقوقية للمثقفين والشعراء والأدباء علنا نرفد شعبنا بالمزيد من العزيمة ومقاومينا بالمزيد من البأس ونقرّب النصر ولو دقيقة واحدة.