وفاء علي الكردي
كاتبة ومدربة من الأردن
سألوني لماذا عند الأزمات والنوازل يصمت قلمي وينكسر ويعجز عن التعبير والبوح؟! قالوا: لماذا تصمتين وتمكثين في البيت حبيسة الأحزان رفيقة الاكتئاب؟!
حتى أنا لا أدري الجواب.. تغضب مني صديقتي تصرخ في وجهي: كما تكتبين عن الحنين والأشواق لماذا تعجزين عن الكتابة للأرض للوطن.. للشهداء.. للأشلاء؟! تحدّثي عن أم ثكلى وأخت لوعى وأب مكلوم وقلب محروق.. وجدار مهدود وسفينة مثقوبة ووطن محبوس..
حدّقت فيها وقلت لها بعد برهة: أبعد الطوفان حديث.. شعر.. قصيدة.. معلقة.. هههههه.. رواية.. لقد لخّصت لنا غزة الحكاية، وجرف لنا الطوفان كل الأرض واتضحت المعالم وعرف من هو النذل، والمنافق والصديق وعرّيت هيئات الدنيا وبان للأعين عهرها وفجورها وكذبها وخداعها..
بان العربان على حقيقتهم وتمخضت التجربة عن زيف العروبة وأخوّة الدم والتراب، ولم نعد نطرب بنشيد بلاد العرب أوطاني، فلم تعُد لنا أوطان، ولم يعد لنا شيء سوى الخذلان، وخيبة الأمل .
كانت صفعة قوية لنا كشعوب عشنا عقوداً في وهم الحشد وشد الحزام وتحمّل التجويع والترويع لأجل قضية..
إنها كالكرة تقاذفها الجميع ثم ألقوها بعيداً عن مرمى العين وملوا اللعب فغادروا الميدان.. هذه الصفعة قد جعلتني أفيق من حلم أبقانا عقوداً في غيبوبة معتمة تشدّنا للقاع، كنا نظن أنه حلم عربي فإذا هو كابوس جمعيّ غيّبنا في دوائر من الخوف أعجزنا.. ثم جاءت صفعة الطوفان ومن شدتها ذهلنا، أدهشتنا.. تسمرنا.. ثم عرفنا الحقائق تتجلى بوضوح على صفحات مرايا الماضي والحاضر والمستقبل.. لم نعد نرى أنفسنا من خلالها لقد تلاشينا.. من هول الصدمة عجز قلمي عن التعبير عن ما رأته العين أشلاء أطفال، أكفان.. أمهات تقمّط أطفالها وتغني تصحبهم أغنيتها وصلواتها إلى قبور العبور إلى الجنة إلى الله.. لم يفرّق الوحش الكاسر بين أحد، لقد حصد بآلة القتل التي تمترس خلفها الجبان، لا بين طفل رضيع أو بين أطفال المدارس وبين مستشفيات الأطفال.. بل قصف الألعاب والكتب والحقائب المدرسية.. قتل المتعب الفقير والرجل الذي تركض أمامه كاميراه ليلتقط صوراً تذكارية لعائلات بأكملها قبل أن تغادر وتستقل الطائرات العابرات الفردوس الأعلى. إنهم رواد الفضاء شعب غزة يغزون الفضاء غادروا زرافات وأفراداً غير آسفين على ما تركوا.
ماذا أكتب بعد الماجدات الغزيات اللواتي كتبن أسماء وبيانات الأبناء على أجساد فلذات الأكباد عندما يصبحون أشلاء لتلملمهم وتعرف مَن هو قطعة منها لتواريه التراب لتقبله لتحميله رسائل الى الله.. سيخبر أطفالها الله كل شيء..
يا صديقتي.. ماذا أكتب؟! بعد جميعكم تعرفون الحكاية، وشاهدتم تفاصيلها، فليس بعد الرؤية الحقة.. كلام ..
تكسّرت الأقلام ..
لا زالت اكتئاباتي مستمرّة.. ولا زلت رهينة المحبسين..
#وفاء #علي #الكردي
لإعلاناتكم في منصة حرمون يرجى الاتصال واتس:
0096176920208
وللانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat. whatsapp. com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat. whatsapp. com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام:
راديو حرمون:
https://onlineradiobox. com/lb/haramoon/?cs=lb. haramoon&played=1