المحامي علي ابوحبله
(كاتب ومحام من الأردن)
نجح نتنياهو بعد تأليف كتابه في 2013 (مكان تحت الشمس) بفترة قصيرة أنْ يصعد لسدة الحكم في إسرائيل، وأن يتوج ملكا بانتخابه للمرة السادسة، واستطاع أنْ يُطبِّق بشكل كبير كل أفكاره، بتحطيم اتفاقيات أوسلو ومحاولاته التي لا تكل بدفن ووأد الحلم في دولته، فقد تم تكثيف الاستيطان بشكل جنوني حتى لم يعد بالإمكان الحديث عن حل الدولتين، واستطاع أنْ يُطوِّق القدس بالمستوطنات بحيث جعل تقسيمها كما يقول مستحيلًا وما زال يحاول بكل قوة السيطرة على سلوان والتي ذكرها في كتابه وأهميتها الاستراتيجية لـ”إسرائيل”، أما عن عشرات ألوف الفلسطينيين في القدس الشرقية، فبواسطة الضغوط والتضييق وهدم البيوت ومصادرة الأراضي يعول على إفراغها ومنع أي فلسطيني جديد من دخولها.
الائتلاف اليمني الذي يقوده نتنياهو ينفذ مخطط “اسرائيل” الكبرى وحرب “اسرائيل” على غزه تصب في صلب وفكر نتنياهو للتهجير القسري واعتبار سيناء الوطن البديل للفلسطينيين، وهو ينظر الى غزه كجزء من مشروع الشرق الاوسط الجديد وتعد ممرا حيويا لخطة بايدن لسكة الحديد التي تربط الشرق بالغرب وهو مخطط لإعادة سكة حديد الحجاز.
فيما سيبقى التعامل مع قطاع غزة في الجانب الاقتصادي خاضعا لتوصيات المستوى الأمني الإسرائيلي، والابتزازات المتبادلة داخل الائتلاف الحكومي، فيما لا يبدو أن هناك معارضة بين المستوطنين لتقديم تسهيلات اقتصادية للقطاع مقابل الحفاظ على الهدوء بعد انتهاء الحرب فيما لو صارت وفق مخططه ولكن تبقى النتائج رهناً بالخواتيم التي تقلب كل الموازين ضمن إعادة الحسابات وخلط كافة الاوراق.
وإذا تتبعنا مسلسل التصعيد فان حكومة الائتلاف اليمينية الفاشية قد اعلنت الحرب على الضفة الغربية قبل حربها على غزة رداً على هزيمتها المعنوية بعد معركة طوفان الاقصى.
ان حكومة اليمين الفاشية عملت منذ تشكيلها بالائتلاف مع قوى اليمين الصاعد سومتيرش وبن غفير على إعادة قدرة جيش احتلال على ردع الحالة العسكرية المتصاعدة في الضفة الغربية، وخصوصا في نابلس وجنين وطولكرم وكافة المحافظات الفلسطينية، من خلال عمليات عسكرية مكثفة، أو من خلال رفع التكلفة على المواطنين من خلال تسليح المستوطنين، حيث يعمل ما يسمى وزير الامن الداخلي على تشكيل ميليشيا من المستوطنين ليمارسوا ارهابهم ضد الفلسطينيين وشاهد العالم ممارساتهم وإجرامهم بحرق حواره وترمسعيا وشاهدوا خريطة سومتيرش الذي اعتبر الاردن جزءاً من اسرائيل الكبرى وخريطة نتنياهو في خطابه في الهيئة العامة في الامم المتحدة وهي انعكاس لايدلوجيته باعتبار اسرائيل من البحر الى النهر.
يشتهر نتنياهو بسياسة حرق خصومه السياسيين، حيث يسعى للتهرب من مسؤوليته عن تداعيات معركة طوفان الاقصى وهو يدرك انه سيلاحق عن ذلك واتهامه بالتقصير وسيتم تقديمه للمحاكمة، وفق تحليلات المحللين الاسرائيليين.
ونحن نستعرض أفكار وأيدلوجية نتنياهو ورؤيته لإسرائيل الكبرى في كتابه (مكان تحت الشمس ) قضايا كثيرة تناولها نتنياهو في كتابه تمس جوهر القضية الفلسطينية؛ وما طرحه من أفكار في كتابه بات يجسدها على ارض الواقع. وهذا الكتاب يستحق أن يلقى الاهتمام من النخبة السياسية الفلسطينية والعربية؛ لتتعرف على ماهية الشخص الذي استطاع الفوز بمنصب رئيس الوزراء للمرة السادسة وها هو يقود “اسرائيل” بحرب تطهير عرقي ويعرض الأمن والسلم الإقليمي والدولي للخطر ويحظى بدعم وغطاء أميركي لتمرير مخطط اسرائيل الكبرى.
نتنياهو وفق طرحه ورؤيته وفكره الأيدلوجي وعقيدته الصهيونية ورؤيته لـ”إسرائيل” الكبرى يرى “لا سلام مع العرب” هو لا يعترف بالشعب الفلسطيني – إلا وفق الشروط الإسرائيلية ويطنب بالحديث عن حق اليهود في أرض “إسرائيل”، وحقوقهم التي كفلها لهم وعد بلفور وقرارات مؤتمر فرساي وقرار الانتداب الصادر عن عصبة الأمم، حيث “إنَّ حق اليهود بالسكن في الخليل ونابلس وشرق القدس، معترف به من قبل العالم، تمامًا كحقهم بالسكن في حيفا ويافا وتل أبيب، وغرب القدس“. (الكتاب، ص 200).
وهذا الكلام مجافٍ للحقيقة، فأميركا وأوروبا وإنْ دَعَمَتا إسرائيل بقوة وعلى حساب القانون الدولي وحقوق الإنسان إلا أنَّها – على الأقل بالتصريحات السياسية – لم تعترف علنًا بأحقية إسرائيل في هذه الأراضي واعترفت ادارة ترمب في القدس عاصمة “اسرائيل” وان كانت دول اوروبية تعتبر القدس الشرقية مدينة تحت الاحتلال.
ويؤكد نتنياهو وفق عقيدته عن الأهمية التاريخية والدينية للضفة الغربية لليهود، فالضفة الغربية هي قلب البلاد، والتي كانت مسرحًا لأحداث هامة في مسيرة الشعب اليهودي قبل الشتات، فالخليل دفن فيها أجداد الأمة، وفي ألون مورية تلقى إبراهيم وعد الرب بالأرض، وبيت لحم تضمّ قبر راحيل، وأريحا عن طريقها دخل يهوشع إلى البلاد، ونابلس حيث تليت التوراة على مسمع الشعب…ألخ. ويركز نتنياهو حديثه عن سلوان وهي التي تتعرّض لأبشع أنواع التنكيل والمصادرة حيث تُهدم البيوت ويتم التضييق على سكانها لإجبارهم على الرحيل، ويقول إنَّ أسفلها يقع نبع وبركة كانا يزودان القدس بالمياه في عهد الهيكل الأول، وهو موقع مذكور في التناخ، وحول هذا الموقع بنى داوود عاصمته فكيف يمنع الاستيطان فيها؟
ويذكر بقول بن غوريون عن الخليل: “الشقيقة الكبرى للقدس“. (الكتاب، ص 206) ويؤكد دعمه لحركات الاستيطان بل إلى الحركة الأكثر تطرفًا ودموية غوش إيمونيم، ويلجأ إلى علم الآثار ليمارس هوايته باختراع ما هو غير موجود إذ يقول: “هذه الأرض، التي تخرج مع كل ضربة فأس في أراضيها بقايا من الماضي اليهودي“. (الكتاب، ص 210).
وقد سبق للكاتب عوز شيلاح أنْ تحدث عبر روايته “أراضٍ للتنزه” عن استغلال الاحتلال الإسرائيلي للعلوم ومنها علم الآثار وتزييفه لإثبات ما لا يمكن إثباته، والمحاولات الحثيثة لطمس أي وجود للشعب الفلسطيني عبر التاريخ.
في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيق الأمن لـ”إسرائيل” إلا عبر “قوة الردع المعتمدة على قوة الحسم“. (الكتاب، ص 289)، فلا بديل لـ”إسرائيل” إلا سلام مسلح وحذر بحيث يوفر القوة الكافية لها لردع العرب، ولا شك أفي َنَّ الذي أجبر الدول العربية التي وقعت اتفاقيات مع “إسرائيل” هو القوة وليس الرغبة بالسلام من قبلهم.
ويتناول نتنياهو عدم قدرة “إسرائيل” عن الدفاع عن نفسها إذا تخلت عن الضفة الغربية، ويستشهد بتوصية وزارة الدفاع الأمريكية بعد عام1967، والتي تضمنت ضرورة احتفاظ “إسرائيل” بأربعة أخماس أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وبهضبة الجولان جميعها. فالسيطرة على الضفة الغربية مسألة استراتيجية بالنسبة لإسرائيل فعدا عن أهميتها العسكرية، فإنَّ 40% من المياه العذبة التي تغذي “إسرائيل” موجودة تحت الأرض في الضفة الغربية، لذلك يرفض نتنياهو الدولة الفلسطينية ويقول إنَّ غالبية الإسرائيليين يعتبرون الدولة الفلسطينية “خطرًا مميتًا للدولة“. (الكتاب، ص 315).
فالضفة الغربية تشكل عائقًا طبوغرافي ولها أهمية حاسمة من ناحية العمق والارتفاع الاستراتيجيين لصد أي غازٍ، بالإضافة لأهمية السيطرة على مصادر المياه. وهذا يعني أنّ لها قيمتها الحيوية لـ”إسرائيل” وكل من يقترح تقسيم هذه المنطقة إلى دولتين، ويحاول الدفاع إنَّما يدعو للكارثة على الشعب الإسرائيلي، وكذلك الأمر بالنسبة للجولان الذي يزود “إسرائيل” بـ 40% من احتياجاتها المائية.
ووفق تلك الايدلوجية والنظرة التوسعية لنتنياهو فانه يسعى في ولايته السادسة الى ما يسميه «إنقاذ الأراضي في جميع أنحاء يهودا والسامرة»، حيث وعد ناخبيه بالقول «أتعهد بأن أكون مخلصًا لأرض “إسرائيل”، وعدم التنازل عن أي شبر من ميراث الآباء، وأن ألتزم بالعمل على تحقيق خطة استيطان لتوطين مليوني يهودي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وفقًا لخطة رئيس الوزراء يتسحاق شامير، وكذلك تشجيع وإنقاذ الأراضي في جميع أنحاء يهودا والسامرة»، نص في عريضة تعهد فيها مؤخرًا عشرات من الوزراء وأعضاء الكنيست الإسرائيلي التابعين لأحزاب يمينية بالعمل على توطين مليوني مستوطن في الضفة الغربية.
يريد هؤلاء تحقيق خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يتسحاق شامير، التي تدعو إلى توطين مليوني مستوطن بالضفة عبر إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة بدلًا من البناء داخل المستوطنات القديمة، إذ يعيش الآن أكثر من 400 ألف إسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية، ويعمل اليمين الإسرائيلي الذي يعتمد السياسة التوسعية، على استخدم سياسة «فرِّق لتسد»، إذ يحاول في بادئ الأمر ضم المنطقة (ج) التي تقع تحت سيطرة إسرائيلية كاملة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى عدد ضئيل نسبيًّا من السكان الفلسطينيين، ثم سيسعى إلى السيطرة على المنطقتين (أ) التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة و(ب) التي تخضع لمسؤولية السلطة الفلسطينية، لكن إسرائيل لها سلطة أمنية كاملة عليها؛ ثم منح هذه المناطق حكمًا ذاتيًّا.
وما يلبث أن تتحدث مصادر إسرائيلية عن آمال كبيرة في موقف إيجابي أميركي يحقق الضم، وأن تتضمن الخطة ضم “إسرائيل” لتكتلات استيطانية يهودية في الضفة الغربية، في حين سيجري إخلاء أو وقف بناء المستوطنات المنعزلة، وهي خطة تعكس الرؤية الإسرائيلية المتمثلة في قول نتنياهو إنّ «إسرائيل لن تزيل أي مستوطنة، ولن تنقل شخصًا واحدًا من المستوطنين في إطار أيّ خطّة سلام في المستقبل».
وفي الواقع، فإن وجود المستوطنات الإسرائيلية على أراض فلسطينية، يفترض أنها تشكل جزءًا من الدولة الفلسطينية التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية؛ يعدّ انتهاكًا للقانون الدولي، لذلك لن يقتصر تطبيق قرار ضم أراضي هذه المستوطنات في الضفة الغربية على سقوط حل الدولتين فقط.
بل إن الضم – حسب المصادر الإسرائيلية المعارضة له- «سيؤدي إلى مزيد من الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويقوّض بشدة إن لم يقض بالكامل، على التنسيق الأمني الناجح بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، وسيحفز الجهود مثل حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات التي تهدف إلى عزل ونزع الشرعية عن “إسرائيل”»، وسيخلق أيضًا انقسامات حادة في الولايات المتحدة تتعلق بصعوبة الحفاظ على الدعم الثابت لـ”إسرائيل” وأمنها.
ويمكن القول بأنه ورغم إدراك الإسرائيليين والأميركيين أن إيقاع السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية سيؤدي بالتأكيد إلى كابوس من نوع أو آخر، مثل تصاعد الاحتجاجات الفلسطينية والإدانة الدولية، فإن تطبيق هذا الضم سيكون أمرًا لا رجعة فيه؛ «سواء أنجز سريعًا أو بدرجة علمية، فهو بمثابة ضمّ يتعارض مع اتفاق عمره اكثر من ربع قرن، ينص على عدم تغيير الوضع الراهن بين “إسرائيل” والفلسطينيين إلا من خلال المفاوضات»، حسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
حرب غزة اعادت خلط الاوراق وأفقدت امريكا صفة الوسيط بعد ان اصطفت لجانب اسرائيل في حربها على غزة وضعف الاتحاد الأوروبي واصطفاف بعض دوله لجانب “اسرائيل” ودعمها بحربها على غزة. ويرى المراقبون أن الطريق مفتوح على مصراعيه للصراع المفتوح والسبب يعود للتطرف الذي عليه نتنياهو وفق ايدلوجيته التي عبر عنها في كتاب تحت الشمس ويشاركة ائتلافه اليميني المتطرف وباتت المنطقه رهن تداعيات الحرب على غزة، وكل ذلك يعود لسياسة الكيل بمكيالين وأن التوقعات ان تداعيات سياسية، وأمنية، واقتصادية، وقانونية خطيرة ستطال المنطقة ودولها بسبب الحرب التي تشنها امريكا والغرب و”اسرائيل” على غزة والشعب الفلسطيني والقضاء على أي امل لتحقيق السلام وتغييب قسري لا بل تجاهل لقرارات الشرعية الدولي مما يؤدي إلى دخول المنطقة للمجهول.
للانضمام:
مجموعة حرمون للتعليم والإعلام والتدريب:
https://chat.whatsapp.com/HQi7bkJTOGGLYmdqUsKYOB
مجموعة منصة حرمون وندوة حرمون الثقافية:
https://chat.whatsapp.com/HFNrMOLD5TKDxmZTTjYZi3
مجموعة حرمون بالتلغرام: