مأمون ملاعب
(كاتب سياسي)
مسألة الدروز هي مسألة ثقافية تتعلق بالإيمان والسلوك وهي حساسة ولا يقاربها على حقيقتها أحد حتى لا يقع بالإحراج أو تحاشياً من هجوم مضاد.
في أصل المشكلة أن التوحيد هو دين، وأقصد وبالتحديد، ليس مذهباً إسلامياً. وبما أنه وجد بعد الإسلام ومن رحمه لذلك يعتبر عند المسلمين، أهل السنة تحديداً، حالة ارتدادية تتطلّب التكفير. يصرّ العديد من رجال الدين الموحدين على أن الدروز هم مسلمون وما قام به السيد عبدالله التنوخي هو ربط دين التوحيد بالإسلام، وخصوصاً ما يتعلق بالتشريع وأحوال الزواج والطلاق والموت والميراث وغيره، وتظاهر الدروز على أنهم محمديون.
اتخذ الدروز ما يعرف بالتقية مسلكاً، خصوصاً بعد ما تعرضوا له في مصر من تنكيل وأقفلت الدعوة وأكملت بسرية وتقية. هذا السلوك، التقية، أعطاهم ديناميكية التعامل مع الآخر يظهرون ما يحتاجون ويعملون على الحفاظ على بقائهم وممارسة إيمانهم بانغلاق ولا يتصادمون مع أحد إلا إذا اضطروا.
كانوا مع المماليك ثم اختار فخرالدين الاول أن يكون مع العثمانيين ضد المماليك فأمّن الحماية لهم. ثم ضد العثمانيين أحياناً وتطول القصة.
المشكلة أن القيّمين من رجال الدين الموحدين لا يدركون أن عقيدتهم وإيمانهم وحتى سلوكهم معروف كلياً لمن أراد الغوص والدراسة عنهم، خصوصاً أصحاب الدراسات في مشاريع الاستعمار الغربي والصهيوني، ولذلك فإن الاحتلالات الغربية على أنواعها تعرف جيدا كيف تستثمر في الدروز وغيرهم من الطوائف خصوصاً المسيحية.
بعد احتلال فلسطين استثمر العدو اليهودي بدروزها، وبما أن حاجتهم وغايتهم هي ما ذكرت أعلاه، فقد أمن العدو لهم هذه الحاجة مدعيا حمايته لهم ولمعتقداتهم، تجاوبوا معه من أعلى مرجعية حتى أصغرها وما زالوا.
هذه المسألة المعقدة بسبب أن الهوية الوطنية والقومية ضاعت عند معظم شعبنا، وليس عند الدروز فقط، وتحوّل الانتماء إلى ديني أو مذهبي وهم على ذلك أسوة بالآخرين. كذلك تعاملت الطوائف المسيحية،عموماً، تحت قيادة الانعزاليين مع العدو إبان الحرب الأهلية ثم خلال اجتياح لبنان. وعليه ليس لهم من عدو الا من يقمعهم أو يتدخل بشؤونهم أو يحاول اقتلاعهم من أرضهم.
الموحّدون الدروز قدموا تاريخاً ناصعاً مرات عديدة ووقعوا بفتن مرات. هم من واجه ابراهيم باشا في السويداء وتغلبوا عليه، وهم من ثار على الفرنسيين وأربكوهم. هم بقيادة فخر الدين انتصروا على السلطنة وحاولوا الانفتاح على أوروبا من أجل الاستقلال، لكنها خذلتهم فلم تكن مشاريع التغيير جاهزة بعد. لكنهم عادوا ووقعوا بالفتن مع الموارنة بجبل لبنان نتيجة الاستثمار البريطاني الفرنسي بكلا الجانبين.
إن تحوّل مسألة فلسطين من مسألة وطنية قومية إلى قضية إسلامية لها سلبيات إحداها موقف الدروز. طبعاً من الصعب اليوم التواصل الدائم والاحتكاك من أجل خلق الوعي عند دروز فلسطين، كما ومن الصعب جدا أن تعم الثقافة الوطنية القومية في كل مجتمعنا حالياً خصوصاً في ضوء المشاريع الاستعمارية الضخمة وفي ظل الصراعات الثقافية المتعددة، إنما بالمقابل يجب أن نستطيع إرسال رسائل التحذير من مستقبل مرير في ظل استمرار التعاون مع العدو الذي يجعل منهم كلهم خونة، مع اعتقادي أن الخيانة تطال الأفراد، لكن تعاون الجماعة مع الأعداء هو خلل سلوكي ثقافي لا بدّ من إصلاحه، وإلا فإن الجماعات التي تختار المغامرة ستدفع الثمن.
للانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام: