عفاف البعداني
أتعرف أيها الأسيف؟!: منذُ أن فقدت ذاكرتك، لجأتُ لأرعاك رعايةً خاصة، وكأنني أعيش معك قصة ملحمية صادقة، أقرأ روايتك بتمعن مزدلف، وبحس يقظ وكأنك مسؤوليتي الوحيدة في هذه الحياة، أقلب الصفحات متوعّدة، ومنهكة التفكير، ما الذي سيحصل لك جَراء تلك الحقن المتتالية؟! هممت أن أذكر أسماء رُفقاءك الماجدين معك في ذاك النفق… وصل بي الأمر أن أسبّ قراصنة العقل، المذكورين في روايتك، وكأنهم أعدائي في غسقان الواقع، وكل هذا مجرد نصب خيال لا محال من وجوده، فخٌ وقعت به عن غير قصد، هممت أن يلاحظ من حولي تلك الدموع الغارقة آخر الليل، والشعور الفيّاظ وأنا أدقق النظر لشخصيات روائية لا غير.
ولم يكن يكتمل يومي إلا وقد استنشقت من الظلمة ضياء ومن العتمة نوراً يتوهّج بخيال واسع لا يصله عامة الناس عبر أثير الكتب، لكنّ كتابك اليوم مختلف، مرّت شهور وأعوام وأنا أبحث في الكتب علّي أجد ضالتي ومجرّتي في الشعور، ووجدت سطوراً متعبة تشبهني وتتشابه معي كأنها الكاتب وأنا الرواية، كأنك الحياة التي تعرف طريقها إلي وأنا الكائن الذي يحتوي هذا الواقع بكل تلاؤم دون أدنى تمنّع، أشياء تهمّني معرفتها ولا يفوتني تعقّبها فهي تقبع في مكان اسمه الذاكرة، وأنا أحبّ الأشياء المخبوءة التي لا يراها أحد بسهولة، وأتجنب المطفيات الزائدة، أحب التجذر والتمعق والتعملق في جوانب الحياة المطمئنة.
وأعلم جيدًا، أنه مهما كُنّا بحاجة لنسيان أشياء كثيرة! تبقى هناك أشياء لا نودّ أن ننساها مطلقاً، نريد أن تبقى للأبد، تحسُّ في مشاعرنا وترتكز على شيء قويّ في داخلنا يُدعى المنطق وقدرتها على مواجهة صعفات الحياة بكل حذر وحيطة، تلمع فينا كنجوم وهي بعيدة، لايقترب منها أي أحد: هي نجمة والنجوم عادةً متفرقة ولا تقترب؛ حتى القمر رغم جماله يظل عزيزاً روحياً لها من بعيد وأنّى له أن يجيئها، لذا كلنا نتذكر أشياء كانت سبباً في تعاستنا فنتجنبها منذ طفولتنا، وقد نتذكرها لنعيد بسمة فقدانها منذ أيام لنبتسم ملء أعيننا، نتذكرها لحاجتنا الماسة لأي فرح، دون الحاجة لتلك الفيروسات التي أنشأها النفسّيون بحجة تقوية الذاكرة. إنها معجزة وضعت في كل إنسان، تلخص أهم صفاتنا وتنشئنا أقوياء أشداء مهما أكلتنا وحشية التجارب وصفعتنا عتمة التوقعات، تحفظ لنا كرامتنا وتعيد لنا مفهوميتنا لكل من حولنا، وترتبهم حسب الأولوية.
بواعث الروح أيها الأسيف، لا تتركنا وإن حاولنا تركها، تمتد معنا منذ الطفولة لتنشئ لنا سيناريو بديعاً يحكي تفاصيلنا المنبثقة والمتنوعة من عتمة النسيان، ننسى الكثير منها لكن المؤلم يبقَى فينا إلى الأبد، لا يبليه إلا فرح في الجهة المقابلة، هو يحمي مناط العقل من التآكل المستمر لأصوات الذاكرة للوقوع في حافة الجنون والاكتئاب، لكنه لا يمحي أياً من اللحظات السيئة، وهو في الوقت نفسه ما زال يحتفظ بكل تفاصيلنا الجميلة والعالقة في كل زاوية من ذاكرتنا، لا نريد أن ننساها ولو كنا قد نسيناها لكن بكل لطف ومعية تبقى وتُمحى.
لإعلاناتكم في منصة حرمون يرجى الاتصال واتس:
0096176920208
وللانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام:
راديو حرمون:
https://onlineradiobox.com/lb/haramoon/?cs=lb.haramoon&played=1